صباح الخير
[c1]محمد الأمير[/c]لبنان ... الأغنية العربية العذبة.. اختزلت كل الآلام العربية الكبيرة في أقصى حدودها الضيقة.. وانحسرت فيها الساحة والمساحة.. وانكمشت كأنما لم تعد تتسع لجولة أخرى من رقصات الدبكة الإيقاعية الصاخبة.. لتنفرج - على حين غرة - ساحات شاسعة لكل الحروب.. والجروح التي تتفتح على غير انتظار.في هذه البقعة الضيقة من العالم اخترعوا الحروف الإنسانية الأولى.. لتندثر الحروف على قارعة الطرقات وتحت جنازير "الميركافا" ارتال الجثث وركام التاريخ والخراطيش الفارغة.ولم يعد الفرق شاسعاً بين الحياة والموت وانحصرت الخيارات في الحياة فقط.. أو الشهادة ولم يعد بينهما سوى النصر..وتركه الجميع وحده.. ينتظرون المشهد الدامي الكئيب وكان على لبنان البلد الصغير أن يحمل وزر الدفاع الكبير عن العرض العربي الرفيع.لقد كان هذا هو التحدي الذي وضع فيه نفسه. رهان العزة والشرف.. لينهض من بين أشلاء القهر.. عمق اللحظة..من عمق الإهانة.وليس هناك سوى العودة بكل المآثر والجروح وكانت لبنان رهاناً باهظاً بين كل الأشقاء وكل الأعداء.. وكانت حسابات الحرب لها ومعها ومن أجلها.. حرب تخبئ خلفها أشد من ظاهرها.وظهر لبنان ضحية عصية صعبة.. واسقطت الرهانات بين الأنقاض وأكوام الخطب السياسية الخاطئة.وخرج أطفال (قانا) من عتمة الأنقاض شهداء يكسرون بصمتهم كل خبث وحبائث الأنظمة.. وتطاولت الحرب وطالت صواريخ الرعد (حيفا) إلى المدى الذي لم يستطع اثنان وعشرون دفاعاً عربياً أن يصل باللسان.. باللسان وحسب.. لا بالسلاح.كان للبنانيين وحدهم حساباتهم ونظراتهم التي تتمعن إلى مابعد.. بعد حيفا.ومضى لبنان وحده في تحدّ صعب وعناد مرير بحجم القهر الكامن في الأنفس من أغادير وتلمسان إلى أقصى جنوب أرض العرب وأقصى شرقها إلى الفلوجة وجنين التي تتقد فيها مشاعر المرارة واليأس. وانكفأت كل حسابات الأشقاء والأعداء عندما انحسر "الجيش الذي لا يقهر" وسقطت الأقنعة واحمرّت الأوجه خجلاً.وعندما انعقدت الألسن بكت الحكومات تحت وطأة مشاعر الخيبة تناثر نواحها على الميكرفونات الصدئة والخرساء.وجاء النصر من الله.. عندما تهاوت (الميركافا) بحرائقها على الزهور الجبلية في قلب إقليم التفاح.وانبجس أمل خافت، وهالة ضوء بين جنبات "بنت جبيل وعيترون ومارون الرأس" .