في الأسبوع الماضي تحدثت عن بدعة تعبير ( المغفور له بإذن الله ) في بيانات النعي ورسائل التعازي وأن هذه البدعة لم تكن قبل عام 90م، حيث كان يطلق على من مات (بالمغفور له ) دون زيادة بإذن الله .. وذكرت الحديث الصحيح الذي نهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن دعاء الله مقروناً بتعبير ( إن شئت ) كما قال: لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت أو اللهم ارحمني إن شئت ولكن ليقل: اللهم اغفرلي اللهم ارحمني وليعزم المسألة. أ . هـ وذلك تصديقاً لقول الله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) وقلت هناك : إن الإذن في البدعة مثل المشيئة، فلا يجوز كذلك إن نقول : اللهم اغفرلي إن أذنت (!) أو ارحمني إذا أذنت (!) وبالتالي فإن عبارة ( المغفور له) لا تعني الجزم والحتم كما لا يخفى على من له إلمام بكلام العرب ! .. وفي هذا الأسبوع أزيد مالم نتمكن من ذكره في الأسبوع الماضي لنفاد الحيز والمساحة هناك فأقول: إن إذن الله تعالى لا يجوز شرعاً وعقلاً أن يتعلق بفعل من أفعاله .. إنما يتعلق الإذن الإلهي بأفعال الخلق كما قال الله: ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ..) من سورة الحج .. وقوله : ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه ) .. أي شفاعة الخلق لبعضهم .. ومثله قوله ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) من آية الكرسي بسورة البقرة .. وعليه ، فكيف يأذن الله لنفسه أن يغفر لعبده أو يرحمه سبحانك هذا منكر من القول وزور (!) ومن هنا نعلم بطلان القول : المغفور له بإذن الله .. إذ لا يأذن الله لنفسه أن يغفر لاحد ولا يجوز تعليق هذا الإذن على ذات الله تعالى وباقي صفاته فلا يجوز أن نقول كذلك : أذن الله لنفسه أن يسمع أو يرى أو غير ذلك مما هو واضح البطلان كوضوح الشمس في رابعة النهار. وعليه نأمل هجر هذه البدعة القبيحة لأنها بدعة في أسماء الله وصفاته وتعليق بعضها على بعض والغريب أنها تتم بإذن القوى السلفية التي تدعي التمسك بأسماء الله وصفاته على ماورد به النص من كتاب أو سنة (!) ثم هم هنا يرتكبون أكبر الخلل والعطب عندما يزعمون أن الله يغفر بإذنه أو يرحم بإذنه أو عندما يسكتون ولا يملؤون الدينا زعيقاً كما عودونا عن هذا الخلل المبين .. واعتقد جازماً ظني ومذهبي أنه أفضل و أولى وأحسن وأسلم أن نقول عمن مات : المغفور له أو المرحوم حملاً لهما على الدعاء والطلب كأننا نقول: المدعو له من قلوبنا بالغفران ! أو المدعو له من قلوبنا بالرحمة ! تماماً كما نقول عن عدونا بالمخذول ! أي المدعو له من قلوبنا بالخذلان .. ولذلك أطلق خلفاء العباسيين القابا على أنفسهم كالمنصور بالله، والمعتصم بالله، والمؤيد بالله، والمتوكل على الله ، والمقتدر بالله ، ولم يلحقوها بعبارة ( بإذن الله ) لأنهم قصدوا بها سبيل الدعاء لا سبيل الحتم والجزم كما ظنه متمسلفو العقد الأخير من القرن العشرين (!) وكان إطلاق العباسيين لهذه الألقاب في زمن فصحاء العرب وائمة لسانها ، من دون أن ينكر أحد من المؤرخين والعلماء والجامعين عليهم هذا الاطلاق المجرد من عبارة ( بإذن الله ) وذلك لأنهم حملوها على الدعاء وهو أمر مشروع في الإسلام وبالتالي نطقوها بصيغة الماضي لا للحتم والجزم ولكن للتزيين والتمكين في الكلام العربي !فرحم الله المرحوم من موتى المسلمين! وغفر للمغفور له من أموات المسلمين ! وأدبنا بأخلاق الحديث ! وجملنا بمحاسن التعبير!
أخبار متعلقة