صبـاح الخـير
شعرت بخجل بيني وبين نفسي وأنا أرى ما يجري في المقرات الفلسطينية من جراء تبادل إطلاق النار بين عناصر الحزبين الكبيرين(فتح وحماس) وما ينجم عنها من دم ودمار وخراب. خجلت من صديقة يمنية أخبرتني أن حملة تبرعات جرت في بلدها لصالح فلسطين المنكوبة وأعلم أن هذه الصديقة ومثلها كثيرون قد تعالوا على ضيق ذات اليد ليقدموا لنا شيئا، الصديقة ذاتها منذ أكثر من سنة هي وزوجها نيويان شراء جهاز كمبيوتر لولدهما طالب السنة الأخيرة في كلية الهندسة لكن شح الحال يمنعهما حتى من شرائه بالتقسيط المريح. خجلت منها وأنا أرى على شاشة التلفزيون جهاز الكمبيوتر المحطم في مقر رئاسة الوزراء.كدت أقول لها: لا تجمعوا التبرعات يا صديقتي فنحن لا نستحقها، ها هي تبرعاتكم تستحيل إلى حطام.هذا مخجل ومفزع حقا.وقبل كل ذلك مخجل إلى درجة الخزي أن نقتتل ونحن ما زالت رقابنا جميعا تحت نعال المحتلين، فهل نزحزحها عن رقابنا من أجل أن نتفرغ لبعضنا البعض؟نعم أشعر بالخزي من هذا الاقتتال الدموي، لم نملك ما نعتزبه أمام العالم سوى بعض من كرامة وكثير من دماء روت تراب الأرض على مدار سنوات النضال ولا تزال. لكنني أخجل من هذا الاقتتال. من أجل ماذا؟ نحن عباد الله الفقراء من هذا الشعب لا يهمنا كثيرا أن نقول " الحق على فتح أو الحق على حماس" لا يهمنا كثيرا أن ندقق في التفاصيل نحن مع الاستفتاء أم ضده؟ لأننا لا نرى في كل ذلك ما يستحق سيل نقطة دم فلسطينية واحدة برصاصة فلسطيني. جريمة في حق شعبنا يرتكبها هؤلاء المقتتلون كانت ما كانت نواياهم وغاياتهم، جريمة بحق دماء الشهداء والجرحى والثكالى واليتامى. جريمة أن نحس أن قصف الطيران الإسرائيلي لنا " رحمة" تجيء لتنقذنا مما نحن فيه. أن نستجير من موت الفلسطيني على يد الفلسطيني بموت آخر. جريمة يرتكبها المقتتلون أن يجعلوا شعبهم يفاضل بين موت وموت، وكأن لا مفر لنا من الموت إلا بالموت.لغة السلاح علت على صوت العقل، ورؤية النار أعمت أبصار المقتتلين عن رؤية الشارع، وضجيج الفوضى صم آذانهم عن سماع ما يقوله الناس. عدونا مهما بلغت الخلافات الحزبية والسياسية والانتخابية بين صفوفه يتفق على شيء واحد وهو كيف يجهز علينا، أما نحن فنختلف في مواجهة العدو ونتفق على ضرورة الاقتتال فيما بيننا.منذ بدء النضال الفلسطيني لم يجر تحرير سنتمتر واحد من الأرض الفلسطينية المحتلة، ولم نحقق حق العودة ولم تقم الدولة، لكننا تغنينا كثيرا بوحدة شعبنا في الوطن المحتل والشتات، واعتبرنا ذلك إنجازا عظيما يحترمنا العالم عليه ونحترم أنفسنا بسببه. من أجل ماذا إذن نفرط بهذا الإنجاز؟ ما الذي سنحققه مقابل نسف هذه الوحدة الوطنية؟ هل نعتبر موت أو جرح أي فلسطيني من طرف برصاص طرف آخر إنجازا يستحق هذه التضحية؟ مقابل ماذا نخسر احترام العالم لنا؟هل نقتتل من اجل مفاتيح القدس من الذي سيتسلمها بعد أن حررناها؟ لا شيء سنحققه سوى رضا اسرائيل وفرحها وشماتتها لما وصلنا إليه.ويحق لها ان تفرح وتشمت ونحن نحقق لها ببساطة متناهية ما دأبت عقودا طويلة من أجل تحقيقه وفشلت.ليس هناك شيئا أكثر مدعاة للسخرية مما وصلنا إليه.ولم نصل في هذا الوطن إلى وضع أشد بؤسا مما نحن فيه.ليعذرني شاعرنا الكبير سميح القاسم وأن أستعير أبياته وأحورها بعض الشيء:[c1](ماذا أقول إذا استخبرت عن ألمي) ×××× ( والجرح جرحي والسكين سكيني) (ويوم يزحم وجه الموت ذاكرتي) ×××× أموت موتين بين الحين والحينموتا لأني أرى دمي يسيل بلا ×××× ثمن كقطرة زيت راح بالطينموتا لأن رصاص الموت حاصرني ×××× وجاءني الغدر من كف الفلسطيني[/c]لذلك أقولها وبملء الفم: خائن من يوجه رصاصه إلى صدر فلسطيني. خائن من يخرب أية مؤسسة فلسطينية، خائنة البندقية التي تهتز في وجه أي وطني فلسطيني بغض النظر من كان حاملها وبغض النظر اهتزت في وجه من ومن أي فصيل كان.