لندن/وكالات: تبدو القفزة بعيدة بين مكتب مؤسسة جولدمان ساكس الضخمة التي تطل على كاتدرائية سانت بول بوسط لندن، وبين المناطق العشوائية المتداعية على الطريق لمطار بومباي الدولي بالهند حيث يعيش الفقراء. ولكن هذه مجرد رحلة واحدة اجتزتها خلال الأشهر القليلة الماضية حيث جبت العالم ذهابا وإيابا بحثا عن الـ"بريكس". والبريكس هو اختصار لرباعي اقتصادي واعد جديد، بدأ يتردد صداه في الأروقة العالمية بعد أن طرحه خبراء الاستثمار في جولدمان ساكس قبل عام أو عامين، ويشير إلى البرازيل وروسيا والهند والصين. وتأتي التسمية تحديدا من فريق يقوده رجل عرفته طيلة ربع قرن تقريبا، ويدعى جيم أونيل، ويتولى حاليا رئاسة وحدة الاقتصاديات الدولية بجولدمان ساكس. ويتابع أونيل والخبراء العاملون معه وتيرة النمو في بعض أضخم البلدان النامية، وقد خلصوا إلى أنه بحلول عام 2050 (و الأرجح قبل ذلك بكثير) ستعتلى البرازيل وروسيا والهند والصين طليعة الاقتصاد العالمي. ويمثل ذلك فرصا واعدة للمستثمرين الدوليين الذين يبحثون عن أماكن جديدة لأموالهم في أسواق نامية. فبافتراض استمرار معدلات النمو الراهنة، سيتجاوز الاقتصاد الصيني في حجمه الاقتصاد الأمريكي، الأضخم في العالم، بحلول عام 2041، وسيستمر الاقتصاد الصيني في التنامي العقد تلو الآخر لأنه سيكون رغم تناميه الإجمالي أصغر بكثير من حيث إجمالي الناتج المحلي قياسا على الفرد من السكان. ثم هناك الهند، ومتوسطها السكاني أصغر عمرا من المتوسط الصين ذات سياسة الطفل الواحد، وربما تتجاوز الهند الصين من حيث السكان ومن حيث النمو الاقتصادي أيضا. بالطبع مشاكل البرازيل وروسيا أضخم من حيث آفاق النمو الاقتصادي، غير أن هذين البلدين يملكان إمدادات ضخمة من المواد الخام ومن خام الحديد وحبوب الصويا، والطاقة، مما تحتاجه الصين والهند بشكل ضخم لمواصلة عجلتها الاقتصادية المتنامية. إن العالم الاقتصادي للبريكس يختلف عن صورته لدى الاقتصاديين الغربيين، من زعامات اقتصادية مختلفة، لماركات اقتصادية جديدة بمحال الشراء والتسوق، إلى ربما أخلاق اقتصادية مختلفة في المؤسسات الكبرى. وربما يأتي اليوم الذي تصافح فيه يد آدم سميث، أبي علم الاقتصاد الرأسمالي، يد كونفوشيوس أو تعانق المفاهيم الطاوية أو البوذية. وسوف تتعرض المؤسسات الدولية، من قبيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والأمم المتحدة، لضغوط متزايدة، لكي تعطي تمثيلا أفضل لسكان البلدان الأربعة مجمعة، والذين يقارب تعدادهم نحو نصف سكان العالم. ومع ذلك لا يمكن معرفة كيف سيكون المستقبل تحديدا، فربما بدلا من تحول تلك البلدان إلى قوى مهيمنة، ستصبح الصين والهند والبرازيل وروسيا مثل اليابان اليوم: اقتصادات ضخمة غير مقترنة بمد جيو سياسي عالمي. لقد بدأنا بالفعل نرى بوادر استعراض بلدان البريكس لعضلاتها - ويبدو ذلك في ارتفاع أسعار الصلب بشكل متسارع، فضلا عن أسعار الفحم والمواد الخام الأخرى مع تزايد الطلب عليها من تلك البلدان المتنامية. قد تكون الهند قوة عظمى عالمية في المستقبل فتأثير الصين بدا محسوسا على الخريطة الدولية بأسرها، إذ تخطب بكين ود روسيا من أجل ضمان إمدادات النفط، وتتفاوض على تمويل خط سكك حديد جديد في البرازيل لتسهيل نقل السلع الزراعية لموانئ التصدير، كما تقيم مصنعا للأبواب في غانا لإضافة قيمة محلية للأخشاب التي تحتاجها لتشييد المدن الصينية اتي تتسع رقعتها باستمرار. ومع ذلك فإن الطلب على المواد الخام (وضخامة الصادرات الصينية في العالم) ليس إلا الخطوة الأولى. فقد شهد العام الحالي خطوات بارزة على صعيد العولمة، كما شهد نزاعات اقتصادية صعبة، فقد اندلعت ما اصطلح على تسميتها "حرب الصدريات"، إشارة إلى الملابس الصينية في أوروبا التي تكدست في الموانئ والحدود بعد فرض حصص أقل عليها في أوروبا حماية للإنتاج المحلي. وفي أمريكا دقت أجراس الخطر مع سعي الصين لشراء لشراء شركة نفط أمريكية وماركة مايتاج للغسالات. ومن ناحية أخرى تقول شركة بوينج الأمريكية العملاقة إن الصين ستحتاج لأكثر من 2600 طائرة ركاب جديدة بقيمة 213 مليار دولار خلال العشرين عاما المقبلة، بما يضاعف الأسطول الصيني أربعة أضعاف وتصبح الصين ثاني أكبر سوق للطيران في العالم. يتوقع أن تصبح الصين ثاني أكبر سوق طيران في العالم خلال 20 عاماوقد كانت المعارك الاقتصادية حامية، والضربات المتبادلة بداية تحول للقوى الاقتصادية سيشهده القرن الحادي والعشرين. وسيضاف إلى فتوحات البريكس شراء شركة لينوفو الصينية لقسم الحواسب الشخصية لآي بي إم. ورغم الجلبة السياسية بشأن تلك الخطوات الأولية، فعموما يسود هدوء غريب رد الفعل الأمريكي. ربما يرى الأمريكيون أنه من قبيل عدم الوطنية مجرد تخيل أن يزاح العملاق الاقتصادي الأمريكي من مكانه. وربما لا يصدق الأمريكيون أن هذا يمكن أن يحدث.
تحولات على الخريطة الاقتصادية العالمية
أخبار متعلقة