أحمد بن أحمد قاسم
عمر عبد ربه السبع:يقول الفيلسوف الصيني القديم كونفو شيوس :“أعطني أغنيات جميلة أقود بها الوطن إلى صناعة حضارته الجديدة”، فالفن إذن ضمير الأمة، وأحد المرتكزات المهمة لصناعة حضارتها، والشاهد على جذورها وأصالتها، والمحافظ الرئيس على هوية الأمة.فالأغنيات الجيدة والجميلة تنتقل من جيلٍ إلىآخر ويصبغ عليها سمة أغاني التراث، وهي تعكسُ الحالة الصحية والنفسية للوطن، والأدوات الفنية صانعة الألحان لا يمكن فصلها عن الكلمات الرقيقة والغُناء الجميل.لقد كان العود سيد الآلات الموسيقية العربية، والعود التقليدي في الجزيرة العربية وفي اليمن بالذات كان له خصوصية وأوتار معيّنة، وقد عرفت اليمن صناعة العود، وتميّزت بخصوصية بعض أوتاره، وبالعود نعود إلى النغم العربي الأصيل.لقد احتضن الفنان الكبير الراحل أحمد بن أحمد قاسم العود وضمّه بين جوانحه وترك لأنامله العنان للعب بأوتاره فعزف أروع الألحان فبرع في عزف العود، وتفنن في مناجاة أوتار العود، فكان من العازفين المبدعين في الساحة اليمنية، فخلق سهرات فنية مفعمة بالبهجة باستخدام العزف على العود، دون سواه، وعمل أغانٍ كثيرة من أجمل ما أسهمت به القريحة اليمنية.لقد تعامل الفنان أحمد بن أحمد قاسم مع العود من منظوره الخاص، فكانت أنغام الأوتار تصدح في الأثير متوازنة مع انفعالاته ومع النظم الشعرية التي يتداولها فما أجمل كلمات مصطفى خضر الممزوجة بأوتار عود أحمد قاسم :“قبل حبك كنت ما اعرف من أناولا ليش أعيشكنت ضايع وأكثر في ضياع ما ينتهيشكيف أنسى مستحيلأنسى دموعي والعذاب مستحيل أنسى الذي شيبنيفي عزّ الشباب.. “[c1]أو أغنية :[/c]“نعم أهواك اقولها حقيقةوأعنيها وليش با خاف، وأحاول إني أخفيهاذا قلبي عمره ما تهنىولا ذاق الهوى لولاك ..”وللفنان أحمد بن أحمد قاسم تسجيلات فنية كثيرة باستخدام العود كآلة فنية منفردة للحن، وله أغنية وطنية جميلة “ من كل قلبي أحبك يا بلادي.. وهي من الأغنيات الجميلة التي تقود اليمن وتوحده وتبهجه، وتحرس أحلامه.. وقد عمل الفنان أحمد قاسم جاهداً على أن تكون له رؤيته اليمنية العربية الخالصة للموسيقى التي تصدح بها أوتاره وحنجرته، مكونانً موسيقى عدنية يمنية ذات نمط ونكهة خاصة فيها من القوة والعنفوان ما يثير الخيال والوجدان.وأحمد قاسم بأغانيه الكثيرة بآلة العود يسجل بصدق آهاته ومشاعره فيرسم بالصوت وأوتار العود عناصر انسجامه وأحاسيسه ومشاعره.. إنّه بأغانيه تلك كان متوهجاً وجدانياً، ومراعياً طبقات الصوت وعناصر اللحن والموسيقى والجو العام.وهكذا فإنّ أحمد بن أحمد قاسم طرح تجرِبته الفنية بحرصٍ وأبرز فيها جوانب حبه للعود وأوتاره، وللإنسان، فعالج نصوص القصائد في إطار متقن من العود وأوتاره، فضلاً عن استخدامه الآلات الموسيقية الأخرى، فجاءت أحاسيسه مرهفة وسامقة، مكوناً مدرسة خاصة به في مجال التلحين وإن بدا لبعضهم أنّها أشبه بالمدرسة المصرية، وهي بدون شكٍ مدرسة متميزة ولا يمكن حذفها من خارطة الأغنية اليمنية، وأغانيه لا يمكن اغتيالها، وهي من الأغاني الجميلة التي تسمو بالروح وتهفو بها في مجال الخيال والواقع.هذا فضلاً عن محاولاته المبكرة في عمل ما يُعرف بالسيمفونية، وجرأته في الإقدام على التمثيل السينمائي فكان بطل فيلم “حبي في القاهرة” الفيلم الذي أثار اهتمام الساحة اليمنية وإن فشل فنياً ولم يحقق المردود المالي المطلوب .. ولأحمد قاسم إسهامات كثيرة في الفن، ربما لم تحظَ بالرعاية الكافية والاهتمام، وبهذا لم ترَ النور وبحاجةٍ إلى من يصقلها ويرعاها، وينمّيها للأجيال القادمة.. إلا أنّ هذا لا يمنعنا عن القول إلى أحمد بن أحمد قاسم كان أبونا جميعاً.