في أواخر عصر دولة المماليك المصرية قبل أن تقضى عليها الدولة العلية العثمانية في سنة ( 923 هـ / 1517م ) وتهزمها في موقعة مرج دابق بالقرب من حلب . كانت الفتن والاضطرابات والقلاقل تعصف بها من كل مكان من جراء الصراع الدموي والعنيف الذي كان يقع بين الأمراء المماليك من أجل الاستحواذ على السلطة والجاه والمال ومما زاد من شراسة القتال بين الأمراء المماليك أنّ البرتغاليين كانوا يحاصرون منفذ جنوب البحر الأحمر ليحتكروا ويتحكموا بمصادر تجارة التوابل النابعة من الهند وجنوب شرق آسيا مما افقدهم موارد مالية ضخمة كانت تصب في خزانة الدولة المصرية المملوكية في فترة حكم السلطان الغوري زعيم المماليك . وعلى أية حال ، تشير كثرة من المصادر إلى أنه لم يكن يمضي يوم حتى يقضى على عدد من الأمراء المماليك إمّا ذبحًا أو شنقاً أو حرقاً أو غرقاً . مما دفع ببعض الأمراء المماليك من أجل حماية أرواحهم ، وكنوزهم إلى القيام ببناء باب سري في قصورهم يتسللون منه وقت أنّ يداهمهم الخطر على غرار بعض القصور الفاطمية لا يعرف أحد مدخله ولا مخرجه سواهم والقلة القليلة من المخلصين من حرسهم . وتسمي المصادر الإسلامية ( الباب السري ) باب (السر ) أو أبواب ( السر ) . وهذا وقد انتشر بناء هذه الأبواب بصورة واسعة بين الأمراء المماليك بسبب الفتن والخطوب التي أطلت برأسها في أواخر عصر دولتهم ـــ كما ذكرنا سابقا ـــ . وتصف المصادر الباب السري بأنه بمثابة سرداب ممتد بدايته من داخل غرفة قصر الحاكم ونهايته إلى خارج بستان القصر . في عصر الصليحيين وقبلها ، كان الباب السري أو باب السر أيضًا معروفًا في عصر الدولة الفاطمية ولكن بصورة ضيقة . ونظرًا للعلاقة المذهبية الإسماعيلية الوثيقة والشائجة بين الدولة الصليحية والدولة الفاطمية والتي كانت الأولى امتدادًا للأخيرة في اليمن . فقد قلد الصليحيون الفاطميون في كل شؤون حياتهم . وهذا ما أكده مؤرخنا الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ، فيقول : “ فلا جرم إذا صاروا ( الصليحيون ) تبعًا لهم ( يقصد الفاطميون ) يدورون في فلكهم ، ويلتزمون بتعاليمهم ، ويأتمرون بأمرهم ، وينتهون بنهيهم ، ويقلدونهم في شؤونهم كلّها ، وما ذا إلاّ أنهم امتدادُ ُ لنفوذهم في اليمن “ . ومن بين شؤون العمارة الذي قلدها الصليحيون الفاطميين هو باب السر ، ويظهر هذا بوضوح في قصر السيدة بنت أحمد الصليحي المتوفاة ( 532هـ / 1138م ) في جبلة عاصمة الدولة الصليحية . والجدير ذكره لقد زرت هذا القصر المكوّن من 365 غرفة , ومن بينها غرفة ملتصقة بباب السر يؤدي إلى سرداب عميق إلى خارج القصر . [c1]دار السعادة [/c]ومثلما قلد حكام الدولة الصليحية الفاطميين في بناء الباب السري أو باب سر بجانب غرفهم الخاصة بهم ، أيضًا قلد بني زريع ـــ الذين كانوا من عمال الدولة الصليحيين في عدن ولحج واستقلوا عنها بعد ذلك والذين يدينون بالمذهب الإسماعيلي المذهب الرسمي للدولة الفاطمية في مصر ـــ الباب السري أو باب السر في قصور إمارتهم الجديدة في عدن. وتصف بعض المصادر بأنه كان يوجد بابًا سريًا يبدأ من دار السعادة و وينتهي مخرجه في سور صيرة وبينهما سرداب عميق ، . ومن المرجح بأن ولاة الدولة الرسولية وبعدهم عمال الدولة الطاهرية ظلوا محتفظين بهذا الباب نظرًا لأهميته في الحفاظ على أرواحهم وكنوزهم في حالة نشوب تمرد أو ثورة من قِبل خصومهم السياسيين . [c1]قصر الكواكب [/c]ويذكر بعض المصادر أنّ عددًا من ملوك وسلاطين الدولة الرسولية ، أقاموا عددًا من القصور في عدن ، وكانوا يلتجئون إليها أثناء الاضطرابات التي كانت تندلع في عاصمتهم تعز بين الحين والآخر مثلما حدث مع السلطان الملك المجاهد علي بن المؤيد بن داود المتوفى ( 764هـ / 1363م ) الذي فر من المؤامرات والدسائس التي نسج خيوطها الطامحين في الحكم إلى عدن ، ونزل في قصر ( الكواكب ) وتصمت المعطيات التاريخية عن تحديد موقعه ، ومن وأغلب الظن أنّ يكون القصر قريبًا من جبل حقات نظرًا لحصانة الموقع ، ومن المرجح أنّ تكون في أحدى غرفهم باب السر أو الباب ( السري ) . [c1]من صفحات تاريخ العمارة[/c]وجملة القول ، يعد باب السر أو أبواب السر في قصور عدن أو اليمن بصورة عامة سواء في عصر الدولة الصليحية ، أو إمارة بني زريع ، أو الرسولية ، أوالطاهرية صفحة من صفحات تاريخ العمارة اليمنية الإسلامية الذي ينبغي دراستها على ضوء منهج البحث التاريخي وأنني أكاد أجزم أننا سنخرج من حصيلة هذه الدراسة بمعلومات تاريخية جديدة و قيمة وشيقة تضاف إلى تاريخ العمارة اليمنية بصورة خاصة ، والإسلامية بصورة عامة والتي بلغت ذروة جمالها وتألقها في القرن الرابع الهجري ، القرن ( العاشر الميلادي ) .
|
تاريخ
الباب السري !
أخبار متعلقة