للفن رسالة اجتماعية وإنسانية مهمة يتنافس عليها المتنافسون
نادرة عبد القدوسلا يختلف اثنان في ما حل بالفن في بلادنا من صور اللامبالاة وعدم الاكتراث بقوانينه واشتراطاته، حتى عمت الفوضى والتهريج والمتاجرة به في سوق العرض والطلب دون مراعاة لمقومات هذه السوق. ولا أعني ، في ما ذكرت ، الفن في مجال ما ، ولكني أعني الفن في مختلف مجالاته ، المسرح والسينما والغناء والرسم والرقص الشعبي ( الفلكلور ) إلخ . وليس بخافٍ على أحد ما يعانيه الفن اليمني اليوم من جفاف حقيقي ، فنراه واهناً ضعيفاً لا يقوى على الوقوف أمام الحركة الفنية العربية والتي تشهد تنامياً وتطوراً ملحوظين بتنافس شديد مع الحركة الفنية الغربية والأوروبية . بل إن الفن اليمني من شدة ضعفه لا يستطيع أن يقدم شيئاً ذا قيمة للذائقة الفنية اليمنية ، وكأنما جُفت أقلام الكتاب والشعراء وشُلت حركة المؤلفين الموسيقيين والمبدعين لتقديم الجديد والمفيد . [c1]ماهية رسالة الفن ؟[/c]ومن يعترض على ما نقول فليقدم لنا الدليل ليؤكد عكس ذلك .. ولعله سيقول قائل إن ما قُدمت من عروض مسرحية في الفترة القليلة الماضية كفيلة بدحض كلامنا وربما سينعتنا بالمتشائمين أو بالمفترين. ولكني أتساءل هنا : هل ما يُقدم يُعد فناً حقيقياً أم لمجرد الإمتاع فحسب ؟ ونحن ندرك ماهية رسالة الفن المسرحي، كما يدركها جيداً أهل هذا الفن العظيم ، ويعلمون علم اليقين أن ما يُقدم ليس الهدف منه توعية الجمهور المتلقي وتنمية مداركه إلى جانب الترفيه ، كما تهدف إليه رسالة الفن المسرحي ، بل إن الهدف الأول والأساسي هو الكسب المادي من وراء الضحك والتهريج، وهذا ما يسمى بالمسرح التجاري الفوضوي ، الدخيل على عالم الفن المسرحي العلمي الذي من قيمه احترام الجمهور والتعامل معه بشفافية ورقي . ورغم ذلك فنحن حسنو النية ولا نود التسبب في إحباط الآخرين ، وندعو فقط إلى الاستفادة من تجارب المختصين في الفن المسرحي والأخذ بمشورتهم ، وذلك لضمان الاستمرارية وتقديم كل ما له علاقة بالواقع بشكل أفضل ، بعيداً عن الإسفاف والمغالاة في تصويره ، حتى لا ينصرف الجمهور عن هذه العروض ، خاصة أن الجمهور المسرحي ذكي جداً وله باع في التقييم الفني، لأن المسرح اليمني ليس وليد اليوم ، فعمره يربو على المائة عام. كذلك ينطبق الحال على الفن الغنائي ، إذ لم نعد نسمع غناءً يحلق بنا في فضاءات الكلمة الراقية والموسيقى الحالمة .. لم نعد نسمع أغاني للأطفال تهذب نفوسهم ومشاعرهم وتنمي عقولهم وأذهانهم . لذلك ليس بالغريب أن نجد أطفالاً في عمر الزهور يلجؤون إلى الاستماع للأغاني العاطفية التي لا تمت إلى أعمارهم البريئة ويحفظونها عن ظهر قلب ، لأنهم مغلوب على أمرهم فهم لا يجدون البديل من الأغاني المناسبة لأعمارهم والتي تعبر عن مكنوناتهم . فأين هم من أغاني الأطفال القديمة التي ما زالت عالقة في عقولنا ونفوسنا ؟ أين هم من المسرحية الغنائية الإذاعية (الأرنبة الأم وأبنائها) التي ألفها الإعلامي علوي السقاف ولحنها الفنان حسن فقيه ـ رحمهما الله ؟ وكذلك أغنية (البطة بُنّى) وأغنية (إسكريم يا ملَي) وأغنية (المرجوحة) وأغنية (نحن الجيران) وغيرها من أغاني الأطفال التي كنا نسمعها صغاراً بشغف كبير ونقوم بتقليد ما نسمع في البيت والشارع . وقد استمرت تُبث من إذاعة عدن لسنوات من الزمن ، وفجأة توقف بثها دون أن ندري السبب ، وليت قيادة الإذاعة تكشف لنا الحقيقة وتعيد على أسماعنا تلك الأغاني التي كانت تلعب دوراً في تنمية وعينا وتربي في نفوسنا قيم وأخلاق سامية منها حب واحترام الآخرين ، التسامح ، التواضع، واحترام الوالدين والانصياع لأوامرهما . [c1]الفن الأصيل .. لا يموت[/c] أما فيما يتعلق بالأغاني العاطفية ؛ فلم نعد نسمع أغاني تسمو بأرواحنا كما كان الحال فيما مضى ، حتى وقت قريب ، بل إننا لم نعد نرى أغاني وطنية جديدة هادفة تعكس أفراح شعبنا بالمناسبات الوطنية المختلفة . وما زلنا نشاهد عبر الإذاعتين المرئية والمسموعة أغاني وطنية قديمة تغنى بها مبدعو زمن الفن الجميل في مناسبات وطنية ولت ولم نعد ـ مع تغير السياسة في البلاد ـ نحتفي بها ، والذين معظمهم رحلوا عن دنيانا الفانية، وما ماتت أغانيهم ولن تموت ، ولا أريد أن أُذكّر بأغاني أحمد قاسم ومحمد عبده زيدي ومحمد سعد عبد الله والمرشدي وعوض أحمد والعزاني وأيوب طارش والحارثي والسنيدار وغيرهم ، لا أريد أن أنبش ركام ماضي الفن الزاهي وإحياء ذكرياته الجميلة ، حين كان يتنافس المتنافسون بهدف تقديم الجديد والممتع والمحفز للهمم ، ليس بهدف الحصول على المال والتزلف والارتزاق باسم الفن ، بل بهدف إعلاء الكلمة الراقية الجميلة واللحن الراقي الذي يهز الوجدان ويشنف الآذان. لهذا السبب ما زالت تعيش أغاني ذلك الزمن حتى يومنا هذا، وسيستمر ذكراها إلى ما شاء الله لأنها نابعة من أحاسيس ومشاعر صادقة ، كإحساس ومشاعر لطفي جعفر أمان ومحمد سعيد جرادة وسبيت والقرشي عبد الرحيم ومحمد علي لقمان وغيرهم. وما حال الفن التشكيلي اليمني بأفضل ، حيث لا نرى غير بعض النشاطات والمحاولات الفردية هنا وهناك لعدد من الفنانين المكافحين من الشباب ، يبذلون جل جهودهم من أجل أن يُشعروا الآخرين بوجودهم. وهناك من يجد صعوبة في التعريف بنفسه، خاصة الإناث ، فينكفئ بعيداً عن الأضواء ، رغم ما يتمتع من موهبة فذة في هذا المجال . [c1]معهد جميل غانم للمرة الألف[/c] إن الحديث عن حال الفن في بلادنا ذو شجون ، وسيأخذ منا حيزاً أكبر لو طال ، لذا نكتفي بما ذكرناه، ولا ضير من تذكير ، وللمرة الألف ، القائمين على الثقافة في بلادنا بواقع معهد جميل غانم للفنون الجميلة ، وما يعانيه من هموم وأمور كثيرة بحاجة إلى لفت الانتباه ، وقد تحدثنا بهذا الشأن غير مرة .. وقد حاولنا مراراً وتكراراً توصيل نداءات المعهد ، الذي يُعد صرحاً فنياً وتعليمياً سبّاقاً على مستوى دول الجوار ، في رفد الحركة الفنية اليمنية بالكوادر المتخصصة والمؤهلة علمياً ، والتي لو وجدت الرعاية والاهتمام من قبل الدولة لكان حال الفن اليمني غير ما هو عليه اليوم ، حاولنا توصيل النداء إلى قيادة وزارة الثقافة ومكتبها في عدن ، فهل من مجيب ؟!