عندما تنظر في مناهجنا التعليمية الدينية منذ المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية فإنك ستلاحظ كثرة ورود نصوص التكفير والتبديع والتفسيق وبنفس لا يختلف كثيراً عن أدبيات وكتب جماعات (الإسلام السياسي) ومشروعها الاجتماعي بطول وعرض العالم الإسلامي وبلغة دينية متشددة وإقصائية، حتى جردت كتب التفسير من أي موضوع آخر من قصص القرآن والمواضيع التي تتعلق بالسلوك والأخلاق والأحكام الفقهية واقتصر الأمر على تكرار آيات التوحيد والشرك،الموجودة أصلاً في مقررات التوحيد، وتكرار قضية الولاء والبراء ووجوب كراهية الكفار وأن المسلم يجب أن يعادي غير المسلم لمجرد عقيدته بغض النظر عن إنسانيته، وأنه يجب التبرؤ منه، من ذاته، دون تفريق بين الذات والعمل، مع دخول في تفاصيل دقيقة جداً تتعلق بمسألة(الأسماء والأحكام) المشهورة باسم(التكفير) بسبب كثرة حصص مادة التوحيد مما أدى لكثرة التكرار والدخول في تلك التفاصيل.وعندما تتوجه لبقية الكتب المدرسية غير الدينية تجد أنه قد بولغ في تكريس(نظرية أسلمة المعرفة) التي هي نظرية هشة من الأساس ليس لها مستند علمي حقيقي سوى ما ردده بعض الإسلاميين كالدكتور طه جابر العلواني وغيره، وليت الأمر وقف عند ما وقفوا عنده بل وصل الأمر بالمبالغة إلى أنك تمسك بكتاب علم الاجتماع للثالث ثانوي(بنين) فتجد أن بين يديك كتاباً لا يختلف بأي حال من الأحوال عن أي كتاب من الكتب الثقافية الإسلامية ولا تجد فيه أي شيء يتعلق بتعليم مبادئ علم الاجتماع ولا عن نشأته ولا فلسفته ولا موضوعه ولا نظرياته ولا عن النظم الاجتماعية ولا الحركات الاجتماعية ولا التخطيط الاجتماعي ولا ذكر لرأسمالية ولا ماركسية، ولو من باب التعريف ولا ذكر لآدم سميث ولا فاكس فايبر ولا دوركايم، فقط كتاب مواعظ دينية آخر, يقول لأبنائنا المجتمع يتكون من رجل وامرأة ثم يتوجه للمرأة ليخبرها عن أهمية القرار في البيوت !!كل هذا في لغة صراع مزقت المجتمع وفرقت بين(أهل الخير) و(أهل الفسق) وفي كثير من الأحيان يكون(الفاسق) هو والد الطالب الذي ينتمي لفئة(أهل الخير) الذي رباه وأطعمه حتى أصبح عريض المنكبين يرفل في ثوب الصحة والعافية.في مناهجنا، هناك رسالة عداء للآخر واضحة وصريحة، هناك روح تتسم بالرغبة في الصراع واستمرار لما بدأ من حروب حول حوض البحر المتوسط منذ ظهور الإسلام والعالم المسيحي الأوروبي، وتعميق للخصومة التي لعبت جرائم الحروب الصليبية دوراً فيها وكذلك غزوات الدولة العثمانية ثم الاستعمار والصراع العربي الإسرائيلي ثم 11 سبتمبر وكأننا نقول للعالم إن نظرية(صراع الحضارات) نظرية صحيحة وما قال لكم(صامويل هنتنجتون) إلا الحقيقة التي يجب أن تصدقوه فيها وتبادلونا عداء بعداء وكسراً للعظم مع كل عظم يكسر بدلاً من تكريس نظرية(حوار الحضارات) وقبول البشر وترسيخ نظرية التسامح الديني والتعايش السلمي بين بني البشر.أعتقد أننا بحاجة لإعادة صياغة هذه المناهج التعليمية وتغييرها بشكل جذري، لا تصحيحي ولا تطويري، بناء على إعادة دراسة الإسلام نفسه مستخدمين في ذلك أدوات أكثر حداثة فيما يتعلق بفقه اللغة وتطبيق المناهج البحثية العلمية الحديثة يكون علم الإنتربولوجيا( علم دراسة الإنسان) في مقدمتها لنبحث في تراثنا الإسلامي عن كوامن النزعة الإنسانية الخيرة في الإسلام نفسه بحيث لا ننسلخ من هويتنا الإسلامية العربية وبحيث يتعلم الطالب أنه إنسان من بني البشر لا أعراق سامية ولا تميز في هذه الدنيا إلا بما يضيفه الإنسان لخدمة البشرية ورخائها وأن علاقته مع العالم الخارجي يجب أن تكون علاقة الأخذ والعطاء والندية الشريفة القائمة على القيم الأخلاقية المتفق عليها بين شعوب الكوكب اليوم من نبذ للعنف والإرهاب والظلم والجور واحترام حقوق الإنسان والإيمان بالحرية كقيمة عليا.هذه الدعوة لأنسنة المناهج ليست خضوعاً لضغط خارجي قادم من الشرق أو الغرب فكاتب هذه السطور يؤمن إيماناً متجذراً أن الاحتلال الأمريكي للعراق هو احتلال مجرم يجب أن يزول وأن يخرج الأمريكان من أرض الرافدين في أسرع وقت لأن بقاءهم هناك مدة أطول لن يزيد الأمر إلا سوءاً وأن كل يوم لهم هناك هو يوم لا تحمد عقباه، وأن المحافظين الجدد قد فشلوا فشلاً ذريعاً في إنجاح خططهم المعلنة وغير المعلنة وأنه ما عاد يسعهم سوى الاختفاء والاختفاء فقط لأن الأرض لم تعد تطيقهم. كما يؤمن أن لأهلنا في فلسطين حقهم الذي لا يجوز التنازل عنه بأي حال من الأحوال بشرط أن نستحضر نحن أن العداء مع دولة إسرائيل هو عداء سياسي قابل للأخذ والرد بما تمليه المصلحة وليس عداء دينياً تاريخياً يهدف للتطهير العرقي وقتل البشر على الهوية.[c1]* نقلا عن صحيفة " الوطن" السعودية [/c]
أنسنة المناهج التعليمية
أخبار متعلقة