أثمارهاشمقال أحد الشعراء يوما : "إذا الشعر لم يهززك عند سماعه فليس جديرا بأن يقال له شعر".من الامور المسلم بها والتي لاجدال فيها ان الشعرهو فن العرب الاول خصوصا في العصورالقديمة وذلك لسهولة حفظه وكثرة تداوله بين الناس فكان بذلك يمثل سجلا يمكن من خلاله التعرف على كل ما يحدث لهم من حروب وحب وغيره بمعنى آخر ان الشعر في حياة العرب الاوائل كان اشبه ما يكون بعملية توثيق لحياتهم بأكملها وكان الشعر في ذلك الوقت يكتب من شطرين هما الصدر والعجز مع الالتزام بالوزن والقافية.وقد عرف العرب عددا من الشعراء الذين استمرت اشعارهم حية يتناقل روايتها الناس لسنوات طويلة حتى بعد وفاتهم وهو الشعر المتعدد الاغراض ما بين مديح وهجاء وفخر ورثاء وغزل ووصف واعتذار ثم ما لبث ان اضاف العرب الى موضوعاتهم تلك مواضيع اخرى جديدة ناجمة عن التوسع في الحضارة الاسلامية وخروجهم الى خارج الجزيرة العربية كدمشق عاصمة الخلافة الاموية وبغداد عاصمة الخلافة العباسية وما شكل ذلك الانتقال من تغيير في نمط حياة العرب الامر الذي دفعهم للتعبير عن هذا التغيير عن طريق الشعر والخوض في موضوعات لم تكن مألوفة قبلا لمن سبقهم وفي هذا الصدد لايسعنا الا ان نذكر بعض الشعراء الذين ظهروا في فترات متباينة وتفوقهم بلون معين.فها هو عمر بن ابي ربيعة الذي ظهر في العصر الاموي يشتهر بشعر الغزل فيقول :[c1]إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوىفكن حجرا من يابس الصخر جلمدا[/c]وكذلك قوله :[c1]إني امريء مغرم بالحسن أتبعهلاحظ لي فيه الا لذة النظر[/c] اما اذا ما ذكرنا شعر الهجاء فاننا لن نغفل عن ذكر(جرير) الذي ظهر في العصر الاموي وكيف كان هو و(الفرزدق) يهجو كل واحد منهما الاخر وفي الابيات التالية يهجو (جرير) (الفرزدق) بقوله :[c1]ان الفرزدق أخزته مثالبهعبدالنهار وزاني الليل دبابلا تهج قيساً ولكن لو شكرتهمإن اللئيم لأهل السرو عيابقيس الطعان فلا تهجو فوارسهم لحاجب وأبي القعقاع أرباب[/c]وبالحديث عن شعر الرثاء فاننا دون شك لانستطيع تجاهل الخنساء كواحدة من أشهر شعراء العرب حيث كانت قصائدها تتمحور في رثاء أخيها صخر فها هي تقول:[c1]ألا يا عين فانهري بغدروفيضي فيضة من غير نزرولاتعدي عزاء بعد صخرفقد غلب العزاء وعيل صبريلمرزئة كأن الجوف منها بعيدالنوم يشعر حر جمر[/c]بالإضافة إلى تلك الألوان الشعرية التي عرفها العرب فلقد عرفوا كذلك شعر الحكمة التي كانت تظهر بجلاء في أشعار المتنبي حينما يقول:[c1]لا تلق دهرك إلا غير مكترث ما دام يصحب فيك روحك البدنُفما يديم سرور ما سررت به ولا يرد عليك الفائت الحزنُمما أضر بأهل العشق أنهمُهووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا[/c]واستمر حال العرب كذلك قرونا طويلة يؤرخون لحوادث أيامهم شعرا حتى ظهر في العصور الحديثة شعراء عرب تمردوا على شكل القصيدة العمودية وحاولوا الكتابة بأشكال جديدة منها الشعر المطلق او المرسل المتحرر من القافية الواحدة مع احتفاظه بالوزن وكذلك الشعر الحر الذي يلتزم بوحدة التفعيلة الذي سمي كذلك بشعر التفعيلة ثم الشعر المنثور الذي لايلتزم فيه الشاعر بالوزن او القافية وجميع هذه الإشكال الشعرية عرفت بشعر الحداثة الذي يدرك جميع المهتمين بشؤون الادب ان مصدره الغرب وهنا لابد من الإشارة إلى أن هناك اختلافا بين المؤرخين الغربيين حول بدايات الحداثة الا ان بعضهم يرى ان ظهورها كان في أواخر القرن التاسع عشر على يد الشاعر الفرنسي (بودلير) الذي نادى بالغموض في الأحاسيس والمشاعر كما انه لم يكتف بتغيير اللغة الوضعية عن طريق ايجاد علاقات جديدة بل كان يطمح كذلك الى تغيير وظيفة الحواس عن طريق اللغة الشعرية.وبالعودة الى الحداثة في الشعر العربي نستدل بأنها لم تكن تلقائية نتيجة التغيير الحاصل في حياة العرب وانما كانت ناجمة عن نوع من التأثر والتقليد لكل ما هو غربي وقد كان بداية ظهور الحداثة في العالم العربي في أربعينيات القرن العشرين على يد بعض الشعراء العراقيين مثل نازك الملائكة وبدر شاكر السياب الذي قال :[c1]شناشيل ابنة الجلبي نور حوله الزهرعقود ندى من اللبلاب تسطع منه بيضاءوآسية الجميلة كحل الاحداقمنها الوجد والسهر[/c]وقد كان ظهور الشعر الحديث سببا في خلق جو من الجدل بين النقاد والقراء وانقسامهم الى قسمين مؤيد يرى ان الشعر الحديث جاء ليتلاءم مع تطور الحياة التي تعيشها المجتمعات فيما آخرون عارضوا ذلك اللون الجديد من الشعر واعتبروه ردة لغوية ومؤامرة على النموذج الشعري الذي ألفه العرب لقرون طويلة، حيث يؤكد دارسو الشعر الحداثي ان هذا الشعر جاء نتيجة تحول معرفي أي انتقال بالمعرفة من مستوى الى مستوى آخر اكثر منه في الثقافة والاتساع وهنا لابد لنا ان نذكر ما سجله محمود امين العالم حينما رأي ان مصادر الخبرة الشعرية لشعر الحداثة تكاد تكون ثقافية معرفية اكثر مما هي خبرات انسانية.الا ان الشعر العربي لم يتوقف عند مرحلة الحداثة ليجد نفسه قد انتقل الى مرحلة جديدة تسمى ما بعد الحداثة والتي ظهرت في ستينيات القرن الماضي وقد غلبت عليه حالة من الغموض والابهام ولجوء شعراء تلك المرحلة الى محاولة التطرق الى موضوعات تتعلق بالفلسفة وعلم الاجتماع كما استخدم بعضهم الاسطورة في تكثيف المعنى كل ذلك تسبب في حدوث تشوش في ذهن القارئ يتمثل في استيعابه لهذا اللون الجديد من الشعر خاصة ان بعضهم لايملكون معرفة كافية لفك طلاسم تلك القصائد ورموزها الامر الذي دفع القراء للنفور من هذا الشعر هربا من الغموض الذي يكتنفه ومع هذا فانه ليس بخاف على احد ان هناك شعراء عربا لمعت اسماؤهم في الساحة الشعرية العربية ممن لم يكتبوا القصيدة العربية الا ان قصائدهم كانت تحمل معاني يستطيع القارئ إدراكها بسهولة منهم عبدالعزيز المقالح، محمود درويش وأحمد مطر.ومع هذا فان هناك اشخاصا ظهروا على الساحة يطلقون على أنفسهم لقب شعراء بينما نجد قصائدهم بعيدة كل البعد عن الشعر بل ان الموضوعات التي يتطرقون اليها وطريقة تناولها شعرا تتم بأسلوب فج تدفع القارئ بعيدا عن الشعر فها هو شاعر سعودي يدعى منصور العتيبي (يخطب) ابنة صدام حسين رغد في قصيدة تقول بعض ابياتها :[c1]وأنا اللي مستعد أقدم لو ازعل معظم الحكامأسوق الها المهر لو رأس توني بلير ترضا بهابي رغد هاذيك اللي تشاهد لحظة الاعدامتبسم يوم ابوها يقدم للموت ما هابه [/c]ويبدو انه سيأتي يوم يزداد فيه مستوى الشعر انحدارا ولايحرك فينا ساكنا عند قراءته او سماعه وهنا لابد ان نذكر ما قالته الشاعرة الأمريكية أميلي ديكسون : "عندما تقرأ نصاً فتصيبك تلك الرعشة فأعرف أنك تقرأ شعراً".[c1]المصادر :[/c]- التلقي بين غموض النص وآليات التأويل د.عبدالقادر عبو- الحداثة مفهومها .. نشأتها .. روادها.
|
ثقافة
الشعر العربي بين الرصانة والفجاجة
أخبار متعلقة