يُخطِئُ مَن يظن أن النساء في الجزيرة العربية لا يشاركن الرجل أعباء الحياة، ولا يمارسن الأعمال اليدوية. صحيحٌ أن قيادة المرأة للسيارة في السعودية، محظورة لاعتبارات اجتماعية لا دينية، رغم أن هناك مناقشات وأخذا وردا واجتهادات في هذا الموضوع، إلاّ أن المرأة في الأرياف والصحاري تسوق السيارات، بل و(الشاحنات) الكبيرة، وتنقل بواسطتها المياه والأعلاف والمحاصيل والمعدات والمواشي. وحينما أتردد بين الحين والآخر على إحدى المناطق الريفية الصحراوية، كنت استغلها فرصة لأمرَّ كل يوم تقريباً على مزرعة رجل توطدت علاقتي به إلى درجة الصداقة تقريباً. والذي حبّبني فيه بساطته وصراحته وحكمته، رغم انه لم ينلْ من العلم إلاّ النزر اليسير. ذهبت إليه في أحد الأيام وشاهدته فاتحاً (كبوت) سيارته الونيت (هاي لوكس). ويبدو أنه يحاول أن يصلح عطباً بها، فيما شاهدت امرأته على البُعد، وكانت تسوق جراراً تحرث به الأرض. سلمت عليه بدون أن أنزل من سيارتي، فيما رفع هو رأسه من تحت (الكبوت)، ووقف يمسح عرقه بكُم ثوبه. ومن دون أن أسأله أخذ يشتم (الكلبليتر) واللي اخترع الكلبليتر. ضحكت في وجهه قائلاً: هدئ أعصابك، فإصلاح الأشياء لا يأتي بالشتائم، فبادلني الضحك بمثله، قائلاً: معاك حق، معاك حق.وفي هذه الأثناء، عادت زوجته وأوقفت الجرار تحت ظلال جدار البيت الطيني، ورفعت يدها تحييني من بعيد.سألته عن أطفاله، فقال إنهم ما زالوا في مدرسة القرية، والدور اليوم هو عليَّ أنا لإحضارهم، إذ أنني وأمهم نتناوب يومياً على إيصالهم والعودة بهم، فقلت له: ألا تخشى زوجتك من دوريات المرور لو شاهدوها تسوق (الونيت)، قال: إنها لا تخاف إلاّ من خالقها، حتى أنا لا تخاف مني، غير أنها لاعتبارات معينة لا تسوق في الإسفلت (الطريق العام)، لكنها تسلك طرقا ترابية جانبية هي تعرفها تماماً.ولمحت الزوجة وهي تحاول بجهد كبير أن تحرك (برميلاً)، فقطعَ حديثه للحظات، وصاح في زوجته قائلاً: لا ترفعيه يا (صيتة) دحرجيه، دردبيه أسهل لك.ثم رجع وواصل حديثه معي قائلاً: إن كل أعمالنا تتم بالتناوب، فقلت له: فهمت؛ فهي حين تتعب من العمل تتولاه أنت، فقال لي مازحاً: لا، فهي حين يتعِبُهَا العمل في الحقل تتحول للعمل داخل البيت.قلت له: ما رأيك أن تركب معي لنقوم بجولة في المنطقة، حيث أن هناك أماكن أريد أن أسألك عنها، فوافق، وما كاد يركب حتى لحقتنا كلبته وخلفها أربعة جراء صغار. وما أن تحركنا إلا ولحقتنا منطلقة تجري خلف السيارة، فقال لي توقف: فالجراء الصغيرة لا تستحمل أن تجري وراءنا فترة طويلة، ورأيته يستدعي الكلبة الأم ويربت على ظهرها، ثم ينبش الأرض بيده، ويبدو أنها عرفت ما يريد، فما هي إلا لحظات، وإذا بها تقفز وتجري في الحقل حتى توقفت أمام تربة رخوة، وأخذت تحفر ثم تدس أنفها داخلها، وكأنها تريد أن تخرج صيداً سميناً، وإذا بالجراء الصغار يقلدون أمهم وينبشون ويدسون أنوفهم في الأرض بكل براءة و(عبط).. عندها، قال لي صاحبي: هيا تحرك، فقد انطلت الحيلة على الصغار، وفعلاً انطلقنا والكلبة الأم تجري بجانبنا، فيما أخذت أنا أتطلع (بالمرآة العاكسة)، وإذا بأنوف الجراء الصغار ما زالت (مدفوسة) بالحفر التي حفروها.[c1]* نقلاً عن صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية[/c]
دحرجيه يا (صيتة)
أخبار متعلقة