د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)
قلة من الناس هم الذين يستطيعون ترك بصماتهم واضحة في هذه الحياة واجتياز كافة العقبات والعراقيل التي كانت رفيقاً دائماً لهم في رحلتهم في الحياة لإثبات وجودهم, وتعد د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) واحدة من أولئك الأشخاص الذين رفضوا الاستسلام للواقع الذي كان مفروضاً عليها وسعت جاهدة في ميادين العلم والمعرفة تنهل منهما لتصبح بذلك نموذجاً فريداً للمرأة التي حررت نفسها.[c1]المولد والنشأة[/c]ولدت عائشة عبد الرحمن المكناة بـ بنت الشاطئ في 6 نوفمبر 1913م في مدينة دمياط شمال دلتا مصر وتلقت مبادئ القراءة والكتابة على يد والدها الذي كان معلماً بمدرسة دمياط الابتدائية, وفي الخامسة من عمرها أودعها أبوها كتاب القرية لتحفظ القرآن الكريم فكانت تقضي ساعات الصباح في تلقي الدروس وحفظها وفي الأصيل تحضر مجلس والدها وشيوخ المعهد الديني.[c1]انتزاع موافقة الوالد على تعليمها[/c]وقد رفض والدها التحاقها بالمدرسة لأنه من بيت مشائخ وعلماء وبالتالي عليها التعلم في البيت فأثر ذلك على نفس عائشة التي كانت تواقة للعلم فكانت تقضي لياليها مسهدة بالهم والحسرة حتى بان الذهول عليها, الأمر الذي دفع بأمها للاستعانة بالجد (جد أمها) للتدخل وانتزاع موافقة الوالد على التحاق عائشة بمدرسة البنات وكان ذلك عام 1920م كما صادف دخولها المدرسة أول أيام الامتحانات التي أدتها وتفوقت فيها.بعد نجاح عائشة في المدرسة الابتدائية رغبت بمواصلة تعليمها مع صديقاتها في المدرسة الراقية ولكن والدها ظل عقبة في طريق إكمال دراستها إلا أن إصرار جدها وإقناع شيوخ المعهد جعلت الوالد يوافق على مضض في استكمال دراستها التي ما أن أتمتها بعد ثلاث سنوات حتى كانت عائشة قد بلغت الثالثة عشر من عمرها وهو السن الذي ينبغي فيها أن ترتدي الحجاب وتبقى بالبيت.[c1]إصرار على العلم[/c]لم يكن في دمياط حيث تعيش عائشة مجال لتعليم البنات بعد المدرسة الراقية ولكن الفتاة التي ذاقت حلاوة النجاح رفضت الاستسلام لذلك وتطلعت للدراسة في مدرسة المعلمات بالمنصورة التي أدت فيها امتحان القبول لتفاجأ بعدها أن والدها سحب أوراقها من المدرسة لمنعها من مواصلة دراستها وبعد وساطات عدة سمح لها بالسفر إلى المنصورة لاستكمال دراستها هناك إلا أنها وجدت أن المدرسة قد استنفدت كل العدد المقرر قبوله من الطالبات فقضت رحلة طويلة بين المدارس وأداء امتحانات القبول فيها إلى أن تم قبولها أخيراً في مدرسة طنطا وبعد أدائها لامتحان النقل للسنة الثالثة عادت للبيت لتواجه الحقيقة التي أخفتها عنها أمها عن موت جدها الذي طالما كان سنداً لها في مواصلة دراستها في مقابل ذلك كان والدها مصراً على حجزها في البيت ومنعها من مواصلة الدراسة الأمر الذي أدى إلى إصابتها بانهيار عصبي ومن بين اليأس الذي أحاط بها لاح أمامها منفذ للأمل فقامت باستعارة الكتب المدرسية المقررة عليها ودراستها بالبيت وأداء شهادة الكفاءة للمعلمات في طنطا بغياب والدها وحصولها على المركز الأول في الامتحان على مستوى القطر المصري عام 1929م.[c1]العمل والدراسة[/c]بعد تخرجها عملت في مدرسة للبنات في مدينة المنصورة وأقامت في القسم الداخلي فيها فكانت تقضي أوقاتها بالتدريس نهاراً والدراسة ليلاً وبالرغم من ذلك لم يسمح لها بأداء امتحان القسم الإضافي فانتقلت للعيش بالقاهرة لتعلم الإنجليزية والفرنسية إلى جانب اشتغالها بالتدريس إلى جانب ذلك عملت عائشة عبد الرحمن بالتصحيح اللغوي في مجلة النهضة النسائية كما كانت تكتب فيها أيضاً تحت اسم (بنت الشاطئ) ثم انتقلت للكتابة في صحيفة الأهرام واستمرت في ذات الوقت في متابعة تحصيلها العلمي حتى تقدمت لنيل شهادة الثالث الثانوي.[c1]دخولها الجامعة[/c]بعد سبع سنوات من المكابدة والعذاب التحقت بنت الشاطئ بجامعة عين شمس كلية الآداب قسم اللغة العربية لتتخرج منها عام 1939م وفي عام 1941م نالت درجة الماجستير بمرتبة الشرف عن رسالتها (الحياة الإنسانية عند أبي العلاء المعري) وخلال دراستها الجامعية تزوجت واحداً من رجال الثقافة والفكر أستاذها أمين الخولي ولم يعقها الزواج من حصولها على شهادة الدكتوراه عام 1950م والتي كانت تحقيق في (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري أيضاً وناقشها فيها د. طه حسين وقد اعتبر يوم المناقشة يوماً مشهوداً في الحياة الأدبية في المجتمع القاهري.[c1]أعمالها[/c]لم تكتف د. بنت الشاطئ بشهادة الدكتوراه التي حصلت عليها بل كان ذلك دافعاً لها لتتبوأ مناصب عدة, كما عملت كذلك في جامعات عدد من الدول العربية وهي المغرب, الجزائر, السودان, لبنان, الإمارات, السعودية كما كان لها الكثير من المؤلفات منها تلك المتعلقة بالدراسات القرآنية فقامت بالتفسير البياني للقرآن واستطاعت أن تزاوج بين العقل والنقل وفندت بعض آراء السلف وقبلت البعض الآخر فقدمت بذلك إضافتها الخاصة في تطوير بعض التفاسير كما قامت كذلك بالتحقيق في الكتب والمخطوطات والترجمة أهمها تراجم سيدات بيت النبوة إضافة إلى ذلك قامت بدراسة الغزو الفكري من خلال (الإسرائيليات في الغزو الفكري) ودراسات في نص رسالة الغفران للمعري والخنساء الشاعرة العربية الأولى كما كان لها أيضاً بحوث منشورة عن : المرأة المسلمة, رابعة العدوية, القرآن وقضية الحرية الشخصية الإسلامية, أما أعمالها الأدبية فهي كتاب (على الجسر) وهو سيرة ذاتية سجلت فيه سيرتها الذاتية متحدثة عن طفولتها ونشأتها وزواجها وكذا الريف المصري وسر الشاطئ ويرى الباحثون أن كتاباتها الأدبية تعكس فترة مهمة من مسيرة المرأة المصرية والعربية من عصر الحرملك إلى الجامعة كما تميزت لغتها الأدبية وأسلوبها الأدبي بالتأثر بلغة القرآن الكريم فقد كانت تعالج مأساة أبطالها وهن من النساء بطريقة فلسفية فنزعت إلى عذرهن وعدم إدانتهن والنظر إليهن كبشر خطائين ضعفاء النفس تدفعهن الأوضاع الاجتماعية إلى ظلم أنفسهن.[c1]وفاتها [/c]توفيت د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) في الأول من ديسمبر 1998م إثر إصابتها بأزمة قلبية أدت إلى حدوث جلطة في القلب والمخ وهبوط حاد بالدورة الدموية وقد خلفت وراءها ثروة هائلة من الكتب والمؤلفات الأدبية استطاعت من خلالها أن تثبت وجودها في مجتمع أغلب أفراده لا يعترفون بالمرأة كعنصر منتج.