قصة قصيرة
سحر صقرانتعج الغرفة بالناس من كل الأجناس والأعراق، الكلمات لا تتوقف عن التجوال والطقطقات تملأ أركان الغرفة فقمت نافظاً عن جسمي الجمود قبل أن يتيبس ثم فتحت الباب وخرجت أرفع رأسي إلى الأعلى وأحرك رقبتي يميناً وشمالاً، حبست كمية كبيرة ثم زفيراً طويلاً، ورغم أني كنت جالساً على مقعد مريح إلا أنني أشعر بالإعياء والصداع يطوق رأسي المتحجر وكنت أعزم على الهروب من الجموع المتهافتة بداخل الغرفة، أكاد أسمع الصياح والصراخ، وقبل أن أمضي إلى طريقي هتف صوت من بعيد ينادي .. صوت آدمي يدفق إلى أذني غريباً في الوقت نفسه لأنني لم أسمع منذ أثنتى عشرة ساعة أحدهم يخاطبني، إنه يقترب مني.. إنه ينظر إلي وفي عينيه فرح ولهفة، وجة بشوش، أحسست بأنني ولأول مرة أقف في مواجهة شخص كائن يمثل أمامي حياً لحي.طوال هذا الوقت وأنا أحبس نفسي في هذه الغرفة الصغيرة مع هؤلاء الغرباء الذين كلفوا على أنفسهم مهمة تسليتي وتمضية أوقات ممتعة معي. تحدثنا وتعارفنا وصرنا أصدقاء مثلي أنا وصديقي هذا وصرنا أصحاب ومعارف بل أحباء وعشاق تبادلنا الضحكات والقبلات وبعض التعابير على وجوه اخترناها، وصرنا أرقاماً وأسلاكاً معبرة لكننا كنا نرى بعضنا البعض مقيدين، كانت مساحة الغرفة ضيقة جداً والأصوات مريضة والأجساد باردة تطقطق والطقطقة تكاد تخرج من أسفل الباب لكن السجاد يحبسها.هؤلاء ليسوا موجودين إلا في هذا الزمن ولكل زمان عنوان واختار هذا الزمان أن يكون عنوانه العدوان، وكل شخص هنا اختار لنفسه عنوان، حتى العشاق فيه تبادلوا الضربات والطعنات وبعدها غيروا الحجرات، انتابني خوف شديد من هؤلاء الغرباء بعد أن كنت متحمساً للقاء بهم لكي أبادلهم الأفكار والنصائح، المشاعر والهموم. إنهم حاولوا حتى انتزاع ثيابي عني، وفوجئت بأنه مكان ليس للخجلين من الناس وليس لمن هم مرهفو الإحساس، وظل تيار الدماء التي أريقت من شرايين الأخلاق وصدور الضمائر يجري اثنتي عشرة ساعة خرجت منها مبللاً بالعرق ومغطى بسحابة سوداء فوق رأسي. وقال أين أنت يارجل؟ ثم فتح ذراعيه قائلاً:كل هذا في غرف “الشتات”؟ وطوقني “احتضنني وضمني إلى صدره، رحب بي وقبلني على خدي وسار دفئ الأحضان في هياكل الأجساد وتضر الخدود وغرقت الأعين في الابتسامات، إنه عالم حقيقي وليست فيه طقطقه أزرار الحاسوب، إنه عالم عبق بالإحساس أكاد أشمه