صنعاء / سبأ:ليس بمستغرب أن يهب اليمنيون من مختلف مناطق اليمن بما فيها المناطق الجنوبية والشرقية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار البريطاني للدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر .. لأن تلك الثورة قد مثلت لكل المواطنين اليمنيين في الشمال والجنوب والغرب والشرق فاتحة خير وبداية مشرقة لتاريخ يمني حديث بدأت أولى معالمه صبيحة الـ 26 من سبتمبر 1962م.ويسجل لنا التاريخ أن أبناء الجنوب قد هبوا للدفاع عن هذه الثورة الوليدة بالغالي والنفيس بالرغم من أنهم كانوا منخرطين في عمل ثوري منظم تقوده كوكبة لامعة من أبناء الوطن للتخلص من الاستعمار البريطاني الذي جثم على جزء غال من بلادنا زهاء 130 عاماً.. ولم يكد يمضى العام الأول على قيام الثورة اليمنية الأم 26 سبتمبر حتى اندلعت الشرارة الأولى لثورة الحق ثورة الـ14 من أكتوبر من على قمم جبال ردفان الشماء ضد المستعمر البريطاني فاتحة بذلك مرحلة جديدة من النضال الوطني المشروع بشموليته على الوطن كله ابتداءً بالثورة الأم ضد الإمامة في الشمال ومروراً بالوليد الشرعي لتلك الثورة ثورة الـ 14 من أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب، والتحم أبناء الوطن في مشهد نضالي بديع فهاهم ثوار السادس والعشرين من سبتمبر 1962م الذين قاتلوا إلى جانب مناضلي وفدائيي ثورة الـ14 من أكتوبر عام 1963م يتوجهون صوب مناطق الجنوب الملتهبة حمم غضب بركانية ملتحمين مع إخوانهم مناضلي وفدائيي حرب التحرير في مشهد كفاحي مثير يعكس اصدق صورة تعبيرية للوحدة الوطنية بين أبناء الوطن اليمني الواحد وأعمق تعبير لو احدية الثورة اليمنية، وخضبت الأرض اليمنية في مناطق الجنوب بدماء أبناء صنعاء وإب وذمار وعمران وحدة وصعدة تلك المحافظات التي رويت سابقاً من دماء أبناء محافظات لحج والضالع وعدن وحضرموت وغيرها من المحافظات دفاعاً عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ولتثبيت دعائمها ومطاردة فلول الملكيين الحالمين عبثاً بعودة عهد الظلام والجهل.
وسطر مناضلو وفدائيو ثورة 14 أكتوبر ملحمة نضالية خالدة قلما نجد لها مثيلاً في تاريخ النضال ضد المستعمر .. كيف لا وهم يقارعون أعتى قوة استعمارية على وجه الأرض حينها, تتمثل بالإمبراطورية الاستعمارية البريطانية التي لا تغرب عن مستعمراتها الشمس ولها تاريخ وباع طويل في مقارعة وإخماد ثورات الشعوب التواقة للتحرر من الاستعمار في مختلف قارات الأرض.. لكن حقائق التاريخ بمختلف مراحله وحقبه تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ان إرادة الشعوب هي الأقوى, وتصميم وعزيمة ابنائها هي الأمضى من حد السيف إذا ما كان هناك حق مغتصب يجب استعادته واسترجاعه وهنا يصبح المستعمر والمغتصب بكل قوته وجبروته ضعيفاً أمام منطق قوة الحق لأبناء الأرض ويتهاوى جبروته من عنف ضربات الرجال الذين عقدوا العزم على تحرير الأرض وتطهيرها من المستعمر.والحال كان كذلك مع مقاتلي وفدائيي ثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة بإمكانياتهم المتواضعة والفارق الكبير بينهم وبين جيش المستعمر تدريباً وتنظيماً وتسليحا إلا أنهم قد اسقطوا المستعمر كما تتساقط أوراق الخريف, أمام عنف الضربات التي وجهها له أبطال التحرير ، حينها وقف المستعمر مذهولاً وحائراً أمام تلك الانتصارات التي يحقهها المناضلون وبدأ بمراجعة حساباته وتنظيم صفوفه مستعيناً بالمرتزقة والعملاء لقمع تلك الثورة لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع لأن المستعمر كان يجهل أو يتجاهل حقيقة تاريخية مؤداها انه لا توجد قوة مهما عظمت تستطيع الوقوف أمام قوة الحق وإرادة الشعوب وعزيمة أبنائها إذا ما عقدوا العزم ونظموا صفوفهم لطرد المستعمر ونيل الاستقلال.وباتت كل مناطق الجنوب مسرحاً للقتال والعمليات الفدائية ولقن أبطال التحرير القوات البريطانية دروساً لن ينسوها في فنون القتال والحقوا بهم الهزائم المتعاقبة في أكثر من موقعة وساحة منازلة الأمر الذي أدى بالمستعمر لأن يلجأ إلى تعزيز أسلوبه القديم وسياسته المعروفة بفرق تسد والتي كان بموجبها قد قسم مناطق الجنوب المحتل إلى سلطنات ومشيخات صغيرة وهزيلة حتى يسهل عليه حكمها والسيطرة عليها .. وأخذ يستعين برموز تلك المشيخات والسلطنات لقمع الثورة لكن الوضع كان قد خرج عن السيطرة ولم يعد بالإمكان لملمة أي شيء فقد شب المارد عن الطوق واتسعت ساحة المواجهة وتنوعت أساليب وفنون القتال وسطر آبطال ثورة ال 14 من أكتوبر الملحمة البطولية تلو الأخرى والتحم أبناء الوطن واضعين نصب أعينهم هدفاً واحداً وهو تطهير جزء غال من الوطن من رجس الاستعمار ونيل الاستقلال بقوة المواجهة والسلاح.وكان لهم ما عزموا عليه وخططوا له ووجد المستعمر نفسه أمام واقع مغاير تماماً للواقع الذي عاشه في جنوب الوطن طيلة مائة وتسعة وعشرين عاماً, منذ أن بدأت معالم ذلك الواقع الجديد مع صبيحة يوم ال14 من أكتوبر عام 1963م, ولم يمض سوى زمن يسير على قيام ثورة أكتوبر حتى أذعن المستعمر لمطالب أصحاب الحق بعد أن كان قد استنفذ كل أساليبه وخططه وتكتيكاته واستراتيجياته التي اكتسبها من ماضيه الاستعماري الطويل لقمع الثورة ليجد نفسه في النهاية تحت ضغط عنف المقاومة والنضال وتصميم الرجال ، خائر القوى ضعيف الحيلة وليعلن عن استعداده للمفاوضات مع أبطال التحرير حول الاستقلال وتسليم مناطق الجنوب إلى أصحابها الحقيقيين بعد أن جثم عليها عقوداً طويلة من السنين يمتص خيراتها وينهب ثرواتها ويتآمر على أبنائها الذين انتزعوا استقلال وطنهم منه بقوة الحديد والنار.وكان ال30 من نوفمبر يوم الاستقلال والذي أصبح تاريخاً ناصعاً قدم شعبنا اليمني في سبيل الوصول إليه خيرة أبنائه, بمثابة التتويج المجيد لتاريخ نضالي مشرق عمد بدم الأبطال من مقاتلي حرب التحرير.واليوم تدخل الثورة اليمنية الـ14 من أكتوبر عامها ال45 بقوة وثبات وقد تحقق لشعبنا اليمني الكثير من النقلات النوعية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعل أبرزها وفي مقدمتها الوحدة اليمنية التي أعيد تحقيقها في الـ 22 من مايو من عام 1990 باعتبارها الهدف الأسمى للثورة اليمنية الـ 26 من سبتمبر والـ 14 من أكتوبر, وارسي واقع سياسي جديد مع بزوغ شمس الوحدة المباركة تمثل بانتهاج الخيار الديمقراطي والتعدد الحزبي في بنية النظام السياسي اليمني واحترام حقوق الإنسان واعتماد حرية الصحافة كمبدأ أساسي في الواقع اليمني وما تبع ذلك من تكريس وتثبيت لأسلوب عمل سياسي يتسم بالحداثة والرقي ويسلم بحق الآخر وقبول الاختلاف في الرأي في ظل قاسم مشترك من قبل الجميع هو الوطن والمصلحة الوطنية العليا.