عبد الرحمن إبراهيمربما لن يغني القول إنّ فيصل علوي، الذي أصبح بحق فنانًا كبيرًا متميزًا في حركة الغُناء في اليمن بفعل مثابرته وجهوده المتواصلة وعشقه لمجاله / قد أستطاع أن يضطلع بدورٍ مهمٍ في سياق تطوير الأغنية اليمنية عمومًا / في إخراج الأغنية ذات الطابع اللحجي من دائرتها المغلقة المحصورة في نطاق مناطق يمنية محددة في أحسن الأحوال، إلى دائرة أكثر أفقًا وفضاءات أوسع وأرحب من فضائها اليمني، ليجعل منها تتعانق عناقًا مدهشًا مع وجدانات المتلقين العرب، سواء في منطقة الجزيرة والخليج أو غيرها من الأماكن التي يحل فيها فيصل علوي، أو تلك التي يتردد فيها صدى حنجرته الشجية عبر أدوات ووسائل إعلامية متعددة يأتي في صدارتها شريط الكاسيت، ثم بعض الفضائيات وخصوصًا الفضائية اليمنية، والسهرات الخاصة المنقولة من تلفزيون عدن وبعض فضائيات دول الجوار.وعندما نقول إنّ فيصلاً قد أخرج الأغنية اللحجية من إطارها الضيق، فإننا نعني على نحوٍ أخص (الأغنية القمندانية) التي كادت أن تنحسر بعد رحيل وانكفاء وصمت مردديها من مطربي لحج خاصة!!فهل يستطيع أحد منا أن ينسى أو يتناسى مهمة فيصل علوي في بث روح الأغنية القمندانية بعد تهدج صوت نبضها، ومنحها جرعات دافقة في سبيل استعادة حيويتها ومحاولة العمل على تحديثها عبر صوته الممزوج بالقوة والرخامة، وعبر عزفه المتفرد بتلقائية نادرة أهلته ليصبح بالتالي ظاهرة تبدو سهلة وعصية في الآن نفسه !!هل يستطيع أحد أن يغض الطرف عن دوره في توسيع رقعة أبدع ما كُتب ولحن الأستاذ/ عبد الله هادي سبيت، والشاعر صالح نصيب، ولحن الفنان فضل محمد اللحجي الذي شكلت أغانيه انعطافه خطيرة في مسار تطور الأغنية اللحجية واليمنية بصفة عامة!.ولن نتحرج في قولنا إنّ لولا فيصل علوي لما أنتشرت أغانٍ مثل (أخاف منك عليك) و(يا اللي تركت الدمع) و(نجمة الفجر)، وغيرها من الأغنيات التي كانت أساسًا لتألق الشاعر صالح نصيب والملحن فضل محمد اللحجي.. كما ستظل حاملة لأسباب البقاء تمارس تأثيرها على الذائقة اليمنية لما تنطوي عليه من أصالةٍ نادرة، وصيرورة متوهجة.. لأنّ الأصيل يظل أصيلاً وجميلاً في الوقت نفسه مهما تقادمت به سنون الزمن الفائضة بالنسيان!أسئلة الاضطراب الناعم!!والآن .. وبعد انصرام خمسة عقودٍ على تجرِبة الفنان الكبير فيصل علوي، أليس من حقنا أن نشهر السؤالين الباذخين :لماذا لا ندرس هذه التجرِبة الفنية في فرادتها الصوتية، وفردانيتها العزفية؟!إنّهما سؤالان ينطويان على قدرٍ كبيرٍ من المشروعية والاضطراب الناعم.أجل.. من حقنا أن نعلن أسئلتنا ونوجهها صوب القدرات النقدية الفنية الجادة خصوصًا أنّ راهن النقد الفني خامد جامد لا حراك يسري في مساماته ويحتاج أكثر ما يحتاج إلى مغامرات واعية وذكية تقينا من طرطشات البلادة وهلوسات الجهالة الجهلاء التي تلح على إصابتنا بالزكام المزمن!!إنّ الحركة الفنية بصفة عامة لا سيما في هذه المرحلة التي تنعدم فيها المعايير ربما في كل شيء، أحوج ما تكون إلى انتقادات صارمة تتأسس على أدوات لازمة، ومقاييس صريحة واضحة.. حتى نستطيع أن نميز من الكثرة والكثيرات من الأغنيات الغث من السمين، والجميل من القبيح والمتوسط من الردئ!!أجل .. مطربونا ما أحوجهم إلى الدراسة لأبعاد تمظهرات مواهبهم وقدراتهم.. ما أحوجنا إلى معرفة الفروق بين المرشد وأحمد قاسم والزيدي وبامدهف، وبين القمندان والمحضار، وفيصل علوي والعطروش، وأيوب طارش والسمة والعرومة... الخ.فهل ينهض الناقدون من سباتهم العميق؟.. هل تنبض جدية النقد؟.. إنّها دعوة، بل صرخة تنطوي على مرارة دفينة نتوجه بها إلى ذوي الشأن من العارفين، وليس إلى عبيد الشهرة ومرضى الظهور!! إنّها دعوة إلى النقد الصارم، النقد الذي يمتلك سلطة معرفية لها قيمتها في الكشف وتسليط الإضاءات حول طبيعة ممارسة الغُناء وتقويمه على نحوٍ يؤمن الاستنتاجات التي تؤسس لحركة نقدية فنية تساهم في التطوير الإيجابي لمسارات الأغنية اليمنية!!
|
رياضة
فيصل علوي حامل لواء الأغنية اللحجية
أخبار متعلقة