بيروت/14 أكتوبر/ اليستر ليون: لن يجد الرئيس التالي للولايات المتحدة خيارات سياسية سهلة فيما يتعلق بإيران فمهاجمتها أو استرضاؤها أو محاصرتها كلها خيارات تنطوي على مخاطر وصعوبات. وبالنسبة لباراك أوباما أو جون مكين فإن حتى هذه الخيارات قد يكون تم إجهاضها إذا استغلت إسرائيل الأشهر المتبقية من ولاية الرئيس جورج بوش لقصف منشآت إيران النووية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت في واشنطن أمس الأول الثلاثاء في أعنف تحذير له لطهران حتى الآن إن البرنامج النووي الإيراني يجب أن يوقف «بكل السبل الممكنة.» وحث أولمرت المجتمع الدولي على «أن يوضح لإيران من خلال إجراءات عنيفة أن تداعيات استمرارها في السعي لإنتاج سلاح نووي ستكون مدمرة.» وإسرائيل التي يسود اعتقاد على نطاق واسع أنها تملك مئات الرؤوس الحربية النووية تعتبر إيران أخطر تهديد لها. وتقول طهران إن طموحاتها النووية تقتصر على توليد الكهرباء. وحتى إذا تحلت إسرائيل بضبط النفس فإن من سيدخل البيت الأبيض أياً كان سيواجه حقائق تحد من احتمالات تقليص نفوذ طهران باستخدام الوسائل التي جربها الغرب بالفعل وهي التهديدات والعقوبات والعزل والإغراء بحوافز اقتصادية. فنفوذ إيران الإقليمي وطموحاتها النووية لم يتسن احتواءها خاصة منذ أن أزاح بوش اثنين من ألد أعدائها هما حركة طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق. وكسبت إيران نفوذا لا يمكن إنكاره في الصراع العربي الإسرائيلي من خلال تحالفها الطويل الأمد مع سوريا وجماعة حزب الله اللبنانية الشيعية وعلاقتها الأحدث مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الفلسطينية. وتمكن الرئيس محمود احمدي نجاد المفعم بإيرادات النفط الاستثنائية حتى الآن من التغلب على المنتقدين في الداخل لسياساته الاقتصادية وموقفه الذي يتسم بالمواجهة فيما يتعلق بالبرنامج النووي وتصريحاته المعادية للولايات المتحدة ولوجود دولة إسرائيل. ولم يقمع الزعيم الروحي آية الله علي خامنئي صاحب القول الفصل في السياسة الإيرانية الرئيس المتشدد الذي يواجه ما قد يكون معركة صعبة لإعادة انتخابه العام المقبل. وقال خامنئي أمس الأول الثلاثاء إن إيران لن تذعن للضغوط الغربية فيما يتعلق بسعيها لتحقيق أهدافها النووية «السلمية» وهي سياسة متبعة حتى قبل أن يحل احمدي نجاد محل سلفه الإصلاحي في عام 2005. وقال بول سالم مدير مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت إن استمرار الإصرار على تخصيب اليورانيوم يعرض إيران لخطر عمل عسكري أمريكي سواء دخل البيت الأبيض أوباما الديمقراطي أو منافسه الجمهوري. وأضاف «الولايات المتحدة ستهاجم إيران إن عاجلا أو آجلا إذا استمر ذلك... يمكنها أن تفعل ذلك ولا أعتقد أن الاستجابة الإيرانية أيا كانت ستردع الولايات المتحدة في نهاية الأمر.» وحديث مكين المتشدد يشير إلى انه سيكون مستعدا على الأقل بقدر ما كان بوش مستعدا لفرض السطوة العسكرية الأمريكية إذا فشلت المعركة الاقتصادية عن طريق فرض المزيد من العقوبات في تغيير سياسة إيران النووية. وردود إيران الانتقامية قد تشمل إثارة تمردات مناهضة للولايات المتحدة في العراق وتشجيع حزب الله على قصف إسرائيل بالصواريخ وتعطيل صادرات النفط من الخليج أو إثارة الاضطرابات بين الأقليات الشيعية. ولتجنب اندلاع موجة عنف أخرى في الشرق الأوسط وتداعياتها العالمية التي يرجح أن تكون كبيرة تبنى اوباما التعامل مع إيران وغيرها من الدول التي ينظر إليها باعتبارها معادية للولايات المتحدة مثل سوريا. ويقول إبراهيم يزدي زعيم حركة الحرية المحظورة في إيران ووزير الخارجية في أول حكومة بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979 إن المسار الدبلوماسي قد يؤتي ثماره، وأضاف «إذا جرت مفاوضات غير مشروطة فإن هناك فرصة كبيرة للتوصل إلى بعض النتائج.» وأشاد يزدي بتأكيد أوباما على «القيادة العالمية وليس الهيمنة العالمية» لكنه قال إنه إذا فاز مكين وأعيد انتخاب أحمدي نجاد «فإن المواجهة والطنطنة الخطابية ستستمر.» وفي الوقت الراهن يبدو أي تقارب أمريكي إيراني ناهيك عن «صفقة كبيرة» لإنهاء العداء المستمر منذ نحو 30 عاما بعيد المنال فيمنطقة تزداد استقطابا وتشرذما. وسعى بوش لحشد إسرائيل والدول العربية السنية ضد «صناع الشر» مثل إيران وحزب الله وحماس وهو سباق تتعثر فيه دول صغرة مثل لبنان. وحتى المحادثات المتقطعة ضعيفة المستوى التي سمح بها مع إيران بشأن تحقيق الاستقرار في العراق في مرحلة ما بعد الحرب تعثرت. ولكن هل يمكن أن يؤدي فوز اوباما إلى تغيير شروط اللعبة؟ قال تريتا بارسي مؤلف كتاب «تحالف الغدر» الذي صدر في الفترة الأخيرة عن التعاملات بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة «المشكلة هي أن الحقائق على الأرض في المنطقة تتغير بأسرع من قدرة الأمريكيين على التكيف معها.» وقال إن عرض ضمانات أمنية على إيران أو قبولها في عضوية منظمة التجارة العالمية كان يمكن أن ينجح من قبل لكن ربما لا ينجح الآن بعد أن تغير ميزان القوى لصالح طهران. وقال بارسي انه سيكون من الصعب للغاية إقناع إيران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم أو الاكتفاء بأقل بكثير من اعتراف أمريكي بدورها الإقليمي وهو هدف إيراني ثابت، وأضاف «هذا يعني أن الإيرانيين سيكونون متواجدين على كل طاولة مفاوضات مهمة تتعلق بالمنطقة وكل الأطراف الأخرى سيتعين عليها الاعتراف بدور إيراني أكبر.» وتابع «لا اعتقد أن حتى إدارة أوباما ستكون مستعدة لذلك.» ومضى يقول انه بدلا من التكيف مع نفوذ إيران انتهجت الولايات المتحدة وإسرائيل «سياسة معجزة الأمل» بالتفكير في العمل العسكري أو السعي لاتفاق سلام سوري إسرائيلي لحرمان إيران من حليف رئيسي. وقال كريم ساجدبور الخبير في الشؤون الإيرانية انه لا انفراجة في العلاقات الأمريكية الإيرانية طالما بقي احمدي نجاد في الحكم وليس هناك إجماع في إيران على أن تحقيق انفراجة أمر يستحق الجهد، وأضاف «هناك أقلية صغيرة ولكن قوية بين صفوة الساسة الإيرانيين تعترف بان تحقيق ذلك يمثل تهديدا لمصالحها وكلما بدأ بناء الثقة بين الطرفين فإنهم يبذلون ما في وسعهم لنسفها.» ومن العقبات الأخرى إصرار الولايات المتحدة على أن تخفف إيران من عدائها لإسرائيل وهو ما يقول ساجدبور انه يعني التخلي عن واحد من المبادئ القليلة المتبقية للثورة الإسلامية. وفي حين أن الولايات المتحدة وإيران قد تكسبان الكثير من إجراء محادثات إستراتيجية بناء على تقارب قد يهدئ الكثير من التوترات في الشرق الأوسط إلا أن الهوة التي تفرق بينهما مازالت واسعة. والعداء المتبادل الذي تأجج عام 1979 بحصار السفارة الأمريكية في طهران لم يتبدد أبدا في حقيقة الأمر. وقال سالم من كارنيجي «الولايات المتحدة وإيران مصالحهما ليست بالضرورة متضاربة... إنهما فقط يكرهان بعضهما بعضا.»