أ.د / أحمد محمد شجاع الدين :وقد طرأ تغير ملحوظ في فهم وإدراك أبعاد المسألة السكانية وتأثيراتها المختلفة على مختلف جوانب الحياة خلال السنوات العشرين الماضية على بلدان كثيرة من العالم في المجال الديمرغرافي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي والسياسي. وأحرزت بلدان كثيرة تقدما كبيرا في مجال توسيع فرص الانتفاع برعاية الصحة الإنجابية وخفض معدلات المواليد، وكذلك في خفض معدلات الوفيات ورفع مستوى التعليم ومستوى الدخل، بما في ذلك تعزيز الوضع التعليمي والاقتصادي للمرأة. وقد وفر التقدم في مجال العلم والتكنولوجيا العديد من الإنجازات خلال العقدين الماضيين في مجالات متعددة مثل: زيادة استخدام موانع الحمل، خفض معدل وفيات الأمهات، خطط ومشاريع التنمية المستدامة التي تم تنفيذها، وتحسين البرامج التعليمية أساسا لتفاؤل بشأن النجاح في تنفيذ برنامج العمل السكاني الذي أقره المؤتمر الدولي للسكان والتنمية لقد تغير المفهوم لدى معظم دول العالم في كيفية التصدي لقضايا السكان والتنمية. ومن أهم تلك الجوانب التغيرات الكبرى في موقف شعوب العالم وقادتها من الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة وعلاقته بالنمو السكاني مما أفضى إلى جملة أمور منها نشوء المفهوم الجديد والشامل للصحة الإنجابية بما في ذلك تنظيم الأسرة كما عرفها برنامج العمل السكاني الذي أقره المؤتمر العالمي للسكان. ومن الاتجاهات المشجعة تعزيز الالتزام السياسي للعديد من الحكومات في العالم تجاه السياسات المتصلة بالسكان وبرامج تنظيم الأسرة، وهذا مما يعزز النمو الاقتصادي المضطرد في سياق التنمية المستدامة ويعزز من قدرة البلدان النامية على مواجهة ضغط النمو السكاني المرتقب، وسوف يسهل التحول الديموغرافي في البلدان التي يختل فيها التوازن بين معدلات النمو الديمرغرافي والأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تتطلع إلى تحقيقها وسوف يسمح هذا التوجه السياسي بتحقيق التوازن باندماج البعد السكاني مع غيره من السياسات المتصلة بالتنمية.إن الأهداف والإجراءات السكانية والإنمائية لبرنامج العمل الذي توصل إليه المؤتمر العالمي للسكان والتنمية قد تصدي لجملة من التحديات الكبيرة وخاصة للعلاقات المتبادلة بين السكان والنمو الاقتصادي المضطرد في سياق التنمية المستدامة ولكي يتم ذلك أكد المؤتمر العالمي للسكان والتنمية الذي عقد في سبتمبر عام 2004م أنه يتحتم على الدول المتقدمة تعبئة الموارد بالقدر الكافي على الصعيدين الوطني والدولي والبحث عن موارد جديدة وإضافية لتعزيز قدرات البلدان النامية بما في ذلك المصادر المتعددة والثنائية والخاصة، ويحتاج الأمر أيضاً إلى موارد مالية كافية لتعزيز قدرة المؤسسات الوطنية والإقليمية والدولية على تنفيذ برنامج العمل الذي أقر من قبل المؤتمر العالمي للسكان والتنمية.
الازدحام السكاني
ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تحولات عديدة في مجال السكان ومنها ارتفاع وتيرة هجرة السكان من الريف إلى المناطق الحضرية وهذا سيؤدي حتماً إلى زيادة عدد سكان في المدن الرئيسية والثانوية وستظهر مدن صغيرة الحجم جديدة وهذا الوضع سيؤدي حتما إلى استمرار الارتفاع في مستويات الهجرة الداخلية والخارجية. إن هذه الهجرات جزء هام من التحولات الاقتصادية التي تحدث في شتى أنحاء العالم، وتفرض تحديات جديدة وخطيرة على حكومات العالم. ولهذا يجب التصدي بمزيد من الوضوح من قبل كافة دول العالم لهذه القضايا في إطار السياسات السكانية والإنمائية، فبحلول عام 2015م ينتظر أن يعيش ما يقرب من 56% من سكان العالم في المناطق الحضرية، مقابل أقل من 45% كانوا يعيشون في الحضر عام 1994م ، وسوف تحدث معدلات التحضر في البلدان النامية في عام 1975م ولكن الإسقاطات السكانية للأمم المتحدة تتوقع زيادتها إلى 50% عام 2015م ، وسوف يلقى هذا التغيير عبئاً هائلاً على الخدمات والبنية الاجتماعية الموجودة حالياً في البلدان النامية .وأكد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية أنه لابد من تكثيف الجهود في السنوات القادمة من خلال مجموعة من الأنشطة السكانية والإنمائية، وعلى أن يظل في الاعتبار أن المساهمة الحاسمة من أجل إنجاز التنمية المستدامة وبرنامج العمل الراهن الذي يتصدى لكل هذه القضايا في أن يكون بإطار شامل ومتكامل من أجل تحسين نوعية الحياة لسكان العالم الحاليين وللأجيال المقبلة تؤكد توصيات برنامج العمل أيضا التي تم التوصل إليها في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد بجمهورية مصر العربية وبروح التوافق والتعاون الدولي، مع التسليم من قبل المشاركين في المؤتمر العالمي بأن صياغة وتنفيذ السياسات المتصلة بالسكان هما مسؤولية كل بلد ولابد أن تأخذ في اعتبارها تنوع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في كل بلد. مع المراعاة التامة لمختلف القيم الدينية والأخلاقية فضلاً عن المسؤوليات المشتركة إزاء مستقبل واحد. إن برنامج العمل الذي توصل إليه المؤتمر يوصي المجتمع الدولي بتبني مجموعة من الأهداف السكانية والإنمائية الهامة، فضلاً عن غايات نوعية وكمية متكاملة وذات أهمية حاسمة لتلك الأهداف ومن هذه الأهداف والغايات: النمو الاقتصادي المضطرد في سياق تنمية مستدامة، والتعليم وخاصة للبنات ، والإنصاف فرصة انتفاع الجميع بخدمات الصحة الإنجابية بما فيها تنظيم الأسرة ومن الواضح أن الكثير من الغايات الكمية والنوعية لبرنامج العمل التي أقرها المؤتمر تحتاج إلي موارد إضافية يمكن توفير بعضها عن طريق إعادة ترتيب الأوليات في كل بلد وعلى كل من الصعيد الوطني والدولي. وأكد المؤتمر الدولي أن أياً من الإجراءات المطلوبة ليست مكلفة في سياق التنمية العالمية الجارية أو مقارنة بما يتم تخصيصه من قبل الدول للنفقات العسكرية . وثمة عدد قليل من الدول سوف تحتاج إلي قليل من الموارد الإضافية والبعض الآخر قد لا تحتاج إليها على الإطلاق من أجل تحقيق الأهداف الواردة في برنامج العمل الدولي.ويؤكد برنامج العمل الذي توصل إليه المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد في القاهرة في سبتمبر 2004م أنه لا ينتظر من الحكومات أن تحقق بمفردها غايات وأهداف المؤتمر، بل على المجتمع الدولي والمجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني مسئولية الاضطلاع بدور نشط في الجهود المبذولة لبلوغ تلك الغايات. وأكد المؤتمرون أن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية لا ينشئ أي حقوق إنسان دولية جديدة بل نجد أن جميع المشاركين في المؤتمر قد أكدوا على تطبيق معايير حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً على كل جوانب البرامج السكانية، ومثل المؤتمر فرصاً متاحة للمجتمع الدولي كي يتصدى جماعياً للتحديات وللعلاقات المتبادلة بين السكان والتنمية. وأكد المؤتمر أن برنامج العمل يحتاج إلى أرضية مشتركة، مع الاحترام الكامل لمختلف الأديان والقيم الأخلاقية والخلفيات الثقافية لكل بلد شارك في المؤتمر الدولي، وسوف يقاس تأثير هذا المؤتمر بقوة التعهدات المحددة من قبل كل دولة التي ستعلق من أجل الوفاء بها كجزء من مشاركة عالمية جديدة تقوم بين كل من بلدان العالم وشعوبه وتكون مبنية على روح من المسؤولية المتقاسمة، وأن تكون متمايزة كل واحدة تجاه الآخرى من أجل هذا الكوكب الذي نعيش عليه.
زيادة في خطوط الطرقات لمواكبة الازدحام
ومن أجل تحقيق عدة مبادئ أكد المؤتمر العالمي للسكان والتنمية المنعقد في سبتمبر 2004م الآتي:-أولاًَ: لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دونما تمييز من أي نوع ولكل إنسان الحق في الحياة والحرية والأمان على شخصه.ثانيا: يقع البشر في صميم الاهتمامات المتعلقة بالتنمية المستدامة ويحق لهم التمتع بحياة صحية ومنتجة في وئام مع الطبيعة والناس اللذين يعتبران أهم موارد لأي أمة. ثالثاً:- لا يجوز اتخاذ عدم التنمية في أي بلد من بلدان العالم ذريعة لتبرير الانتقاص من حقوق الإنسان المعترف بها دولياً، ولابد من تحقيق التنمية حتى يمكن أن تلبي بإنصاف الحاجات السكانية والائتمانية والبيئية للأجيال الحالية والمقبلة.رابعاً: تعزيز الإنصاف بين الجنسين وتمكين المرأة والقضاء على العنف ضدها بجمع أشكاله.خامساً: تعد الأهداف والسياسات المتصلة بالسكان جزءاً لا يتجزأ من التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي تمثل هدفها الرئيس في تحسين نوعية حياة الناس جميعاً.سادساً: الاعتراف الكامل بالعلاقات المتبادلة بين السكان والموارد البيئية والتنمية وإدارتها الإدارة السليمة توازن متناسق ودينامي بينها. حيث يتعين على الدول أن تخفض وتزيل أنماط الاستهلاك غير المستدامة وتشجيع انتهاج السياسات المناسبة بما في ذلك السياسات المتصلة بالسكان، من أجل الوفاء بحاجات الأجيال دون الأضرار بقدرة الأجيال المقبلة على الوفاء بحاجاتها.سابعاً: تتعاون جميع الدول في الاضطلاع بالمهمة الجوهرية المتمثلة في استئصال الفقر باعتباره شرطاً لابد منه لتحقيق التنمية المستدامة، وذلك بغية خفض أوجه التفاوت في مستويات المعيشة والوفاء على نحو أفضل بحاجات غالبية الناس في العالم.ثامناً: لكل إنسان الحق في الحصول على خدمات الرعاية الصحية بما فيها الخدمات المتعلقة بالرعاية الصحية الإنجابية التي تشمل تنظيم الأسرة، ولكل الأزواج الحق في أن يقرروا وبحرية ومسؤولية عدد أطفالهم والتباعد بينهم وأن يحصلوا على المعلومات والتثقيف والوسائل لبلوغ ذلك.تاسعاً: الأسرة هي وحدة المجتمع الأساسية، ومن ثم ينبغي تعزيزها، ومن حقها الحصول على الحماية والدعم الشاملين.عاشراً: ينبغي أن يوجه التعليم إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بما في ذلك ما يتصل فيها بالسكان والتنمية.الحادي عشر: للأطفال الحق في أن يحصلوا على الرعاية والتوجيه والدعم من الوالدين والأسر والمجتمع، وأن يتمتعوا بالحماية من جميع أشكال العنف البدني والعقلي أو الإيذاء أو الاعتداء والإغفال والمعاملة المتسلمة بالإهمال أو سوء المعاملة أو الاستغلال.الثاني عشر: على جميع بلدان العالم استقبال المهاجرين قانونياً وأن توفر لهم ولأسرهم المعاملة الحسنة وخدمات الرعاية الاجتماعية، وأن تكفل سلامتهم البدنية وأمنهم مع مراعاة الظروف والاحتياجات الخاصة للبلدان ولاسيما البلدان النامية. [c1]_ رئيس جامعة إب [/c]