قرأت فتوى غاضبة من أحد المجتهدين دينيا، والغاضبون منهم كثر هذه الأيام، يعلن بان كذبة ابريل حرام في الإسلام، مع أنها مجرد مزحة بريئة بين الأصدقاء. وفي نفس الصحيفة طالعت فتوى يقول صاحبها انه يجوز للرجل ان يتزوج بنية الطلاق، أي يجوز له ان يكذب على امرأته حتى يقضي وطره. وشتان بين تحريم المزاح وتحليل الاستغلال. الوسط الديني، الذي تزايد المشتغلون فيه، بات عاجزا عن توحيد مراجعه وصار كل يجد مخارج «شرعية» للتشدد او التساهل، في ما كرهه او تمناه. والبعض لجأ الى التغليف تحت مسميات مختلفة كالمرابحة بدل الفائدة، والمسيار بدل المتعة، والأصوات الغنائية بدل الموسيقى، وغيرها من المناطيد التي تسهل عملية القفز. وصارت الساحة تعج بالفوضى سواء في الطرح أو الممارسات، بعضها يحرم الاحتفال بالورد الأحمر من جانب ويجيز أطفال الأنابيب من جانب آخر. وبعضها يربك النظام الاجتماعي السائد فيسمح بحبوب الفياغرا ويمنع عوازل الجماع في آن واحد. ولا أحد يستطيع ان يلوم المجتهدين على التضارب والاختلافات التي أشغلت الناس وحيرتهم. فقد أوقعت المستجدات التقنية والعلمية المفسرين في إشكالات لم تكن على ذي بال عالم دين من قبل، وكذلك خلطت التغييرات الاجتماعية المفاهيم خاصة بفعل حركة النزوح الجماعي الضخم بين المدن والأرياف والدول والقارات، والتداخل المعلوماتي. والدين أن يكون أكثر قدرة على استشراف المستقبل، وأكثر فهما للعلوم الحديثة، واقدر على حساب نتائجها، على اعتبار أن فتوى واحدة قد تدفع إلى كارثة أو تحول دون أخرى. وهناك تجربة تستحق التذكير مرة ثانية وهي الكيفية التي تعاملت بها إيران مع قضية تحديد النسل. ففي السابق كان من بين طروحات المعارضة الدينية ضد نظام الشاه قوانين تنظيم الأسرة لأنه سعى للحد من التوالد. اعتبروه كفرا وهاجموه. وبعد الثورة الإيرانية درس علماء الدين الإيرانيون الأسباب وخلصوا إلى نفس النتيجة، إن إيران على شفا انفجار سكاني ولا بد من الحد منه وإلا فان للتكاثر تبعات اقتصادية ومعيشية وأمنية خطيرة. لم يكتف النظام الجديد بالسماح ببيع موانع الحمل بل نظم دورات في المساجد لتوعية المواطنين إلى أهمية تحديد النسل، وصارت إيران من انجح الدول الإسلامية في هذا الشأن بخلاف مصر التي تراجعت الحكومة عن برنامجها بسبب الهجمة التي واجهتها من قبل الجماعات الدينية المتطرفة التي أعلنت انه حرام. لم يعرف العلماء في الماضي مشكلة اسمها الأزمة السكانية، فقد كانت الأوبئة، والمجاعات، ونقص الموارد كفيلة بالحد من نمو السكان بصورة طبيعية. لهذا نفهم أن التشدد ضد كل جديد أمر طبيعي، فالناس أعداء لما جهلوا. إنما إن كان هناك ما يستحق قوله في هذا المجال فهو دعوة المنشغلين بالاجتهاد الديني أن يوسعوا مداركهم العلمية العامة وان يسعوا لفهم القضايا بتفاصيلها وكل أبعادها. * نقلا عن / صحيفة (الشرق الأوسط )اللندنية
رجال الدين وضرورات الثقافة
أخبار متعلقة