تعرفت على طه فارع حينما كنت تلميذاً في مدرسة النهضة العربية في الشيخ عثمان، ومن ثم بدأت علاقة التزامل في الصفوف إلى أن أنهى طه فارع الفترة الابتدائية والتحق في المعهد الفني في المعلا، وبعد التخرج من المعهد قبلته شركة مصافي الزيت البريطانية ( بي بي ) موظفاً لديها غير أنه مكث فيها فترة قصيرة ثم التحق بإدارة المالية في عدن وأخيراً عين موظفاً في وزارة الثقافة بعد أن اشتهر صيته كفنان متميز.وكانت علاقتي بطه فارع قد توطدت على مر السنين كأصدقاء، لذا.. كانت لقاءاتنا شبه يومية. أما من الناحية الفنية فقد كان طه فارع يهوى الغناء والموسيقى وكان متأثراً بالموسيقار فريد الأطرش. وحينما انضم إلى فرقة المرشدي وجهت إليه نصائح عديدة بأن لا يكون أسيراً لأغنيات فريد الأطرش خوفاً عليه من طمس هويته الفنية. لذا عقد طه فارع العزم على ألا يترك لأحد من الفنانين كبيراً أو صغيراً عربياً أو محلياً أن يسيطر على مساره الفني على الرغم من انضمامه بصحبة محمد صالح عزاني وصالح ياسين إلى فرقة المرشدي كمرددين ( كورس ) وراء محمد مرشد ناجي حينما كان يؤدي أغانيه.وحينما أيقن المرشدي من نمو شخصية طه فارع الفنية المستقلة الخالية من هيمنة أي فنان عليه أسند إليه ثلاثة ألحان كي يغنيها طه فارع هي ( يخاصمني ويضحك لي ) من كلمات مصطفى غانم و ( هجرت وأبعدتني ) من كلمات محمد سعيد جرادة و (غلطة عمر) من كلمات مهدي حمدون.. كما أعطاه لحن ( مرحب مرحب يا رمضان ) من كلمات عبدالله محمد حاتم.كما ساهم محمد سعد عبدالله بإمداد طه فارع بلحنين ليغنيهما هما ( من نساك أنساه ) و ( من فضلك تتجمل عاتبني عتاب ) وللأسف الأغنية الأخيرة لم يتم تسجيلها. أما يوسف أحمد سالم فقد لحن له أغنية ( نظرة عيونك سهام ) التي لقيت رواجاً واسعاً في الإذاعة.وذات يوم وجد طه فارع في نفسه القدرة على تلحين الأغاني، فجاءني بأول لحن صاغه لأغنية من كلمات محمد سعد عبدالله وهي ( ماشانفعك إلا أنا ) فاتجهنا كلانا إلى محمد سعد لكي نرى ما هو وقع هذا اللحن عليه، وبعد أن أنصت إليه ملياً أشاد فيه وأعجب به، وتعبيراً عن إعجابه بموهبة طه فارع التلحينية أعطاه أغنية كلمات جديدة لكي يلحنها طه فارع وهي أنت استويت غالي ).. وتم تسجيل الأغنيتين في الإذاعة.وعلى مر الزمن توالى نشاط طه فارع الموسيقي فقدم له عبد الكريم مريد الأغنية المشهورة ( الأب ) وأغنية ( البتول ) إضافة إلى أغنية أبو جهالي ). وهكذا غنى لكبار مؤلفي الأغاني الآخرين أمثال عبدالله عبد الكريم ومحسن بريك وزين عيدروس والمحضار.. وغيرهم.وكان طه فارع عندما يأتيه وحي التلحين يحلو له الاتصال بي. وكان معنى ذلك حسبما هو متعارف عليه أن أشد الرحال إلى الشيخ عثمان بسيارتي وآتي به إلى البريقة لكي نبقى ساعات طويلة من الليل يمارس التلحين فيصيغ لحناً للبيت الأول فإذا حاز اللحن إعجابنا كلانا نتجاوزه إلى البيت الثاني من الأغنية وحينما يلحظ مني عدم الاستحسان يعيد الصياغة إلى أن ينتهي ويقتنع كل منا أن اللحن لكلمات الأغنية قد صار مكتملاً. وحينها ندرك أننا في الهزيع الأخير من الليل، ولكن لابد من الرواح فأعيده إلى بيته في الشيخ عثمان في ذلك الوقت المتأخر من الليل.والأتيان بطه فارع إلى بيتي في البريقة صار أمراُ مفروغاً منه كلما تم الاتصال بيننا والاتفاق عليه.. ولكننا كنا نعاني من النهاية التي تعقب ذلك اللقاء.. إذ ما أن أوصله بالسيارة إلى بيته في الشيخ عثمان حتى نجد والده في انتظارنا ليشبعنا تأنيباً وتوبيخاً على الإياب في ذلك الوقت من الليل.. ولا يسمح بدخول طه البيت إلا بعد أن يقوم بذلك الدور على مرأى مني. وبالمقابل حينما أتكاسل عن العودة إلى البريقة وأرغب في المبيت في بيت والدي في الشيخ عثمان ألاقي بدوري التأنيب والتوبيخ من والدي الذي يصر على والدتي بألا يفتح الباب عقاباً لي على ما كان يسميه استهتاراً ولكن تحت إلحاح والدتي ينفتح الباب وارتمي على أي سرير حامداً الله على تصدي والدتي لوالدي فيما يرمي إليه من عدم دخولي البيت في ذلك الوقت من الليل. وأذكر مرة أن الوالدة لم تتمكن تصديها لوالدي حينما عدت متأخراً بعد إيصال طه فارع إلى بيته فاضطررت إلى النوم في سيارتي أمام البيت ولسان حالي قدام عيني وبعيد علي.وفي إحدى مراحل طه فارع الفنية بدأ يقوم بمحاولات في تأليف الأغاني فحالفه النجاح حينما كتب ولحن وغنى أغنية ( أنا أتحداك تتكلم صراحة ). فحذوت أنا حذوه فقمت بتأليف أغنية ( زمان الحب ) التي لحنها طه فارع وسجلها للإذاعة والأغنية الأخرى التي كتبت كلماتها كانت بعنوان ( حرام يا روحي نتخاصم ) التي لحنها طه فارع وأعطاها للفنان فهمي التركي ليغنيها وسوف تسجل قريباً للإذاعة.وبالإضافة إلى بضعة الفنانين الذين غنى طه فارع من ألحانهم هناك أيضاً الفنان فيصل عبد العزيز الذي قم لطه مجموعة من الأغنيات منها ( دار الحبيب ) و ( على كيفك زي ما تشتي تدلع ) و ( يا غارة الله ). كما غنى لخليل محمد خليل أغنية (أهل الهوى ). ومن الفنانين الذين غنوا من ألحانه الفنانة رجاء با سودان التي غنت له أغنية ( أنا أتحداك تتكلم صراحة ) وإسمهان عبد العزيز غنت له ( زمان كنت احنق وأغير من الهوى لو لامسك ) من كلمات محسن بريك. وأيضاً الفنان نجيب سعيد ثابت الذي غنى من ألحانه عدداً من الأغنيات. كما حصلت فرقة المصافي الكوميدية على لحنين من طه فارع قدمتهما أثناء أعمالها التمثيلية هما ( الزوجة المشاغبة ) و ( محو الأمية ).وكنا نرتاد جلسات عمر با شراحيل الفنية في البريقة أحياناً بصحبة أحمد قاسم وأحياناً أخرى بصحبة محمد سعد عبدالله. وقد انطبع عند كثير من المهتمين بالغناء اليمني أن الفنان طه فارع قد تطرق إلى معظم ألوان الغناء اليمني في ألحانه المتمثلة في الألوان العدنية واللحجية والصنعانية واليافعية والحضرمية وغيرها.وطوال احتكاكي بالفنان طه فارع على مدى الأعوام لم أعهده إلا ضاحكاً بشوشاً ذا نكتة حتى في أسوأ الأوقات. والجدير ذكره أن الفنان طه فارع كان يتيم الأم من صغره.. لذا.. حاول أن يمارس حنان الأمومة إضافة إلى حنان الأبوة إلى أقصى ما يستطيع على أولاده، كما أنه عمل قصارى جهده على أن يفسح لهم المجال واسعاً مهما كانت ظروفه بأن يحصلوا أقصى ما يستطيعون الحصول عليه من العلم والثقافة التي من شأنهما أن تبوئهم المكانة الاجتماعية اللائقة.رحم الله الفنان طه فارع فقد كان لي نعم الصديق والذي كان لا يرجو منه إلا الخير كل الخير لكل منا.. كما كان لي نعم النديم في مجالس القات التي قضيناها أما في منزلي في البريقة أو في منزله في الشيخ عثمان نتبادل النغمات الجميلة والألحان الشجية التي لا يزال صداها يتردد حتى الآن في ذهني يحذرني من نسيان طه فارع وأيامه ولياليه.
|
ثقافة
أيامي مع طه فارع
أخبار متعلقة