أذكر أنني طلب مني الأستاذ (أحمد الحنكي) رحمه الله أن أنضم في أول عملي الصحفي إلى الشاعر العربي (سعدي يوسف)، وبدوره أيضـا طلب مني أستاذي الشاعر أن أنضم إلى عمال المطبعة في الصف اليدوي لأشهد ولادة الحرف عند صهر الكلمات في الفرن الخاص بالرصاص!؟ كي أحسن السبك بالموازنة بين التعرف على واقع الصحافة وأصول عملها.وإذا افترضنا أن المحرر يكتسب جزءا كبيرا من سلوكه يتعلمه من الآخرين.. وإذا افترضنا أيضـا أن المحرر يختار ما يود عمله بعقله، وطبقنا ذلك على العمل الصحفي لوجدنا أن الأمر يختلف، بالأمس لم يكن للمحرر أن يعمل في أية زاوية ما لم يتتلمذ على يدي كاتب كبير، كما لا يسمح له لا بتناول الموضوعات الاجتماعية التي تنحصر في نقل خبر زواج أو وفاة أو تلخيص حادثة معينة، أما التعليق الصحفي، والنقد الأدبي، والتحليل السياسي فلا يكتب بها الصحفي إلا بعد خبرة مكتسبة.ولكن ما تشهده ساحة الكتابة اليوم يختلف تمامـا، فكيف يحدث ذلك؟لاحظت أن المحرر المبتدئ لا يخضع لفترة تدريب تؤهله تأهيلا جيدا حتى يتمكن من صياغة أدواته الفنية، وعندما يتقن روح الإخراج بإمكانه أن يصحح بعض الموضوعات ليتأكد من سلامة لغته، ثم ينتقل إلى زاوية الأخبار الرياضية ليختبر أسلوبه في النشر ووصل الجمل بعضها ببعض، ثم ينتقل إلى زاوية التحقيقات حتى يصبح محررا صحفيـا.ومن بديهيات الأبجدية الصحفية مزاملة الأرشيف، فإذا لم تتوافر لدى المحرر تلك الخصوصية صار عمله تنقصه المعلومة؛ لأن الأرشيف عون للمحرر عند الاطلاع، وهناك فرق بين أن يطل على العمل الصحفي من خلف كوة وبين أن يكون جزءا من العمل الصحفي.رحم الله أستاذنا البارع (عبدالمجيد الحر) الذي قال : رحم الله الصحافة غاب عالمها عندما هوى فنها.
أخبار متعلقة