أطياف
بالتأكيد تعرفون أن هذا اليوم هو عيد الحب ، لقد تحدث الكثيرون عن هذا العيد فبينما كنت أتصفح بعض الصحف اليومية على شبكة الانترنت وجدت أكثر من موضوع عن هذا اليوم الذي ينتظره العشاق والمحبون أكثر من غيرهم بفارغ الصبر. فسألت نفسي ما هو عيد الحب ولماذا اختاروا هذا اليوم بالذات ليكون عيدا للحب وما المعنى الحقيقي للحب ومتى نجد الحب الحقيقي ؟ هكذا دارت التساؤلات في رأسي ثم تذكرت تلك الأساطير القديمة التي كنا نقرأها في القصص عن الإمبراطورية الرومانية إلى كانت تشكل نصف القوة العظمى في العالم آنذاك. كانت روما دولة وثنية تخضع لعبادة الآلهة و الأوثان ، وحين جاء المسيح بدين النصرانية ــ هكذا كانوا يطلقون على الديانة المسيحية ــ قاوم الرومان هذه الديانة الجديدة ككل جديد يقاوم في بدايته ، حيث يروي لنا التاريخ فصولا وقصصا للمقاومة التي تعرضت لها الديانة المسيحية في بداية ظهورها . من بين قصص اضطهاد المسيحيين قصة القديس فالنتين الذي عارض أمر الملك كلاديوس الثاني بمنع عقد القران للجنود الخارجين إلى المعركة بعد أن لاحظ أن هؤلاء الجنود المتزوجين تقل قدرتهم على المقاومة والصمود في وجه الأعداء أكثر من الجنود غير المتزوجين ، فأخذ فالنتين يعقد القران لهؤلاء الجنود سرا في كنيسته إلى أن أكتشف سره فأمر الإمبراطور بسجنه ومن ثم قتله .ويقال أنه عندما كان في السجن أحب فتاة وحين أمر الإمبراطور بقتله أرسل لها بطاقة حب موقعة باسمه .. وقد نفذ حكم الإعدام في يوم 14فبراير فأصبح هذا اليوم تقليدا عالميا لذكرى هذا القديس الذي ضحى بحياته من أجل أن يرتبط العاشقان برباط الزواج المقدس .بالطبع أنتم لا تحتاجون أن أحدثكم عن هذا اليوم الذي يتبادل فيه الأحباء الهدايا التي تعبر عن صدق مشاعرهم تجاه من يحبونهم ويعشقونهم ويعيشون فيها لحظات جميلة مارقة من عمر الزمن . وربما لا تحتاجون أيضا إلى أن تعرفوا أن هذا الحب المرتبط غالبا بالعشق هو رعشة حبلى بأمل موعود ينتج عنها مولود حي أو مشوه أو ميت وحين تكون النتيجة مولودا مشوها أو ميتا يتسبب الشقاء والبؤس والإحباط للإنسان المحب ، ولهذا كان لزاما على المرء معرفة واكتشاف ذاته وتحقيقها قبل أن يحب ويرتبط بأخر يسبب له ولنفسه الحزن والشقاء.ولما كان هناك أنواع من الحب مثل حب الرجل للمرأة والعكس وحب الأم لطفلها والطفل لامه وحب المؤمن لله وحب الإنسان للحياة وحب العمل والإنتاج وحب الدراسة وتحصيل النجاح وغيرها من أشكال الحب التي أوجدها الله بين الكائنات الحية ، فقد كان حب الذات مهما جدا لتحقيق الاستقرار والسكينة للفرد ومساعدته على إرساء وتحقيق كل أنواع الحب في حياته ويساعده على معرفة واختيار مايريد عمله . قد يصاب الإنسان أحيانا بحرب وصراع الذات وما قد يترتب عن ذلك من تعقيدات تعيقه عن فهم وتحليل وإصلاح الأمور من حوله بطريقة صحيحة وسليمة ، فتكون النتيجة إصابته بالقلق والشعور بالنقص والخوف من المجهول وتمنع عنه التمتع بالحياة وبأي نوع من أنواع الحب . أسباب الحرب مع الذات غالبا ما تنتج عندما لا يجد الإنسان ما يستحق أن يعمل بجد واجتهاد من أجل تحقيقه والعمل في سبيل الوصول إليه وقديما قالوا في المأثور العربي أن الإنسان الذي ليس له طموح هو إنسان بلا روح .. وحين يصبح الإنسان يائسا ومحبطا وعاجزا حتى أن يمتلك حلما يسعى لتحقيقه نجده كارها للحياة بما في ذلك حياته .والحال أن هناك أشكالا متنوعة للحرب ضد النفس فالبعض يلجأ إلى الهروب من الواقع بإدمان المخدرات والخمور وغيرها.. ويلجأ البعض إلى تحطيم ذاته وتحقيرها من خلال التقاعس وإهمال واجباته الدراسية أو العملية والاكتفاء بدور المتفرج . بينما يلجأ البعض إلى إيذاء الآخرين بالقيل والقال والنميمة وإفراغ أحقادهم على ذواتهم بنبذ الآخرين والاستخفاف بهم وهم في حقيقة الأمر لا يؤذون إلا أنفسهم وهناك من يلجأ إلى التعلق بالأوهام والأحلام غير الواقعية والانغلاق في الماضي وهذا شكل أخر من أشكال الحرب ضد الذات.ربما لانلوم هؤلاء على حربهم ضد ذواتهم خصوصا حين تعجز الدولة أو المجتمع أو الأسرة على توفير البيئة المناسبة التي تجعل الإنسان في حالة تصالح مع ذاته .. ويقع على عاتق الأسرة تحمل جزء من المسؤولية عن هذه الظاهرة لان الضرر الذي يلحق بالأطفال في طفولتهم يكبر معهم حين يكبرون ويتحول إلى عقد نفسية تتجسد في معظم الأحيان بالسلوك غير السوي .. ثم تتفاقم إلى أشكال عدوانية وخطيرة من بينها حرب الإنسان على الإنسان وحربه على ذاته.المدرسة أيضا جزءاً جزء من المسؤولية حين تتحول إلى مكان لاروح فيه يذهب التلاميذ والتلميذات إليه ليقضوا أوقات بائسة ومجوفة بحيث يغدو وجود التلاميذ والتلميذات في المدرسة مجرد قضاء لبعض الوقت بدون نفع .. وأحيانا يعاني الطلاب من بعض الممارسات العدوانية للمدرسين أو المدرسات التي تزيدهم عقدا فوق العقد التي يواجهونها في حياتهم الأسرية والعامة.وهناك بعض المفاهيم والعادات الخاطئة لمجتمعاتنا الشرقية ربما تلعب دورا في خلق عقد نفسية عند الشباب والشابات ، وترتبط هذه المفاهيم والعادات بالتوعية الجنسية التي تسبب انغلاقا في الأفكار تؤدي إلى أزمة نفسية إذا ما استغلت استغلالا خاطئا من قبل المجتمع والأفراد. من أسباب الحرب ضد الذات الفقر والفراغ الثقافي والاجتماعي والخواء الروحي وقلة الإيمان بالله وبنعمة هذه النفس التي خلقها الله لاداء مهمة العبادة والعمل والتمتع بهذه الأرض التي أوجدها الله لمحبة الإنسان. فكيف بالإنسان يكره ذاته في حين يحبه خالقه جلت قدرته.لهذا فالتصالح مع الذات مهم جدا لحياة مستقرة وآمنة وسعيدة ولا يتحقق ذلك إلا بالعمل والاجتهاد والمثابرة من أجل أن يكون لحياتنا في هذه الأرض معنى عميق ، حيث يجب على الفرد أن يجد لنفسه حياة وأملا وهدفا يسعى لتحقيقه . لان معنى حياتنا هو مجموع أفعالنا وقدرتنا على التأثر والتأثير في بيئاتنا ومجتمعاتنا.هذه دعوة أوجهها في هذا اليوم الجميل إلى كل إنسان أن يحب ذاته ويتصالح معها ويقلب دفتر أيامه ليرى ماذا فعل ويفعل لإرساء قواعد الحب والاحترام لذاته والآخرين من حوله ، وليفتش في الوقت نفسه عن الأسباب التي قد تنفر الآخرين من حوله أو تجعلهم لا يفضلون الاتصال به ويتجنبونه ، حتى يتمكن من غسل أوجاعه ومعافاة نفسه وتصحيح أخطائه وتأهيل أوضاعه وقدراته لحياة جديدة بروح عامرة بالأمل والعمل والطموح والحب للحياة وللوطن والانسان في كل مكان .