المرأة في عيون دعاة التطرف
القاهرة/ طارق مصطفى: لا يختلف اثنان حول حقيقة خصوصية وتفرد المرأة العربية على جميع المستويات، ففى الوقت الذى كانت ترزح فيه المرأة فى العالم لكن تحت قيود الرق والعبودية والاستغلال، كانت المرأة العربية تقود المجتمع بل تقلدت أعلى درجاته حتى أنها وصلت إلى سدة الحكم فيه فى عصور قديمة، ولم تكن الحركات النسائية فى العالم لتطالب بأكثر من حق المرأة في التعليم. بينما كانت الفتاة العربية تقوم بتدريس علوم الذرة، إلا أن خفافيش التطرف أثبت لها ذلك فانطلقت تبث سمومها وفتاواها المغرضة التى تحرم عمل المرأة وتجرم تعليمها وتصفها بالشيطان وتختزلها فى مجرد غدة تناسل واستخدموا فى ذلك كل الوسائل الممكنة من كتيبات وملصقات انتشرت كالورم السرطانى فى تجمعات المواصلات وساحات المساجد، وحتى القنوات الفضائية التى تمولها مصادر مجهولة بل ومشبوهة لاهم لها إلا الترويج لأحاديث نبوية ضعيفة أو موضوعة يجيد دعاة النفط انتقاءها أصبحت بمثابة لغة إعلامية جديدة موجهة للمجتمع لكن المرأة قبل الرجل تهدف لخلق جيل داجن يزدرى المرأة ويرفضها ويطالب بحبسها فى المنزل وموتها منقبة، كتكفير عن ذنب انتمائها لجنس النساء .د. آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية بدأت حديثها بأن مثل هذه السموم خربت عقول بناتنا وترى أننا نعيش فى هذه الفترة حالة من اختلاط الأوراق فى شتى مناحى الحياة خاصة بالنسبة للقضايا التى تتعلق بالمرأة من المنظور الإسلامى، وفى هذه المسألة بالذات، هناك العديد من الأقلام التى تتفنن فى لى أعناق هذه النصوص من خلال توظيفها طبقا للاعراف والتقاليد التى نراها تروج للفكر الوهابى .ووفقا لما أكدته د.آمنة، فإن هذه الأفكار المتعصبة بدأت تزحف منذ ربع قرن على العقل العربي سواء من خلال المواطنين الذين تأثروا بهذه الأفكار ، أو من خلال أصحاب هذه المؤلفات أنفسهم وهى كتب لا تساوى تكاليف طباعتها لأنها جارت على كل اعتدال واتزان ووسطية اختص بها الله هذه الأمة، عندما جعل منهجها التوازن والوسطية. د. آمنة أكدت ايضا ً أن خطورة المسألة تكمن فى أن المواطنين الذين تأثروا بهذه الأفكار المتشددة غالبا ما يكون بداخلهم فراغ كبير تحول إلى الامتلاء بكل ما هو غث ومن هنا يجىء خلط الأوراق خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة، حيث بدأ الناس يتعاملون مع النصوص الشهيرة التى لها مناسباتها وخصوصيتها، ويحولونها إلى أحكام عامة، بل وجعلوا منها أحكاما تشريعية لا فرق فيها بين حقوق المرأة وواجباتها .استشهدت كذلك د.آمنة بعدد من هذه الأحاديث أشهرها " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبانا عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح "، وتساءلت من الذى قال أن الرجل لن تلعنه الملائكة إذا لم يشبع رغبة زوجته!!!؟؟اما بخصوص الحديث الذى شاع استخدامه فى الفترة الأخيرة وهو " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" فقد أكدت د. آمنة فيما يتعلق بهذا الحديث أن الرسول أراد أن يقول أنه لن تفلح دولة تنبأ القرآن بزوالها، وتوفرت لها كل مقومات الزوال، وأوضحت أن القرآن قد تنبأ بالفعل بزوال دول بعينها، اجتمعت فيها كل أسباب التداعى والانهيار وعلى هذا فإن نقل الحكم أو السلطة إلى ابنة الحاكم أو إلى أية امرأة لن يعيد لهذه الدولة المنهارة أمجادها فالحديث هنا والكلام مازال لـ"د.آمنة" يختص بالدرجة الأولى بعدم تعارض أقوال الرسول "صلى الله عليه وسلم" أو تناقضها مع ما ذكر نصا فى القرآن الكريم. ومن ناحية أخرى ترى د.آمنة أن قاعدة سد الذرائع التى من المفترض أن تكون قاعدة فقهية عظيمة قد أسىء استخدامها وذلك لحرمان المرأة من أوجه عديدة من نشاطها العلمى والاجتماعى والاقتصادى، بما يبرر عودة المرأة إلى هذا النوع من العبودية للرجل حيث يحرص هؤلاء الفقهاء على الاستشهاد بالحديث الذى جاء فيه "لو أمرت إنسانا أن يسجد لإنسان لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها رغم أن " لو " وفقا لد.آمنة تفيد الامتناع كما أن هذا يخالف النص القرآنى والنص النبوى "ولهن مثل ما عليهن" !!ولا ريب في ان الواقع العملى في ظل سيطرة هؤلاء الفقهاء المتطرفين ــ يتعارض تماما مع معنى المساواة العادلة التى وضعها الإسلام بين البشر عموما وبين الرجل والمرأة. وقد عبرت د. آمنة أيضا عن أسفها لما تبثه الآن بعض الفضائيات، حيث يذهب كثير من دعاة الشاشات ضد ما جاء فى النصوص الصحيحة وبذلك ترسخ هذه الفضائيات تلك المفاهيم المتطرفة والأعراف القديمة الموروثة منذ أيام الجاهلية، قبل ظهور الإسلام لا سيما فيما يتعلق بعلاقة المرأة بالرجل وكلها مفاهيم لا تستقيم مع مستجدات العصر.وهنا تتساءل د.آمنة وفى هذه الحالة ماذا سيفعل الناس هل يأثمون عندما يخالفون ما جاء فى هذه الأوراق الفقهية المغلوطة؟ أم يسيرون مع ما جاء فيها؟ وفى نهاية حديثها تذكر د. آمنة واقعة رواها الشيخ "محمد الغزالى" ساخرا منها عندما سمع شيخا يقول ذات مرة "رحم الله زمانا كانت المرأة لا تخرج إلى الدنيا إلا 3 مرات، مرة من بطن أمها، ومرة من بيت أبيها لبيت زوجها، ومرة من بيت زوجها، لقبرها". د. فؤاد شاكر أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة عين شمس - يتفق مع د. آمنة فى أن كثيرا من الأحاديث تذكر فى غير مواضعها، وهنا تتجلى مشكلة الأخذ بظاهر النص، دون فهم المراد الحقيقى للحديث. كما يرى د.فؤاد أن كثيرا من الناس يتحاملون بغير حق على المرأة، ويستشهدون - بما وصفه- بنصوص صحيحة فى غير محلها والسبب فى ذلك ــ من وجهة نظره ــ تخلى العلماء الربانيين عن رسالتهم، وموت رسالة الأزهر، حيث لم يعد يشرف إشرافا "علميا" على الفكر الدينى ونتاج الفكر الدينى، ولهذا ظهر غير المتخصصين الذين شربوا الفكر الإسلامى المتشدد الوافد، وسخروا الدين لمنهجهم المغالى المتطرف ولووا أعناق النصوص الشرعية ووضعوها فى غير مواضعها، وربما من أجل تحقيق غايتهم أو الوصول لمرادهم يستشهدون بأحاديث موضوعة. لم تثبت صحتها. هؤلاء لم يكن لهم أن يظهروا - وفقا لما ذكره د. فؤاد شاكر- لولا تخلى الأزهر عن رسالته- وتفرغ بعض أساتذة الجامعة للتصارع مع بعضهم البعض من أجل الوصول للمناصب، وبالتالى أصبحت القضايا التى تشغلهم هى ختان الإناث والحجاب، وكأن الحجاب أصبح هو موضوع الساعة، فى الوقت الذى تهدم فيه بيوت المسلمين وتستباح نساؤهم، ويذبح أطفالهم، وكأنه لم يعد أمام هؤلاء العلماء وأمام غيرهم من الدعاة الذين تتلمذواعلى أيديهم سوى أن يشغلوا الفكر بقضايا فرعية.وبالرغم مما قاله د. شاكر، إلا أنه كانت له بعض الآراء المغايرة بخصوص بعض هذه الأحاديث التى تتحدث عن المرأة ومنها أن "المرأة عورة"، وحديث ضعيف آخر يؤكد أن "المرأة إذا خرجت من بيتها يستشرفها الشيطان"، وثالث يقول "إن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما فى نفسه"، وغيرها فيما كانت التفسيرات التى قدمها د.فؤاد لا تخرج عن أن هذه الأحاديث تشبه كثيرا آراء لبعض الفقهاء ، الأمر الذي يزيد من ضعفها والشك في صحتها كثيرا .ويضيف د. فؤاد أن المرأة فى الإسلام هى العالمة والمعلمة ، وهى التى تتم مشاورتها، مثلما فعل الرسول "صلى الله عليه وسلم" مع أم سلمة، وبالتالى لا ينبغى أن نوجه لها مثل هذه النصوص ، التى يروجها الوهابيون، وكذلك فهو يرفض استغلال الآية " وقرن فى بيوتكن " كمبرر يبيح للتيار المتطرف حبس المرأة داخل منزل زوجها ، على اعتبار أن خروجها فى حد ذاته حتى ولو للعمل مفسرة، حيث يرى د. فؤاد أنه منطق لا يقره شرع أو دين، وإنما كل المقصود من هذه الآية هو ألا تهمل المرأة فى بيتها من أجل عملها. ويؤكد د. شاكر أن القرآن احترم المرأة، وأشار إلى جواز حكم المرأة للرجال، من خلال حديثه عن بلقيس ملكة سبأ. وشدد "د. شاكر" على ضرورة رفض منهج أصحاب الفكر المتطرف الذين لم يفهموا حقيقة النساء، فالنساء شقائق الرجال. والإسلام أعطى للمرأة حقوقها، كاملة، ولكنه تساءل عن ظهور مثل هذه السموم الآن ؟ والإجابة كما جاءت على لسانه: أن القائم على أمر الإسلام من المؤسسات الدينية عاجز عن مواكبة لغة العصر، وبالتالى يتم سحب الثقة من العلماء الحقيقيين، لكى يشكل فى النهاية فكر جيل مسطحا بعيدا كل البعد عن تعاليم الإسلام الحقيقى، وليصبح أرضا خصبة.د. سعاد صالح، عميد كلية الدراسات الإسلامية بنات في جامعة الأزهر سألت عن دور إدارة المصنفات الدينية قائلة "سايبة السموم والقنابل دى تنتشر بالشكل الخطير ده إزاى"، د. سعاد أكدت أن المقصود بحديث اللعن للامتناع عن العلاقة الزوجية ــ بعيدا عن التحريف ــ هو ألا يترتب على استجابتها لرغبات زوجها ضرر. فقد تكون المرأة ممتنعة لأسباب نفسية وصحية خاصة بها، أو قد تكون ممتنعة بغير أسباب، ولكن تظل هذه المسألة فى النهاية رغبة مشتركة وغريزة إنسانية. وبالتالى، لا يمكن التعامل معها من هذا المنطلق!!!د. سعاد شنت هجوما عنيفا على قناة "الناس" الدينية التى تروج لأفكار وفتاوى متطرفة منها فتوى بأن تكون المرأة منتقبة فى كفها لأن وجهها عورة. وأشارت إلى أن الدعاة على هذه القناة دائما ما يرون أن المرأة فتنة وأنها إذا تعطرت فهى زانية وأنها يجب ألا ترتدى ملابس الكفار أو الحلي .. وفى رأيها فقد استطاع هذا التيار المتطرف فرض نفسه بقوة على الساحة فى ظل ما اعتبره تخوف الأمن، وحرصه على إثبات أن هناك حرية وإصلاحا. وأكدت د. سعاد على أن خفافيش الظلام تصر على لي أعناق الأحاديث الصحيحة، ولا تتورع عن الاعتماد على أحاديث ضعيفة. وقد لفتت د. سعاد الانتباه إلى حقيقة مهمة وهى أنه لا يمكن الوثوق فى خبر الآحاد بشكل مطلق، و"خبر الآحاد" مقصود به تواتر الرواة أى أن ينقل أحد الرواة عن شخص آخر وهكذا لأن الفقهاء وضعوا لهذه المسألة شروطا، إلى جانب أن خبر الآحاد - حتى مع صحته- لايثبت حراما، وإنما مكروها لأن الحرام لا يكون إلا بدليل قطعى. وفى هذا السياق تقول د. سعاد أن هناك حديثا كان قد رواه أبو هريرة: "تبطل الصلاة بمرور المرأة والحمار"، وقامت السيدة عائشة - حينها - بالاعتراض على أبى هريرة قائلة: شبهتمونا بالحمار والله كنت أنام وإحدى قدمى أمام الرسول.. الخ " .كما أكدت د. سعاد أن بعض الأحاديث مثل الحديث الخاص بسجود المرأة لزوجها تكون أحاديث ضعيفة ويتم اللجوء إليها فقط من أجل إهانة المرأة. وعن أهم ملامح الخطاب الدينى الخاص بالمرأة الآن، أكدت د. سعاد صالح أن كل الكتيبات أو الفتاوى التى يرددها الدعاة، وحتى الخطب فى الزوايا تلعن المرأة، وتحرم كل ما له علاقة بها، وتعمل على ترسيخ فكرة أن المرأة ملعونة، وأن مصيرها جهنم، وأنها "مركوب" عند الزوج. د. سعاد رأت أيضا أن المؤسسات الحكومية المعنية بالشؤون الدينية تعد مسؤولة عما يحدث بسبب تخليها عن الإشراف على تلك المؤلفات التى يجرى توزيعها على الأرصفة وفى وسائل المواصلات، الأمر الذى يحتاج لتفتيش مستمر.واستشهدت د.سعاد فى هذا الصدد بواقعة قامت فيها إحدى السيدات المنتقبات بحث الأخريات على تحطيم التليفزيون، ومنعه من البيوت لأنه حرام، كما حثتهم على عدم الذهاب للكوافيرة لأنها عاهرة وزانية، علما بأن هذه المنتقبة دكتورة صيدلانية كما تروى د. سعاد.وفى نهاية حديثها، أكدت د.سعاد أن المنظومة الدينية الخاصة بالمرأة الآن بعيدة تماما عن السنة النبوية، ولم يعد فيها مراعاة لأى قيم فضلا عن أسلوب الترويع، وتصوير المرأة على أنها شيء خلق للتمتع به فقط، وأنها هي التي أغوت آدم بالخطيئة. الكاتبة والصحفية المصرية الفت مصطفى تؤكد أنها لا تقرأ مثل هذه الكتب التى تباع على الأرصفة ولا تسمع مثل هذه الشرائط مجهولة المصدر فهي لا تثق فى مثل هذه الخرافات ومقتنعة تماما بأن هناك أحاديث مشكوكا فيها يستخدمها بعض الفقهاء بطريقة ملتوية للتعبير عن وجهة نظرهم الرجعية كما تقول، مشيرة الى أن الصورة التى ترسخها مثل هذه الأحاديث والفتاوى تتلخص في ان المرأة ناقصة عقل ودين، ومخلوق من الدرجة الثانية، كما أن مثل هذه الأقاويل تحاول العودة بالمرأة إلى عصور الحريم.