ليس العنصر الأساسي في القصة :
القاهرة:/14 أكتوبر / وكالة الصحافة العربية:التشويق يعتبر شيئاً مروعاً بالنسبة لمعظم السينمائيين في الوقت الذي يعتبر فيه بالنسبة للجمهور شيئاً أساسياً من أجل الوصول إلى المتعة ، فإذا كانت هناك خطأ في فيلم ما، فإنهم يرجعونه إلى غياب عنصر التشويق، وإذا افتقر للبناء والحبكة الدرامية، أو إذا كان القصة فاترة والخط الدرامي مضطرب تكون النصيحة عادة بإضافة بعد التشويق وبذا اعتبر التشويق الدواء السحري، الذي يساعدنا على تخطي الصعوبات في أي سرد قصص، فما هي بالضبط معالم التشويق، وكيف يتحقق أثره؟وبعض السينمائيين يعدون التشويق مجرد تأثير ثانوي نستخرجه من عناصر درامية أخرى، وبذلك لايصبح التشويق ممتعاً إلا في وجود بناء درامي قوي، فلا يمكن أبداً أن يوجد هكذا من تلقاء نفسه، كما لا يمكن إضافته، وليس في مقدوره أن ينصلح أو يتحسن من جراء نفسه، لأنه يعتمد كثيراً على عناصر أخرى، وعندما يقال إن القصة خالية من التشويق، فهذا يعني أن المتفرج عاجز عن الانجذاب، ذلك أن التشويق هو شك المتفرج في نتيجة نية ممثل في القصة، ولذلك تكون النية هي أول ما يتطلبه التشويق، وأية قصة تخلو من النوايا ليس في استطاعتها أن تحدث تشويقاً، وسوف تتحرك القصة بهدوء تجاه هدف حددته النية، حيث النية فلابد لها أن تصنع هدفاً ما، وبقدر ما يشك المتفرج في نتيجة النية يكون إحساسه بالتشويق.وتنتج إحدى الأخطاء الشائعة من حقيقة وجود قصة بلا عقبات تقف في وجه نواياها بل تتحرك في هدوء نحو الهدف.. فمن الواضح أن المتفرج لا يستطيع أن يشعر بأي تشويق ومن هذا يستخلص الناس بأن الحاجة إلى التشويق هي نتيجة و ضوح الهدف.. فإنهم يظنون أن المتفرج لا يمارس الشعور، لأنه يعلم بالضبط اتجاه سير القصة.. ويحاولون إصلاح غياب التشويق هذا بتعليق الهدف.. لكنهم لايخلقون التشويق بل الاضطراب، لأن التشويق ليس هو الجهل المطلق ولكن عدم التأكديجب على المشاهد أن يعلم إلى أن تسير القصة.. ولكن يجب ألا يكون واثقاً من الوصول إلى الهدف أو عدم الوصول، ولكي نخلق هذا القلق أو الشك يجب علي المشاهد أن يعلم بالصعوبات، التي تقف في طريق هذه النوايا.. وغالبا ما يختلط التشويق بالفضول.. ولايكون هذا الخلط مفهوماً- إذا لم نبرره- لأن رد فعل المشاهد سوف يكون مماثلا.. وفي كلتا الحالتين فإنه يسأل نفس السؤال.. ماذا سوف يحدث؟ ومع ذلك يتولد الفضول نتيجة حاجتنا لمعرفة ما يريده الممثل، بينما التشويق ينتج من حاجتنا إلى معرفة نجاح نية الممثل أو إحباطها.. ويكون الفعل الناتج من جانبنا مشابهاً ولكن تكون أسبابه مختلفة، والفضول هو رغبتنا في كشف الهدف، بينما يمكن أن يوجد التشويق فقط إذا كنا نعلم الهدف.. ولذلك يتعارض كل منهما مع الآخر ولايمكن لكلاهما التواجد في وقت واحد، فتقديم الهدف الذي يدمر الفضول هو الخطوة الأولى للتشويق وغياب الهدف الذي يعتبر ضرورياً للفضول يجعل من التشويق مستحيلاً.[c1]الدم والقتل[/c]ويتقيد التشويق بالضرورة بالدم والقتل، فيمكن لقصة حب رقيقة أن تحتوي على التشويق بقدر تمسكها بنفس مبادئ النية والصعوبات المعاكسة، وبذلك تثير الشك في عقل المشاهد ولذلك تتساوي النية والصعوبة في الأهمية عند إثارة الشك في نفس ا لمشاهد، وبادئ ذي بدء لا يهم مدي صلابة وقوة كل منهما، ولكن الذي يهم هو المظهر وتوازن القوة بينهما ،لأنه لو ظهرت قوة النية علي أنها أعظم من الصعوبة تكون فرص نجاحها وانتصارها لا خلاف فيها.. فلكي نحقق الشك ومن ثم التشويق يجب أن تتساوي فرص نجاح النية والصعوبة، ولنفترض أنك على ظهر عبارة محيطات، فإن للعبارة آلات قوية ومقاومة عظيمة ضد العاصفة والأمواج وبها أجهزة أبحار وفريق مدرب.. وفرصها للنجاح في عبور المحيط أفضل بكثير من فرص النجاح في المقاومة، فنحن لدينا النية والصعوبة، ولكن فرص النجاح ليست متساوية، ولذلك لا يمكن أن نشعر بالتشويق.. ومع ذلك فلو أصاب العبارة طوربيد ونزل الناس إلي قوارب النجاة ،فإن فرص النجاح تكاد أن تتساوي، فتتمثل فرص الصعوبة في اتساع المحيط وفي العاصفة وفي الأمواج وفي الحاجة إلى شرب الماء وهكذا.. وتتمثل فرص النية في أمل الناجين في أن تلتقطهم مراكب تمر بالقرب منهم أو تجرفهم الرياح إلى إحدي الجزر وعندئذ تمكننا الفرص المتساوية من الشعور بالتشويق.وبترجمة ذلك إلى مصطلحات قصصية فهي تعني الآتي: رجلان يريد كل منهما قتل الآخر يوفر تشويقاً جيداً، لأن لديك نية ونية مضادة أو نية وصعوبة، فإذا ما رسمت شخصية هذين الرجلين بأنهما قويان، وقاسيان فإنك سوف تحصل علي تشويق أفضل.. ورجل شجاع ولكن بلا حيلة يريد قتل جبان قوي جداً يوفر تشويقاً ممتازاً.[c1]حماس كاتب[/c]وبالرغم من ذلك يبدو واضحاً جداً في تحليل واضح فغالباً ما تقع أخطاء من ذلك النوع ومعظمها بسبب حماس الكاتب ليجعل بطله رائعاً وخصمه خليطاً من جميع الصفات السيئة والمحتقرة ويسمح بالذم الأخير طالما كان الخصم قوياً ولا يرتبط بشئ من الضعف ولو عرضنا صفاته المحتقرة ،مثل القسوة والشر، التي ترتبط في نفس الوقت بالقوة فعندئذ يتحقق التشويق لأن فرص النجاح تكاد تكون متساوية.. وقد عبر هيتشكوك عنها علي الوجه التالي: “إنني أحترم دائما الشرير الذي أقدمه وأصوره كشخصية مروعة بحيث يجعل بطلي أو موضوعي أكثر إعجاباً كلما نفخت فيه”.وقد قيل إن قوة الصعاب التي نعالجها تبرز قيمة النية وفي نفس الوقت، فإنها تبرز فرص النجاح للنية•• فمثلاً جيش من خمسة آلاف مقاتل يدافعون عن أحد الجسور..فليس من المحتمل أن تنتصر قوة معادية من مئتين من الرجال لأن فرص النجاح غير متساوية جداً.ومن المحتمل أن يقتحم شرطي بمفرده وكر عصابة من اللصوص رغم ما يبدو أن رجوح الكفة كلها ضده•• ولكن عن طريق الحقيقة البسيطة بأنه يجرؤ علي تحدي هذا التفوق نفترض بأنه لابد وأن يملك بعض الأسباب للقيام بهذا الأمر أي أنه لابد وأن لديه بعض الفرص الأخري للنجاح، التي مازالت غير معروفة لنا، ويؤدي إدراك مثل هذا الموقف الذي يحتوي علي تشويق قوي جداً إلى أن يخطئ بعض الكتاب أخطاء جسيمة، فيسمحون للبطل بمواجهة مواقف من الواضح أنها يائسة، وبعد ذلك لا تنفذه مساعدة ينتظرها، وهي حقيقة قد تتوافق مع قانون الفرص المتساوية في النجاح أو الفشل ، ولكن عن طريق نجدة ما تأتي بالصدفة.. وبصراحة يعتبر هذا سخفاً.. فالبطل الذي يذهب إلى مكان، حيث يعلم أن عشرات المجرمين يختفون فيه لا نعتبره بطلاً ولكن معتوهاً.. فلو أنقذ البطل وصول البوليس بالصدفة فهو لا يستحق الإنقاذ ويهين الكاتب ذكاء المتفرج.ويزن المشاهد الفرص بطريقة لاشعورية، ولكن الأفلام السينمائية قد أفسدت إلى حد بعيد الشعور الطبيعي لوزن الفرص.. لأنها جعلت منها عادة في كون كل شيء يخرج سليماً في النهاية.. فقد تعودنا علي انتصار البطل لدرجة أننا لا نفقد الأمل حتي ولو بدت الأشياء يائسة تماماً.[c1]التشويق الحقيقي والزائف[/c]وما نزال نشعر بالتشويق حتي إذا لم يكن هناك أدني شك في أن نية البطل سوف تصاب بالفشل، ويعتبر هذا تشويقاً زائفاً، لأنه قد بني على أمل وثقة.. في عطف منتج الفيلم الذي لا يحبطنا بجعل الأشياء تنتهي نهاية تعيسة.. وسوف يعمل المثل التالي على توضيح الاختلاف بين التشويق الحقيقي والزائف: ويحمل أحد القطارات البطل والبطلة متجهاً إلى كوبري قد تم تدميره.. ويسير القطار بسرعة سبعين ميلاً في الساعة وليس هناك أي تحذير.. وبالتالي لايجب أن نشعر بأي تشويق فليس هناك شكاً صغيراً في أن القطار سوف يغرق في النهر ولكن لأننا نحب البطل والبطلة، فلن نفقد الأمل بأن شيئاً ماسوف يمنع نية القطار من السقوط في النهر..فهذا تشويق زائف.. ومع ذلك فلو أكتشف أحد الحراس الكوبري المهدم ويجري بقدر ما يستطيع من سرعة ناحية القطار من أجل تحذير السائق ليكون لدينا عندئذ تشويق حقيقي، فهل سيقوم الحارس بتحذير السائق في الوقت المناسب؟ فهل سوف تنجح نية القطار أم تفشل؟ من الواضح أن التشويق الحقيقي هو أكثر إثارة وقوة ويجب أن نبحث في السيناريو بعناية عن فرص متساوية أو غير متساوية، ومن السهل جداً من حين لآخر أن نحشر سبباً لجعل الفرص متساوية، كما رأينا في المثل السابق فقد توجد الأسباب التي تحدد فرص النجاح والفشل لإحدي النوايا بصرف النظر عن علم المشاهد أو عدمه..ولكن يجب أن ندرك أن المشاهد لايمكنه الإحساس بالتشويق، لأنه يعلم بالمصاعب التي تقف في طريق النية، كما رأينا في مثال القطار والحارس•• فمن هذا نستخرج المطلب بإعطاء المعلومات في اللحظة المناسبة لكي نحصل علي أفضل قيم للتشويق•وخلال تقديم القصة قد تتغير فرص النجاح والفشل ومعها شكنا، فإذا كانت الصعوبة هي أحد العوائق فيمكن التغلب عليها تدريجياً عن طريق النية.. ويخضع شكنا وتشويقنا لتغيرات سريعة جداً..وهذا من المرغوب فيه، لأنه يحمل النتيجة، التي لايمكن التنبؤ بها..وقد يحدث انتصار جانب علي الآخر ما تدريجياً أو سريعاً ويتماثل هذا التغير السريع في فرص النجاح أو الفشل مع مفهوم أرسطو عن الانقلاب فبعد تساوي فرص الاثنين لمدة طويلة أو تميل حتي إلى جانب واحد فجأة يحظي أحدهما أو الآخر بتفوق حاسم ونحن نقول تفوق حاسم، لأنه لابد من وجود نقطة يجب أن يحل فيها الشك بانتصار أو هزيمة النية بدلاً من اليقين•• وهذا الحسم هو الذروة.[c1]التساؤل والذروة[/c]فإذا كان التشويق هو التساؤل عن نتيجة النوايا، فإن الذروة تعطي الإجابة فبعد الذروة لا تسمح بمزيد من الشك في احتمال نجاح النية أو فشلها.. اجابة تحل المشكلة..فالذروة تقضي على التشويق، ولذلك من الواضح أنه يجب أن تكون الذروة قريبة من النهاية بقدر الإمكان للاستفادة من التشويق حتى النهاية نفسها ولاتتماثل الذروة مع نهاية القصة، فهي ببساطة تمثل الجسم بالانتصار أو القضاء على الصعوبة، فتقدم القصة من الذروة حتي تحقيق الهدف فلايثير الاهتمام، لأنه في حاجة إلى التشويق.. وقد نذهب بعيداً أيضا لنضمن التحقيق الفعلي للهدف، لأنه ليس هناك شكاً وراءنا في الوصول إليه وهذا هو الحال في كثير من قصص الحب.. فبعد القضاء على كل الصعوبات فلسنا بحاجة لأن نري زواج العشاق.