يوم عاشوراء .. هو يوم أصيب المسلمون في ابن بنت نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - .. يوم لقي الإمام الحسين - عليه السلام - مقتله على أيدي طغاة بني أمية .. وكان من الذين باشروا قتله عمر بن سعد ، وسنان بن أبي عمرو ، وشمر بن ذي الجوشن وآخرون مع جيش جرار بإشراف من عبيد الله بن زياد وأمر من يزيد بن معاوية ! . التقى الجيش المذكور مع أنصار الحسين - عليه السلام - في كربلاء وقتل عدد كبير من أهل بيت الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى لم ينج من آل الحسين إلا بناته وولده علي بن الحسين (زين العابدين) وكان صبياً لم يحتلم بعد ، وهو الذي صار فيما بعد الجد الأعلى والوحيد لكل السادة الحسينيين في أرجاء الأرض إلى اليوم !. والشيعة يحيون هذه الذكرى في كل عاشر محرم من كل عام لأن الحسين قتل فيه من سنة 61 هـ .. ولها عندهم مراسيم وطقوس يقيمونها في شتى المعمورة .. إلا أن المثير في الأمر بروز دعاة الطائفية في هذه السنين الأخيرة وهم يضرمون النار بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي كله ! تساندهم كتب ومطبوعات ومطويات ومسموعات وقنوات ضالة مضلة تصف المخالفين لها بالكفرة والمارقين وأعداء الدين ومحرفيه ومبدليه ! الأمر الذي أعطى الضوء الأخضر لتنظيم القاعدة الإرهابي الوهابي باستهداف مواكب الشيعة ومساجدهم وتجمعاتهم وأسواقهم بالأحزمة الناسفة والانتحار والتفخيخ مخلفين قتلى وجرحى ومعوقين من رجال ونساء ومسنين وشباب وأطفال لا ذنب لهم إلا الانتماء المذهبي الديني !!! كما أعطى الضوء الأخضر لمتطرفين من الشيعة بالاعتداء على مساجد السنة ورجالها في العراق بالتحريق والتقتيل !! وهكذا !! بل حتى المسيحيون والصابئة لم يسلموا من حماقات هؤلاء المسلمين وهوسهم . يا للهول !! .. ما هذا الذي يجري في بلاد الرافدين .. بلاد العراق الجريح؟ .. هل يصنع حقا الاختلاف المذهبي والطائفي بالأمة مايصنع ويمزق نسيجها هذا الجحيم الرهيب؟.. وهل أضحى من المحال أن تتعايش الطوائف والمذاهب والأديان واقعا وحقيقة؟!.. ومن هو الذي يقف وراء إنتاج هذا الدمار الشامل الذي أتى على العراقيين من فوقهم ومن تحت أرجلهم .. وزاغت أبصارهم .. وبلغت منه قلوبهم الحناجر .. وظنوا بالله الظنونا .. وابتلي به العراقيون وزلزلوا زلزالا شديدا(؟!).إن الذي يقرأ تاريخ هذا البلد .. ويدرس الفقه والحديث ويقف على تاريخ حضارته العريقة .. يدرك بلاشك أو تردد حجم المعجزة التي صاغتها إرادة أبنائه من خلال تعايش طوائفه ومذاهبه .. وكذا اعتزاز أهله بشرف الانتماء لعراق عظيم كان على امتداد تاريخ العرب مهدا لحضارتهم العريقة !.وكم يتملك الإعجاب النفس حين تقرأ أوتسمع عن أبي حنيفة في الكوفة .. واحمد بن حنبل في بغداد .. وغيرهما من طابور طويل من أهل الحديث ، حتى لكأنك تقول : لم يكن في العراق شيعة قط؟!.. كما تقرأ عن أئمة أهل البيت بدءا بعلي سلام الله عليه وأولاده الأئمة عند الشيعة, وتسمع عن كربلاء والنجف حتى لكأنك تقول : لم يكن في العراق سنة قط (!).كما تقرأ عن العرب وتاريخهم في العراق حتى تسأل : أين الأكراد؟ وماذا يصنعون؟ّ!.. وتسمع أو تقرأ عن تاريخ الأكراد ولغتهم وثقافتهم حتى انك لتقول : لم يكن هناك عرب إذن(!).وحينها تتجلى الحقيقة الضائعة بوضوح .. وتقرر أن السنة والشيعة على مدار التاريخ في العراق لم يصل الخلاف بينهما إلى حد إلغاء حق المواطنة والعيش للآخر .. وهذا التضامن (الوطني) إن جاز التعبير, تراه مطردا في كل ادوار التاريخ بين السنة والشيعة على سبيل المثال في هذا البلد.فعند انحلال الدولة العثمانية (السنية) بعد الحرب الأولى ،وما أعقبه من تفتيت العالم الإسلامي إلى دويلات ضعيفة رفض شيعة العراق التحالف على العثمانيين ودافعو عن الدولة (السنية) رغم أن وضعهم فيها كان له تحفظات كثيرة بسبب سوء إدارة الفقه السني وبسبب التوجه الطائفي للعثمانيين.ووقف الشيعة والسنة معا ضد الاحتلال الانجليزي في ما عرفت بثورة 1920م وكان ابرز قادتهم حينها الشيرازي والخالصي وغيرهما .. وساند الشيعة كذلك ثورة رشيد الكيلاني الثانية ضد الانجليز عام 1941م بعد هروب الوصي على العرش ومعه نوري السعيد!! وكان الشيعة والسنة يدا واحدة في أكثر المواقف بغض النظر عن كون من يمثل تلك المواقف من السنة او الشيعة طالما وأنها من اجل العراق(!).وعندما صدر الحكم القضائي المصري بحق ابرز رجال الإخوان المسلمين في مصر (سيد قطب), وهو سني الانتماء رفض السيد محسن الحكيم يومها هذا الحكم وابرق للرئيس جمال عبدالناصر رحمه الله عبارة مؤثرة قال فيها: « إن سيد قطب عالم .. والعلماء لا يقتلون وإنما يحترمون»!.وعندما اعدم صدام الشيخ السني عبدالعزيز البدري حزن عليه شيعة العراق وشيعة لبنان .. وأقيم له في لبنان العزاء لتعذر صنيعه في العراق إبان حكم صدام .. وحزنت السنة كذلك جدا على إعدام المرجعية الشيعية محمد باقر الصدر رحمه الله .وهكذا يتكرر مشهد التلاقي والتضامن بين الفئتين دون أن تنهض بواعث النبذ الطائفي والمذهبي بينهما حتى سقوط طاغية بغداد في 29/مارس/2003م ولم تعرف العراق من يومها أمنا ولا استقرارا ولا حقا في العيش الآمن الكريم!!.هل هذا هو البديل الواقعي عندما يغادر الطغاة والأشرار مواقعهم؟ أم هو ثمن الحرية الذي يجب أن يستوفي قيمته من دماء وحياة ضحايا الاستبداد والقهر؟.لابد أن يكون ثمن الحرية إذن الذي لن يدفعه العراقيون بعد على مدى أحقاب طويلة قادمة بإذن الله!!.إن هذا الإجرام المروع في حق السنة والشيعة في العراق وهذا القتل المفخخ المجنون بين زحام الأبرياء الذين هم في المحصلة آباء وإخوان وأبناء وأزواج لن يكتب له الاستمرار لأنه لو كان شيء كتب له الاستمرار فإنما هو الحياة وليس القتل والفناء حتى يكون هذا الإنهاء الشامل هو أمر الله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين(!).لقد نسي هؤلاء أن هولاكو قبلهم كانت رغبته في ذلك اشد من رغبتهم فما تحقق له من مرامه غير لعنة التاريخ وقوة عزيمة الأجيال من بعده (!) وخرج العراق ابيا ورائدا وعظيما وكأن شيئا لم يصبه وهذا هو سر الإرادة العربية .. وسر حيوية الإسلام (!).ثمة حقيقة أخرى مهمة لا ينبغي - في رأيي - أن يغفلها أحد، وهي أن الصراع الطائفي والمذهبي تلعب الفتاوى والمرجعيات والمناهج فيه دورا لا يستهان به فمن خلالها يتم تحويل حديقة الحياة إلى غابة وحوش .. واعتقد أن تغذية الأجيال بان المذهب الآخر لا يستحق البقاء لأنه كافر ، أو لأنه ظلم أهل البيت ، أو لأنه لم يتق الله حق تقاته ، هي المسؤولة عن إنتاج جماعات متشددة أفرزها وغذاها الفكر الوهابي والسلفي .. ولا زالت تفرز إيمانا بوجوب تدمير المخالف .. وهذه الجماعات قد اصبحت واقعاً له فكره وثقافته وأساتذته ومريدوه وكلبها باسط ذراعيه بالوصيد.. وداعيها باسط يديه لقبض الرصيد .. !! والانتحاريون البسطاء والمريدون البلهاء هم الضحايا في خاتمة هذا المطاف النكد العنيد !! .
أخبار متعلقة