أينما تمد ناظريك في أرجاء عالمنا الإسلامي تجد ما يندى له الجبين من أشكال التفجير والتدمير والقتل والتهديد وكلها ترتكب للأسف باسم الإسلام. والأعجب أن غالبية هذه الممارسات تقع في بلدان ومجتمعات مسلمة أصلا ويذهب ضحيتها النساء والأطفال والشباب والشيوخ والممتلكات وكأن أمتنا ينقصها المزيد من الويلات والفواجع والكوارث. ولا يملك الإنسان المسلم وهو يرى هذه الأهوال التي يقوم بها أناس ينتمون إلى الإسلام ضد مجتمعاتهم وأوطانهم إلا الشعور بالأسى والحرقة والألم والخوف على مستقبل الأمة.ظاهرة العنف التي بدأت تستشري في مجتمعاتنا وأوطاننا المسلمة هي نتيجة منطقية لمجموعة من العوامل الدينية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية والإعلامية. وأي محاولة لفهم ظاهرة العنف في عالمنا الإسلامي لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار هذه العوامل وربطها معا. فالخطاب الديني المتشدد أخذ على عاتقه إنتقاء ما يؤيد وجهة نظره من بين ثنايا مصادر التشريع وأغفل جوانب التسامح والرحمة وأسقط على الواقع اليوم ما كان قد نزل في زمن النبوة لموقف معين ولظروف معينة من الآيات والأحاديث دون مراعاة لتبدل الأحوال والظروف. وقد انبرى لهذه المهمة من ليسوا أهلا للفتوى ولا يملكون العلم الشرعي الكافي لاستنباط الأحكام والفتاوى وغرّروا بها عقول وقلوب شباب متحمس تنقصه الحكمة والخبرة والدراية ليجعلوا منهم حطبا ووقودا لعمليات إرهابية مؤذية بحق مجتمعاتهم وأوطانهم بحجة إقامة دولة الخلافة وتطهير الأرض من الآثام والمعاصي.أما التعليم فهو الميدان الآخر الذي قد يساهم في تمرير الأفكار المتشددة سواء من خلال محتوى المناهج أو من خلال المنهج الخفي الذي يلجأ إليه بعض المعلمين من أصحاب الفكر المتشدد لبث أفكارهم بين أوساط الطلاب بعيدا عن أعين الرقيب. كما أن الأجواء التعليمية التي يغيب فيها الحوار والنقد وإعمال العقل وتقوم على التسلط والتلقين تهيئ الأرضية المناسبة لخلق عناصر جاهزة لاستقبال الأفكار المتشددة دون تمحيص والإستجابة لمضامين هذه الأفكار في صورة أعمال إرهابية مدمرة، وخاصة بين فئة الشباب.وقد تلعب الظروف الاقتصادية من فقر وبطالة عوامل مساعدة في استقطاب الشباب الفقير والعاطل من خلال تقديم امتيازات مالية تبذلها قيادات الفكر المتشدد لهؤلاء. فقيادات الفكر الإرهابي تجد من يمول مخططاتها من أولئك الأثرياء الذين يؤمنون بأفكارها أو من خلال استغلال النشاطات الخيرية وجمع التبرعات أو حتى من خلال عمليات غسيل الأموال.ومن الناحية النفسية تدرك قيادات الإرهاب حاجة الشباب تحديدا إلى التقدير والاحترام وإلى من يمنحهم الألقاب المثيرة التي تدغدغ مشاعرهم فتعمد إلى إشباع حاجة الشباب بمثل هذه المزايا بمنحهم التقدير والألقاب وهي مزايا محفزة للشاب وتحقق ذاته وتمنحه المكانة الاجتماعية المرغوبة. كما أن هذه القيادات تلجأ إلى استغلال الشباب ممن يعانون من أمراض نفسية أصلا واستقطابهم ونشر أفكارها بينهم وتوظيفهم في تنفيذ مخططاتها الإرهابية. وتتضافر العوامل الاجتماعية مع غيرها من العوامل في صناعة الشخصية الإرهابية من خلال التربية الأسرية القمعية أو البيئة الأسرية المهملة وغير المبالية بحاجات الشاب ومن أهمها الحب والإحتواء والتقدير والاحترام والمشاركة في القرارات والمسؤوليات الأسرية، ناهيكم عن التفكك الأسري والعنف ضد أفرادها. كذلك يدفع الإحساس بعدم الأهمية في المجتمع الشاب إلى اختيار الجماعات التي تشعره بهذه الأهمية وتمنحه المكانة الاجتماعية المميزة والثقة المطلوبة والمسؤولية المنشودة، وهذا ما تقوم به الجماعات الإرهابية وتحرص عليه لضمان ولاء الشباب لها وتحمسهم لتنفيذ مخططاتها.وعلى المستوى السياسي هناك غياب الديمقراطية والمشاركة السياسية في أغلب الدول الإسلامية، بالإضافة إلى الشعور بتسلط العالم على مقدرات الأمة الإسلامية، وهذا ما تشيعه الجماعات الإرهابية لنزع ثقة الشباب بحكوماتهم بتحميل هذه الحكومات القائمة مسؤولية استمرار هذا التسلط وعدم قدرتها على مواجهته وتطرح نفسها بديلا لهذه الحكومات باعتبارها المنقذ المنتظر لهذه الأمة ولابد من انخراط الشباب معها لتحقيق هذه المهمة. وبسبب السذاجة السياسية لدى بعض الشباب يجد هؤلاء في شعارات تلك الجماعات مصادر جذب تدغدغ مشاعرهم وتجعلهم أدوات تستغلها قيادات الإرهاب في تنفيذ مخططاتها.أما بعض وسائل الاعلام من فضائيات وانترنت وغيرها فقد أصبحت مكانا رحبا لبث الأفكار الإرهابية بطرق مشوقة وبأساليب إبداعية تبهر الناظرين بهدف استقطاب الشباب، ناهيكم عن الفتاوى التكفيرية والأناشيد الاسلامية التحريضية التي تبثها تلك الوسائل وتجد من يتفاعل معها وينجذب إليها لأنها تدغدغ مشاعره وتمنحه أوهام الجنة والحور العين والخلاص من واقعه المأزوم.عموما نحن أمام ظاهرة معقدة تتعدد عواملها ومسبباتها ويبقى الوعي هو السبيل الأهم في مواجهتها ليس من أجل الحفاظ على مكتسبات مجتمعاتنا وأرواح هؤلاء وضحاياهم فحسب ولكن من أجل المحافظة على صورة الإسلام الزاهية التي شوهتها أيادي ثلة من المحسوبين على الإسلام تظن أنها بأفعالها الإرهابية إنما تحسن صنعا للإسلام والمسلمين وهي أبعد ما تكون عن ذلك مع الأسف ... فالعبرة في النتائج، والنتائج مزيد من الإفساد في الأرض وقتل الأرواح البريئة وتدمير الممتلكات وإضعاف أمة الإسلام وتشويه صورة الإسلام ... ألا تكفي هذه النتائج المدمرة كي يعيد هؤلاء حساباتهم ويدركون خطأ منهجهم ويبدون مسيرة سلمية هدفها نشر دين الله في أرجاء المعمورة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن بعيدا عن الأحزمة الناسفة والقتل والتدمير ... حفظ الله ديننا وأمتنا من كل مكروه ... هذا وللجميع أطيب تحياتي. [c1]نقلاً عن/ صحيفة "عكاظ" السعودية[/c]
إنهم يشوهون صورة الإسلام
أخبار متعلقة