تأملات في ديوان (صوت الحقيقة) للشاعر الشعبي محمد عوض المشطر
صالح العبد با عزب عاش الشاعر الشعبي محمد عوض المشطر فقيراً عاشقاً للحياة والناس شديد الارتباط ببيئته الريفية في م/ أبين مودية مولعاً بالرعي والزراعة تميزت حياته بالبساطة والدفاع عن حقوق المضطهدين رافضاً لكل أشكال على الظلم والاستبداد مجاهراً بالحقيقة.. ومات غنياً بما له من أشعار يتردد صداها بين الناس الذين أحبوها وأحبوه كونها تعبيراً عن أحوالهم ومعاناتهم التي جسدها في مضامين قصائده الشعبية التي لم تكن بمعزل عن البيئة والناس مهما كانت ذاتية، وإنما هي لوحة حساسة يرتسم على محياها كل ما يحيط بها من مؤثرات تمتزج بخوالجه ونفسه وتشكل نسقاً شعرياً جميلاً اندمجت فيه معاناة الآخرين وبعضها تظل حكمة مستخلصة من تجارب إنسانية لها دلالة عميقةيقول في قصيدته “السياسة يا فتى تشتي ذكاء” :[c1]شف السياسة يا فتى تشتي ذكاء ذي ما عرف شي للسياسة با يزكونهويسقط الآدمي لا ما مع أجناحه ركا مضمون يسقط شخص ماله ناس يركونه.ومير النوب يسرح لا قد العاكي عكاوالنوب بعده ينتهي لما يعكونهومولى القات يفرح لا على المدكى دكى وأهل السياسة بالمكبة يلعبوا كونه[/c]وفي قصيدة أخرى يقول :[c1]يا دار ما احسن حجارك ريت أن مولاك عاشلكن قال المشطر كثر التمني بلاشقال المشطر محمد من صاحب الداش اللاششوف السحل يا صديقي ما هي شبيه الحناش[/c]أشعاره الوطنيةيعد المشطر واحداً من الرواد المناضلين الذين رفعوا بيارق التغيير من أجل وطن يمني حر آمن ومتحرر من كل قيود العبودية والظلم والاستبداد فكانت قصائده سلاحه في معارك البطولة والكفاح ضد الاستعمار البريطاني حيث يقول في 1964م :[c1]يا ردفان لعلا ذي عليك الدم راقأصبر على موت الفناء والنار والحراقيا ردفان لعلا عاشت الأحرار فيكوعاش مولا القاهرة من قوته ينريك[/c]حيث نراه في أحد قصائده في منتصف 1965م يهاجم بريطانيا ويشتم المستشار البريطاني (ملين) وهو القائد العسكري على السلطنات في م/أبين حيث يقول :[c1]نقل من بلادنا يا يهودي انجلانالشعب قرر لا يبا حاكم ولا سلطانسجنت الشعب يا ميلن على بوك الدماندي الشعب بعدك معذب حالته تعبان[/c]وفي الثلاثين نوفمبر 67م يقول المشطر :[c1]يوم الثلاثين نوفمبر لمع واعتلى ومدفع القومية ما تسمع إلا هديره[/c]وبعد رحيل الاستعمار البريطاني ظهرت كثير من الاختلافات بين رفاق النضال تناولها المشطر ناقداً لما آل إليه حال البلاد وخصوصاً عدن العاصمة فعند دخوله عدن 1976م الحاضرة في قلب الشاعر ووجدانه يرى فيها تغييراً لا يبعث على السرور وهذا حال عدن الأبية دائماً عصية حتى وإن نهبها الطامعون أو سلبوا ممتلكاتها وخدشوا جمالها المشرق فيصورها المشطر من خلال زيارته (لمعسكر عبد القوي) وينقل لنا صورة بسيطة عفوية لمواطن غيور يسخر من الأعمال التخريبية حيث يقول :[c1]ما أصعب الإنسان لتذكر زمانهعينوا عبد القوي ذي راحت أركانهويا النفس الأبية لا تجيشي في الجبانةنقلوا شبكة وشلوا زيد عيدانهأنا حطيت قلبي عند معروفي أمانةلكن ذا المعروف لا عزه ولا صانه[/c]ويوجه نقده للحكام في 1976م الذين يتاجرون بشعارات الحرص والمواطنة والعدالة والمساواة صباحاً حتى إذا جن الليل انصرفوا إلى رغباتهم في الحصول على القات والخمر وغير ذلك على حساب مصالح الكادحين حيث يقول :[c1]يا كادح فلوس القات تأتي لك منينكادح ووقت القات توخذ قات بوميتينومن دفع الأسد نص الزجاجة بأربعينوأربعة باكت وكوكا باتخذ ثنتينكم من راتبك ذي لك وكم للآخرينأيضاً وكم في الجيب لا شي ناس مهتمينأوصيك تحذر من ضياع المغرقينالشعب صاحي بايسجل غلطتك في حينشف با يحاكمونك لو تحاكم باتدين با يصفقون الناس ذي قلت أنهم راضينلا قد صفقوا بعدين باتصبح سجين وبعد فترة بايجي في حلقك السكين[/c]الغزل في شعر المشطريمثل شعر الغزل والحب أرق العواطف والشعراء فيه يسلكون اتجاهات مختلفة حسب أغراضهم فمنهم الذين يعبرون في شعرهم عن تأثيرهم بالجمال وشغفهم بالحسان والبعض الآخر لايبالون إلا بالمتعة السانحة فيصورون مغامراتهم ويصفون المناحي الأنوثية في إباحية مفرطة وهناك من يسمون بالغزل والحب إلى الجمال الآلهي والروحي لأن العيوب فيه ليس من النساء والبعض لجأ إلى الرمزية فالمحبوبة هي الوطن أو الأرض أو القضية التي يسخر حياته وشعره لخدمتها وهذا النوع هو ما تميز به شعر العاطفة والغزل عند شاعرنا المشطر فلم تكن المرأة تثيره ولم يكن مولعاً بها ولم تجد المرأة مكاناً في حياته العاطفية فهو لم يتزوج إطلاقاً طوال فترة حياته وتلك خصوصية لسنا بصددها.ومما لا شك فيه أن المرأة رمز يقف عنده الشاعر ليعبر عن موقف ما الفكرة من خلال ديباجة لفظية ذات معان مختلفة ففي قصيدته على باب شارتر بنك في مدينة كريتر يقف الشاعر على باب البنك الاستثماري البريطاني في عام 1969م ليقع في حب فتاة من فتيات المدارس ويجعلها رمزاً لقضية أخرى سياسية تتصل بأعضاء القيادة العامة في المؤتمر الرابع للجبهة القومية المنعقد بزنجبار وعددهم (44) عضواً حيث يقول :[c1]دخلت عدن من شأن أنظر وانتظراومن شأن شاهد ناس في الحظ سائرينعلى باب شارتر بنك حمالصي الخطرصدفت بنات الحوار أربع وأربعينوصبرت قلبي وان قلبي ما صبربا يدخل الاسكول بين المعلمين [/c]الرثاء عند المشطرأجاد الشاعر الرثاء بنوعيه الشخصي والعمومي الشخصي المرتبط بفقيد عربي أو من ذوي القربى أو الصداقة الحميمة أما العمومي المرتبط بالشخصيات العامة كالأبطال، والنوابغ والمبدعين والسياسيين.. وفي هذا كتب الشاعر المشطر مرثيات عديدة فعلى المستوى القومي العربي مجد ورثاء الزعيم جمال عبد الناصر بقصائد نذكر منها قصيدة كتبها بالفصحى وهو لا يعرف القراءة والكتابة حيث تقول كلماتها :[c1]حانت بنا الركب هذا في الخبر كدرهل من وصول لحاضر كاد يحتضرسار المحبون لا أدري متى رحلوا أما ترى العيش هذا بعدهم كررفما استوحش الدهر حتى جاء في عجلرز الرزايا فزاغ القلب والبصرإن جف دمعي ستبكي كل شادةتبكي عظامي إذا ما ضاق بي قبرفما رأى مؤمن لا مر أنت كاتبههو القضاء قضاء الله والقدر [/c]وعند وفاة أم كلثوم كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي في 1973م رثاها بقصيدة طويلة نذكر منها :[c1]أنا ليه من المغرب دنا شوف الفلومما شفتشي فنان مثل السيدة كلثومكلثوم ماتت يا ندمنا بالندمالفن يحزنها ومسرحها أصبح مهدوميا كوكب الشرق المضيء فوق النجومذي ما تحلى بالغناء في مسرحك مظلوم[/c]وقد رثى الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) عام 1978م بمرثية جميلة تحت عنوان (ريته سالم بن ربيع واعتبر مقتله ورحيله ضربة عظيمة لكل الفقراء والضعفاء والكادحين حيث يقول :[c1]يا ناس ضربة عظيمة في العظم لادق بانوس ما تعالج لتختر ولا لها طب مدروسريته سلم بن ربيع ومات جاعم وجعسوسريته سلم للجماعة يدوسهم في الحذاء دوسحتى سلم بواحد ومات مقفع ومسدوس لما ولى يا حبايب باسير في الأرض مدعوس[/c]وفي العام 1990م رثا المشطر المناضل المرحوم علي باذيب في مرثية عصماء تخليداً واعترافاً بدوره الكبير في انتصار الثورة. [c1]وصلني نبأ باذيب في قلبي اعتلاء ولا عد وجدت الدمع في عيني أدمعهوانهارت أعصابي قفا المرح والسلاويبكون من بيحان لا لحج لشعهويبكوا شريفاً ما يجي فيه لا.. ولا أخا بوبكر مولى العلوم المنوعة[/c]تفاعل المشطر مع القضايا القوميةشهدت فترة الخمسينات والستينات في القرن الماضي زخماً ثورياً في كثير من بلادنا العربية والدعوة للتحرر والوحدة العربية وقد تفاعل الشاعر الشعبي المشطر متأثراً بالفكر القومي بقيادة عبد الناصر الذي أحبه وسطره شعراً جميلاً معلناً تلبيته للنداء القومي ففي عام 1956م يقول :[c1]جمال قولوا كلكم يحيا جمال لما جنوب الخور يردها بقواتهساعة ونص أذاع تحرير القنالوحنا من الريدوه نسمع أخباره[/c]وبعد هزيمة حزيران 1967م للجيوش العربية أقدم عبد الناصر على تقديم استقالته التي استنكرها ورفضها كل العرب وكان وقعها مؤلماً على محبيه ومنهم شاعرنا الذي تفاعل مع هذا الحدث الذي قض مضجعه :[c1]سمعت نبأ يا صاح من مصر راعنيبسهم يصيب القلب أثراً إلى الورىسمعنا في المذياع أن جمالنـــــــامن المجلس الأعلى رفيقاً تجذرالما فقد عقلي وسمعي وناظــــريولا عاد استعقلت ولا اسمع ولا أرى وحرمت من نومي ومشربي ومأكلي أن السماء السبع هبطت على الثرى[/c]وفي 6 أكتوبر يوم العبور لقناة السويس 73م يفرح المشطر وينبسط خاطره ويسطر ذلك شعراً :[c1]في ستة أكتوبر طلع في النور نور واستر قلبي وانبسط خاطري المسروريوم السبت فوق الجسر حطين الصقوروتلاشت القوة وقائدها هنا مأسور[/c]وكون الشاعر المشطر من الذين يستقرئون أحداث المستقبل وتحولاته فقد تنبأ مبكراً في قصيدة عام 1985م بالهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط فيقول :[c1]كلمني خيالي قال لي حاصل سباق سباق في كل الدول باتملي الافقاقوبا يحصل تهديد على سورية والعراقوبا تمزق ذا الستائر كلها فراقوبا يحصل تفكك به تخاذل وانشقاق با يرهقون الناس ذي ما يعرفون الإرهاق[/c]وكون الإبحار في عالم المشطر كبير فهو زاخر بالعطاء، وله أبعاده ودلالاته الرائعة فهو جدير بالدراسة والبحث والنقد فقد امتلك مخزوناً وموروثاً شعرياً غزيراً طرق من خلاله كل أبواب الشعر وأمتلك ملكة التنبؤ وقراءة الأحداث برؤية ثاقبة تتوقع المستقبل ومن تلك التنبؤات المشؤومة أحداث يناير التي تنبأ بها وبزمانها ونتائجها قبل أن تحدث وهو الذي تنبأ بموته في آخر قصيدة كتبها وعنوانها (عسى لا موت لما آخر الفلم أنظره) وبعدها يموت المشطر في أبريل 1991م حيث تقول كلماتها :[c1]عسى لاموت لما آخر الفيلم أنظرهواتفرجه يرتاح منه خاطري المجروحفازع لا يسبني الموت وسط المقبرةوأني انتهي ما عاد شاهد شي سفينة نوحلأني حس هذا العام بيه مقدرة لكن ربي ما يغير ذي كتب في اللوحأن بابر وأصاحبي يجيبوا لي ذرةوياعسل حالي يجيبونه على التفلوحوجابوا لي دجر وأحيان جابوا صنبرةوقلت له ما باه يا حبوب بالمفتوح[/c]