رحلتي مع المسرح .. من أثينا الى عدن الحلقة رقم (213)
ارتبط المسرح العربي عبر تاريخه بهموم جمهوره العريض وتطلعاته ؛ وعبر عن ذلك بأنماط ومناهج أدبية متعددة ، امتدت من ( الفارس) الهزليات الخفيفة إلى الملحميات الكبيرة . وكان للمونولوج ( الشعر الكوميدي ) وللمسرحية الكوميدية ثمة موقع متميز في تاريخ المسرح العام ، ومن هنا احتلت الكوميديا مركز الصدارة في المناقشات الدائرة حول قضايا المسرح العربي وموضوعاته ، وكان العقد السادس من القرن الماضي عقد ظهور فن المسرح الكوميدي في اليمن ،وكان قد سبقه ( أدب المونولوج ) على يد الشاعر والصحفي علي محمد لقمان يرحمه الله فيما نشرته له صحيفة (فتاة الجزيرة) التي كان مدير تحريرها من بدء ظهورها في عام 1940م. ، وقد عرف بعض الأدباء هذا النمط من الأدب بأنه ( أدب الحوار مع الذات) ، ويعرفه آخرون بأنه ( مخاطبة الآخر بمعانات المجتمع) ،ويحاول الشاعر ( المونولوجست ) بشعره الساخر ، وأسلوبه المضحك الكوميدي معالجة الكثير من المشاكل الإجتماعية بأسلوب تثقيفي فكاهي مشوق يفهمه كل فرد من أفراد طبقات المجتمع على اختلاف مداركهم ، وقد اشتهر في أدب المونولوج في اليمن شاعران حسب علمي _ هما الشاعر علي محمد لقمان (يرحمه الله ) والشاعر الأستاذ عثمان عبدربه مريبش .فللأول ديوان (ياهوه !! الوارد ! ) .. بدأ الشاعر علي لقمان ينشر قصائده الشعرية من هذه المونولوجات كما سبق أن ذكرت في صحيفة ( فتاة الجزيرة ) ، وقد حظيت هذه القصائد النقدية المعبرة بأسلوبها الساخر وكلماتها الدارجة الناقدة باعجاب العدنيين ، وكانوا اذا صدر العدد من صحيفة (فتاة الجزيرة ) يقلب القراء صفحاتها بحثاً عن مونولوج الشاعر ، وذلك لما كانوا يجدونه في المونولوج من كشف عيب اجتماعي ، أو علة ادارية ، أو الإفصاح عن شكوى لا بد أن يعلو بها صوت الشاعر نيابة عن أمته شاكياً معاناتهم ..* والديوان ( يا هوه !! الوراد !) اتخذ له الشاعر اسمه من عبارة التنبيه التي كنا نسمعهامن ( ورّاد الماء ) حين يطرق باب الدار مستأذناً الأسرة ليمونها بالماء فتحتجب النساء وتفسح له الطريق ليصل الى أوعية المياه المعدة لاستقبال تموين اليوم .. ويقع الديوان في (40) صفحة ، وفيه (18) قصيدة ، منها ما يقع في صفحة واحدة كقصيدة (نطام المجاري ) صفحة 32 -34،وفيها يقول:يا ابن البلد يالّّذي سموك لنا مجلس * إخصه عليك ماقدرت تفعل لنا مجلس * زيدت سعر الأراضي والبيوت تفلس * بأ رجع أسميك حمادي الأرض أو مطلس ** ومنها إيضاً : قل للحكومة : المجاري أنت تشتيها ** قل للحكومة الجلالي عيب أنا فيها ** قل للحكومة : أهدميها بالذي فيها ** قل للحكومة البلاد تكره جلاليها ** إن كان يدكوا الجلالي با أمد يدي ** باقول نوابنا فيه بنو أسد ** ** ومن قصيدة (المجلس التشريعي) صفحة (33) الذي يقع مبناه على قمة الجبل الصغير أمام منطقة البنوك يقول فيها : ياللي طلعتوا الجبل شوفوا الجبل مبسوط ** يشتي يدق الجرس شاف الجرس مربوط ** يشتي يغطرف لكم مثل العروس مظبوط ** يشتي يعدرس وينقطكم بالفين نوط * يا نايب الشعب بين في البد أعمال ** شوف النيابة عمل ماهيش قزاحة عال ** نحنا هبينا المقام أن المقام أفعال ** جبناك من بعد ماضقنا من الأقوال ** ياضارب ( الصوت والنكتاى ) في الكرسى ** شوف خلي بالك ففي الكرسي أنا نفسي ** معي أنا الصوت أغلى المال مش هلسى ** باجي باهرول(سأسرع )وباجلس به أنا نفسى **ويمكن أن نلخص أبرز الأسباب والدوافع التي تكمن وراء الأهمية المتميزة للكوميديا وللدراسات النقدية التي تناولتها في الحلقات السابقة بما يلي : 1- تعدد الفرق المسرحية الكوميدية التي ظهرت في مصر وبعض البلاد العربية .. 2- إستخدام المواضيع الكوميدية ، والتعبير بالجملة أو اللفظة الهازلة لنقد الأوضاع نقداً غير مباشر ظاهره الإضحاك وغايته تغليف النقد الساخر عن الرقيب المتربص بالنص المسرحي . 3- شجع الإقبال على العروض الكوميدية في البلاد العربية غير اليمن -أصحاب الفرق والمستثمرين في الأعمال المسرحية إفتتاح مسارح جديدة مهيئة بكل لوازم المسرح من الأجهزة اللازمة والمعدات ، وإن كان كثير منها همه الأساسي حركة شباك التذاكر ومردوده المادي . 4- إزدياد رواد العروض الكوميدية الطالبين التفريج عن أنفسهم بالضحك ، وذلك أنعكاساً للسبب الأول إلى جانب عوامل أخرى ، منها على سبيل المثال لا الحصر التغيرات في بنية الهيكل الاجتماعي العام وإتساع الرفاه المادي لفئات اجتماعية معينة والاتجاه إلى نقد العادات الإجتماعية السيئة التي سادت بظهور فئات جاهلة من أغنياء الحرب الاستغلالية الجديدة ، مع اتساع مساحة أوقات الفراغ بعد يوم العمل الإعتيادي . فضلاً عن ارتقاء الوعي والذوق الفني سواء كان ذلك جوهرياً عند ( البعض ) أم من خلال المحاكاة الساذجة وروح التمظهر الاجتماعي عند البعض القليل الآخر . [c1]والى الحلقة القادمة للحديث عن الشاعر عثمان عبدربه مريبش ..[/c]