الاستفتاء على الدستور وضع المرتكزات الأساسية والضمانات الأكيدة لممارسة الديمقراطية
صنعاء/ عبدالواحد الضرابإن الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان في اليمن تعتبر قلب الأمة النابض وعصب حياتها وسر نهضتها وثقافتها الإنسانية وهي واحدة من الثوابت الوطنية التي التف حولها أبناء الوطن، لذا فهي أسمى من ان تكون مجرد شعارات أو أطر للمزايدات أو الامتداح الدولي وهي عمق للرسالة الانسانية المتأهلة في تاريخ وحضارة الشعب اليمني والتي حرصت قيادتنا السياسية على تعزيزها بالمزيد من الآليات والمقومات التنفيذية. ففي الايام القادمة تشهد العاصمة صنعاء مؤتمراًَ حول الديمقراطية وسبل التطوير والارتقاء بها إلى مستوى أفضل.[c1]لمحة تاريخية[/c]لقد ظهرت الديمقراطية في اليمن منذ غابر الازمان لتجد لها مناخاً مناسباً يعبر عن مستوى التفاعل الكبير والسريع والقابلية لدى أبناء الشعب اليمني الذي سبق غيره من البلدان والشعوب إلى القيم الشوروية كنهج اختطه شعب اليمن ماضياً وحاضراً منذ عهد سبأ وحمير ومعين، عندما تشكلت مجالس الثمانينات كأحد أشكال العمل البرلماني آنذاك، حيث كان يجتمع أهل الحل والعقد من القوم لمناقشة مصالح الأمة واقرار سياستها وخططها المناسبة، فكانت الحكمة اليمانية التي اختارت الديمقراطية والشورى صماماً لأمان واستقرار أرض اليمن، ولعل من أهم المتغيرات في حياة اليمنيين قيام الثورة اليمنية والتي كرست قيم العدالة والتسامح في المجتمع وجلبت لهم الحرية والمساواة والانعتاق من براثن القهر والظلم والحرمان لإقامة مجتمع ديمقـراطي تعاونـي يؤمن بالديمـقراطية وينتهـجها فكـراً وسلـوكاً لبـناء الـوطن الجـديـد.[c1]انطلاقة جديدة[/c]إن أول ممارسة حقيقية للديمقراطية مارسها الشعب اليمني مباشرة عقب قيام الوحدة اليمنية عندما توجه إلى صناديق الاقتراع في يوم 15 من مايو 91م للاستفتاء على الدستور حيث اعتبر هذا اليوم اختباراً حقيقياً في حياة الشعب وممارسته للعملية الديمقراطية، فقد مثلت إعادة تحقيق الوحدة اليمنية انطلاقة جديدة لعهد جديد يعتمد الديمقراطية والتعددية السياسية التي أصبحت واحدة من أبرز ملامح العهد الوحدوي الديمقراطي فكان أول انجاز للديمقراطية في اليمن بعد الوحدة الاستفتاء الشعبي على الدستور الذي وضع المرتكزات الأساسية والضمانات الأكيدة لممارسة الديمقراطية، كما تركز البناء المؤسسي للدولة الديمقراطية الحديثة على الفصل بين السلطات الدستورية ( القضائية والتشريعية والتنفيذية).[c1]إرادة سياسية[/c]إن الحراك السياسي والديمقراطي في أي بلد مرهون بإرادة سياسية وشعبية بدرجة رئيسية وهو الوضع الذي ماكان له ان يتحقق في اليمن دون وجود شخصية قيادية كالرئيس علي عبدالله صالح فالنهج الديمقراطي الذي تبناه فخامة الرئيس كخيار لا رجعة عنه يؤكد على ديمقراطية حقيقية في اليمن أكثر من نهج الرئيس في اعتماد الحوار أساساً لحل كافة الأزمات في البلاد، فإن الديمقراطية وسيلة حضارية تستمد قدرها ومنزلتها من قيم الحوار والتعاطي بين مختلف التيارات بتنوع مشاربها وتوجهاتها الفكرية وانتماءاتها الحزبية، وهي قيم إذا ما تم الإخلال بها أو إسقاطها من حسابات الأحزاب أو الأشخاص فإن هذا التصرف غيرمقبول وخارج عن قواعد الديمقراطية.[c1]مشروع ديمقراطي[/c]لقد أضحى طريق الحكم والوصول إلى السلطة في اليمن آمنا ويسيراً فلم تعد الانقلابات العسكرية والسياسية وسيلة للوصول إلى الحكم، لذا فقد عمل الأخ الرئيس علي عبدالله صالح ومنذ توليه قيادة البلاد قبل 27 عاماً من الـ 17 من يوليو 1978م على تكريس مفاهيم الشورى كمنهج في الحكم اختاره سبيلاً لنجاح المشروع الديمقراطي الوطني وذلك من خلال تفعيل دور مجلس الشعب التأسيسي حينذاك مروراً بتبنيه فكرة انجاز المشروع الاستراتيجي المتمثل بصياغة الميثاق الوطني الذي يعتبر مرجعية فكرية قام بإنجازه واعداده نخبة من المفكرين وعلماء الدين في البلاد وكان الميثاق الوطني النواة الأولى لإنشاء وتكريس مفاهيم الحكم الرشيد في اليمن والتوجه نحو خلق وإيجاد جيل مؤمن بمعاني وأهداف واستقلالية العمل المؤسسي وبهكذا يكون قد حقق نهضة اقتصادية وسياسية وثقافية وديمقراطية حقيقية، وقد كانت اليمن بهذا الفعل هي السباقة على مستوى دول المنطقة العربية.[c1]انتصار شعب[/c]وينشأ النظام الجديد مرتكزاً على الديمقراطية والتعددية السياسية بكل ما تعنيه الكلمة ويواجه النظام الجديد المولود في 22 مايو 1990م، بعد أقل من ثلاثة أشهر من إعلانه أزمة غيرت الموازين في المنطقة (أزمة الخليج الثانية) إلا ان النظام المدعم بالإرادة السياسية والشعبية استطاع ان يثبت وجوده رغم كل التحديات والتهديدات، وفي 27 ابريل 93م تمت الانتخابات البرلمانية الأولى والتي مثلت نصراً للشعب وللديمقراطية على حدٍ سواء إلا ان قرار الشعب لم يرض كثيراً من ارتضوا ان يقوم النظام السياسي الجديد على الديمقراطية والتعددية السياسية فافتلعوا الكثير من الأزمات التي قادت إلى حرب أهلية داخل البلاد، حيث كانت ردة الفعل للشعب عنيفة حيث هب الشعب من كل أرجاء اليمن للدفاع عن الوحدة و الديمقراطية اللتين ارتضاهما. إن النظام الذي خرج من الحرب لم يكن نفس النظام الذي ولد يوم 22 مايو 1990م فلقد أنهت تلك الحرب ذلك التهديد وتلك المساومات فكان إعلان نهاية الحرب قد أعلنت الميلاد الحقيقي للديمقراطية في بلادنا عن طريق اختيار قيادات من الشعب ينتخبها الشعب بكل حرية واختيار.[c1]أسلوب حضاري[/c]لقد كفلت النصوص الدستورية والقانونية في بلادنا كل ما من شأنه الرقي بمستوى الديمقراطية فقد كفلت حق المشاركة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية وغيرها، كما ضمنت حق المشاركة في الحكم والتعبير عن الرأي وحق التأطير الحزبي والنقابي، وقد أفرد الدستور اليمني مساحة واسعة للحريات السياسية باعتبارها المقدمة الطبيعية للتعددية السياسية وانتهاج الحوار كأسلوب حضاري للتفاهم بين مختلف القوى السياسية ونتيجة ذلك فقد زاد عدد الاحزاب السياسية عن أربعين حزباً كما زادت عدد المطبوعات الصحفية إلى ما يزيد عن تسعين صحيفة يومية وأسبوعية، بعد ذلك تناقصت عدد الأحزاب السياسية حتى وصلت إلى أقل من 24 حزباً بفعل عملية الفرز الديمقراطي ولأن الحزبية والتعددية السياسية في اليمن تمثل ركناً من أركان النظام السياسي الذي تشكل عقب إعلان الوحدة اليمنية فإن الخيار الديمقراطي والممارسة السياسية التي تتبناها الأحزاب للوصول إلى الحكم يعد حقاً دستورياً لا يجوز التعامل معه بخلاف ماهو متعارف عليه في الأنظمة السياسية.[c1]لا ديمقراطية بدون تنمية[/c]تجربة المجالس المحلية في اليمن تعد من أجرأ التجارب التي شهدتها المنطقة العربية، حيث كان الانتقال بالديمقراطية إلى مستوى المجالس المحلية سيمثل التأهيل الأمثل للمواطنين على تعود ممارسة السلوك الديمقراطي في انتخاب من يمثله في المجالس المحلية والمشاركة في تنمية مجتمعهم ومساهمتهم تحقيق المزيد من المنجزات، لقد انشئت المجالس المحلية للحد من المركزية والانتقال إلى اللا مركزية سواء في صنع القرار أو الإدارة أو استخدام المال العام، ولان التحول إلى المجالس المحلية قد ارتبط بقضية التنمية، فإن الديمقراطية لابد ان تكون ملازمة للعملية التنموية فلا قيمة لها ان ظلت عاجزة عن التفاعل مع الحاجة التنموية وان لم تحدث تغييراً في شتى نواحي الحياة سواء كانت الاجتماعية أو السياسية والاقتصادية، كما انه لابد لها من مناخ ديمقراطي تسير في ظله واثقة الخطى، فقد ساهمت تجربة المجالس المحلية في عدالة توزيع المشاريع الخدمية.ان العلاقة بين التنمية و الديمقراطية لم تعد تحقق كفايتها إذا ماظلت تراوح في مستواها الذي بدأت، حيث تبنت الحكومة منذ منتصف التسعينات برنامجاً واسعاً للاصلاحات المالية والإدارية والاقتصادية من أجل تسريع النهوض والبناء الوطني للدولة اليمنية الحديثة.[c1]الوجه الآخر للديمقراطية[/c]حقوق الإنسان هي الوجه الآخر للديمقراطية وبدون أحدهما لا يمكن للآخر البقاء شأنها ذلك شأن الحريات الأخرى كحرية الصحافة وحرية العمل الحزبي والنقابي وحرية التعبير والرأي، ان 02 من دول العالم الأكثر تطوراً تضمن جميع الحقوق لمواطنيها وتشركهم في آليات التنمية وصناعة القرار السياسي وعلى العكس من ذلك فإن البلدان التي تحرم مواطنيها من الحقوق السياسية فإنها تهدر اقتصادها الوطني في الإنفاق على الجوانب العسكرية والأمنية وتحرم مجتمعها من التنعم بالحقوق الفردية والجماعي، ولذا فإن من أهم المواضيع المطروحة على الساحة الدولية ومحل صراع بين الدول هي حقوق الإنسان فقد حاول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1948م تحديد المبادئ العامة التي وافقت عليها أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية كما حاول عدم التدخل في تلك المفاهيم المختلفة عليها، إلى ان جاءت الجهود والمواثيق على ميثاق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية وما يترتب عليها ففي 16 ديسمبر 1966م تم التوقيع والمصادقة على ميثاق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبعد عشر سنوات من المصادقة عليه تم تنفيذه في 1976م وقد لقي دعماً كبيراً من الدول الغربية التي تؤمن بالحرية الفردية قبل كل شيء.وفي الفترة نفسها صدر ما يسمى بميثاق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ودخل التنفيذ في 3 يناير 1976م ويهتم بالحقوق الجماعية وقد لقي دعماً من الدول الشرقية اكثر من الدول الغربية، ولهذا فقد مثلت الديمقراطية الرديف الأمثل لحقوق الإنسان في بلادنا فقد أخذت حقوق الإنسان في التطور وأصبحت عمقاً للرسالة الإنسانية المتأصلة في ثقافة وحضارة تاريخ الشعب اليمني والتي حرصت القيادة السياسية في اليمن على إعمالها وتعزيزها بالمزيد من المقومات يأتي هدف هذا التوجه من خلال تشكيل لجنتي الحقوق والحريات والمجتمع المدني بأهم مؤسستين دستوريتين في اليمن وهما مجلسا النواب والشورى واللذان يلعبان دوراً كبيراً في حماية وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته.في عام 2000م شهدت بلادنا ولأول مرة في تاريخ الحكومات اليمنية المتعاقبة تعيين وزير لحقوق الإنسان وكانت امرأة وتخصيص حقيبة وزارية معنية بهذا الأمر، كما تشكلت عدد من المنظمات واللجان المتخصصة في هذا المجال كاللجنة الوطنية لعليا لحقوق الإنسان في 1998م واللجنة الوطنية للمرأة عام 1996م وغيرها من اللجان والمؤسسات فضلاً عن تنامي المنظمات الأهلية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان والتي وصلت إلى 36 منظمة أهلية غير حكومية مهتمة بحقوق الإنسان.[c1]مشاركة فاعلة[/c]لقد تم إشراك المرأة في العملية الديمقراطية حيث استطاعت المرأة وبعد صدور قانون الانتخابات ان تشارك في انتخابات مجلس الشورى عام 1989م وكذا مشاركتها في انتخابات 93م وانتخابات 97م وانتخابات 2003م مرشحة وناخبة، ولقد تقلدت المرأة كثير من المناصب الهامة في بلادنا فقد أصبحت وزيرة وسفيرة وأصبحت نائباً في البرلمان فهي شريكة في كل المجالات السياسية والاجتماعية وغيرها من المجالات كون المرأة شقيقة الرجل وتمثل نصف المجتمع حيث زاد اشراكها في العملية الديمقراطية من وتيرة النمو الخاص بعملية التنمية حيث ساهمت مع أخيها الرجل في صنع القرار، ولذا ان دور المرأة في العملية الديمقراطية ينبغي ان يكون مجسداً للروح الحضارية اليمنية ومجدداً يملك التوازن الإنساني والحيوي في العلاقات المتبادلة بين الرجل والمرأة، لذا فإنه يجب دعم المرأة اليمنية وحقها في ممارسة حقوقها الدستورية، وعلى جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية ان تجعل من مشاركة المرأة في الحياة السياسية هدفاً اساسياً وحضارياً. وبهذا تكون المرأة قد منحت الكثير من الحقوق بموجب الدستور والقانون.[c1]حدث ديمقراطي [/c]وفي بلادنا وهي مقبلة على أهم حدث ديمقراطي في الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية يتمثل في الانتخابات الرئاسية والمحلية لابد من تكاتف الجهود بين مختلف القوى والتنظيمات السياسية لنجاح هذه الانتخابات.وحرصاً من القيادة السياسية على استمرار الديمقراطية واستشعاراً من الأحزاب والتنظيمات السياسية بالمسئولية الملقاة على عاتقها فقد استجابت للنداء الذي وجهته القيادة السياسية للحوار وكان من ثمرته التوقيع على الاتفاق الذي بموجبه سيمكن جميع الأحزاب من ممارسة حقها الديمقراطي في المشاركة الجادة والفاعلة في الانتخابات القادمة وختاماً فإن النجاح الذي تحقق بالاتفاق على إدارة الاستحقاقات الديمقراطية في اليمن تمثل فعلاً حضارياًَ متقدماً وعملاً ديمقراطياً لكل ما من شأنه ترسيخ القيم والمفاهيم الديمقراطية لتعزيز مسارها .