يا لها من مفارقة يندى لها الجبين تلك التي يجسدها يومياً أتباع ما يسمى بالحراك الجنوبي.. فما بين التنكر للوطن الأم وهويته الجامعة والتيهان في كل اتجاه التماساً لوطن آخر وهوية مختلفة لم يزل هؤلاء يثبتون صباح مساء كم هم مصابون بانفصام الشخصية، وضياع الهوية، واستلاب الذات، وانعدام الوطنية. لقد ضاق الانفصاليون ذرعاً بهوية الوطن الواحد تحت مسمى اليمن، ولم يكفهم للتعبير عن تنكرهم لأصلهم الجامع الإساءة إلى اليمن أرضاً وإنساناً، وإنما تمادوا في الغي حدّ التنازل عن الثوابت ومجافاة الرموز الخالدة التي يكفي الواحد منا مجرد الانتساب إليها حتى يشعر بكيانه الفريد وتاريخه المجيد وحاضره الواعد، ومن ذلك علم دولة الوحدة الخالدة، إذ أنه ليس مجرد تشكيلة من ثلاثة ألوان بقدر ما يعبر عن هوية أمة وتاريخ ووطن، وبه يعرف اليمني، ويستحضر معه تاريخ حضارة عمرها آلاف السنين. هذا الرمز الدال على كينونة أمة يمنية واحدة بكل ما تنطوي عليه من تنوع وثراء تاريخي وحضاري بات لدى الانفصاليين وحراكي الخراب هدفاً يفاخر الواحد منهم بمقدار انفصاله عنه وابتعاده منه، ومع أن التنكر للوطن قرين التنكر للنسب الموصل إلى أسرة من أب وأم معروفين إلا أن هؤلاء لم يعد يعني لهم شيئاً الخجل والعار اللذان ينبغي أن يستوليا على كل من اتصف بالعقوق والتنكر لأصله وهويته وموطنه الذي ينتسب إليه ويفترض به أن يحمل اسمه، ويعض عليه بالنواجذ، ويكون في تمسكه به مهما لقي في سبيل ذلك من محن وأضرار ومصائب كالقابض على الجمر، إذ من ذا الذي يرتضي لنفسه الاستلاب والاغتراب والعيش مجهول النسب والهوية؟! إذاً فقد ارتضى دعاة الانفصال لذواتهم الاستلاب وتنصلوا عن جذورهم وسعوا لإخفاء انتسابهم لهذا الوطن، ولكنهم في غمرة الضياع والتيهان لم يدركوا أن المسيء إلى وطنه الأصل والمتبرئ من جذوره لن يكون محل ثقة أية جهة يريد اللحاق بها والانضمام إلى صفوفها، فمن لا خير فيه لأهله لن يكون فيه للغير إلا السوء والإثم والذل والعار. هذه هي الحقيقة القاطعة التي يتوجب على دعاة الانفصال التيقن منها، إذ أنهم مهما رفعوا في اشتغالهم الاستلابي أعلام دول غربية مثل أمريكا وبريطانيا فليعلموا أن الأمريكيين والبريطانيين وكل العالم لن يلتفتوا إليهم إلا بعين السخرية والاستهزاء والتحقير والازدراء، فمن لم يرع حق وطنه وشرف الانتساب إليه وحمل اسمه لن يرعى حق أية دولة أو هوية أخرى مهما رفع اليوم من أعلامها ونادى بالالتصاق بها، فالخائن سيظل خائناً، ومن ابتدأ بخيانة نفسه وجاهر بها فلا ولن يكون لغيرها أميناً. وصحيح أن هذه الدول التي يرفع الفضلي وأشباهه من الانفصاليين أعلامها ويودون لو يبدلوا بها جلدتهم قد تستخدمهم بما يحقق بعض أهدافها، ولكنهم في نظرها لن يستحقوا سوى التبعية والذل، وسيظلون بنظرها عملاء وخونة ومرتزقة.. والمؤكد أن المرء حيث يضع نفسه، ولقد ارتضى الانفصاليون لأنفسهم هذا الدور المشين والواقع المقيت.