نبض القلم
لقد حمل الشيطان على عاتقه مهمة إضلال البشر، وإخراجهم من النور إلى الظلمات، “قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين”، (الحجر، 93 ، 40).فالشيطان هو عدو الإنسان الحقيقي إلى أن تقوم الساعة، فهو لا يفتأ يحرص على إغواء المؤمنين، وإخراجهم من الطاعة إلى العصيان، وهو في سبيل النجاح لإغواء الناس يتخذ وسائل عديدة وطرائق متنوعة للإفساد فهو يزين للناس الشر ويبعدهم عن الخير، ويوقعهم في براثن الفساد من حيث يظنون أنهم يحاربونه. وهو يستفزهم بصوته، وفي ذلك يقول الله تعالى: “واستفزز من استطعت منهم بصوتك” (الإسراء، 64).وصوت الشيطان ليس بالضرورة أن يكون كالأصوات المعروفة، وإنما يتمثل في أصوات دعاة الفتنة التي يروج لها أعوانه وجنده في كل زمان ومكان فالذي يدعو إلى الفتنة إنما ينطق بلسان الشيطان، والذي يدعو الناس ليقتل بعضهم بعضاً إنما هو من أعوان الشيطان الذي يعطي أعوانه وأنصاره وسائل الخوض في الفتنة وهو الذي يزودهم بخيله ورجله، فكل من يمتطي مركوباً في الفتنة ليقتل مسلماً إنما يركب خيل الشيطان، وكل من يمشي ليشارك في قتل المسلمين إنما يمشي برجال الشيطان وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله : “وأجلب عليهم بخيلك ورجلك” (الإسراء، 64).إن الذين يعيثون في الأرض فساداً إنما يستعينون بخيل الشيطان ورجاله، والذين يشيعون الفتن ليقتل المسلمون بعضهم بعضاً إنما هم من جنود الشيطان وأعوانه .. وكل من يحرض مسلماً ليقتل أخاه المسلم إنما يستجيب لأوامر الشيطان، وكل من يسعى لإيقاع الضرر بالأمة إنما هو من خيل الشيطان ورجاله.والمال الذي ينفق في قتال المؤمنين أو لدعم الفتن التي تشق صفوف الأمة إنما هو من مال الشيطان أو أن الشيطان شريك فيه، وهو وبال على صاحبه، وفي ذلك يقول الله تعالى : “إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون” (الأنفال، 36).ومن رحمة الله بعباده أنه لم يجعل للشيطان سلطاناً على عباده المتقين. قال تعالى : “إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون” (النحل، 99).ومع ذلك يحاول الشيطان قدر طاقته الشريرة أن يتعرض للأمة المؤمنة، من حين إلى آخر، ليوجد في حصنها ثغرة، أو يحفر أمام أقدامها حفرة، فإن استجابت لوسوسته، ولم تنتبه إلى خديعته أوقعها في فتنة، فذاقت وبال أمرها، وكان عاقبة أمرها خسراناً.والله سبحانه وتعالى يحذر أمة الإسلام من مخاطر التعرض للفتنة وذلك في قوله تعالى : “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب” (الأنفال، 25).أي احفظوا أنفسكم وصونوا بنيانكم من التعرض للفتنة التي قد تبدأ صغيرة أو مستورة، ثم تتزايد وتتوارد، وتتعاظم، ومعظم النار من مستصغر الشرر. وإذا الفتنة يتسع خرقها على الراقع، وإذا لم يتم إيقافها صيرت الديار بلاقع فهي حينئذ تعم وتجمع، فتصيب الفاسد والصالح، أما الفاسد فلأنه سعى إلى الفتنة وأراد بها الشر والخلل، وأما الصالح فلأنه سكت عن مقاومة الفتنة، ولم يعاون في القضاء عليها وعلى أسبابها وبواعثها.والله تعالى أمر المؤمنين أن لا يقروا المنكر بينهم أو يسكتوا عنه حتى لا يعمهم الله بعذاب من عنده، ولذلك قال في ختام الآية السابقة “واعلموا أن الله شديد العقاب” (الأنفال، 25). وهذا تهديد ووعيد من رب العزة والجبروت للأمة إذا تركت بوادر الفتنة تسعى بين ظهرانيها فلم تبادر بعلاجها. ولذلك دعانا ربنا إلى أن نقول داعين راجين منه : “ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، وأغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم” (الممتحنة، 5).وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من فتنة المحيا وفتنة الممات، ومن فتنة المسيح الدجال.وقد جاء في الأثر : “الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها”، ولقد حذر القرآن الكريم من خطر المفسدين الذين يخادعون ويقولون ما لا يفعلون : “وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” (البقرة،11). هم أولئكم الذين يعملون على إثارة البلبلة والخلل ويسارعون إلى التفريق والتمزيق في المجتمع طلباً لمغنم رخيص أو مأرب خسيس.وبعد، إن واقع أمتنا الراهن تفوح منه روائح الفتن المتعددة، سواءً في العراق أو في الصومال أو في اليمن أو في فلسطين أو في غيرها، وكلها أتت بفعل التدخل الدولي.وفي بلادنا أطلت علينا فتنة الحوثي في صعدة والتي إن تركناها تستفحل فإنها قد تأكل الأخضر واليابس، لذا لابد من العمل الجاد والحازم على إيقافها، حفاظاً على الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع. ولابد أن تتضافر جهود المخلصين جميعاً لإيقاف هذه الفتنة بكل الوسائل والطرق، إذ لا يجوز السماح لأي عابث أن يعبث بأمن المجتمع أو الإضرار باستقراره مهما كانت قوته ومهما كانت مبرراته.إن ما يجري في صعدة حالياً ناجم عن التوعية الخاطئة لبعض الشباب، وناجم كذلك عن فهم خاطئ للدين، وناجم عن تبني بعض شبابنا لأفكار مضللة، ومفاهيم بعيدة عن صفاء الإسلام ونقائه، لذلك لابد من تعاون المجتمع بكل فئاته على إيقاف تلك الفتنة، ولا يجوز التهاون مع مثيريها إذا لم يعودوا إلى طريق الحق والهداية .. والله تعالى يقول في هؤلاء وأمثالهم من الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات: “والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً عظيماً” (الأحزاب، 58).[c1]* خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان[/c]