جميع المرسلين الذين أرسلهم الله تعالى للبشر كانوا هداة ومصلحين، فكان في ما أرسلوا لحربه داء الفساد في كل شيء في الدين، العقيدة، التوحيد، الأخلاق والمعاملات عامة!.. وذلك لأن الفساد لا يبقي من ثمار الخير ولا يذر ! فكانت الرشوة والربا والقتل والمظالم والغبن والاحتكار والتطفيف مما نهاه الله تعالى على جميع الأمم في البر والبحر وكان للإسلام في هذا الباب نصيب وافر وحظ عظيم في مكافحة السرطان الخبيث! وهذا القرآن يصف رأساً من طواغيت البغي والضلال ـ فرعون ـ فيقول: (إنه كان من المفسدين)!!والفساد تلك الأفعى الخبيثة الممدودة .. تتغذى من رقاب ضحاياها .. وتنفث سمها الزعاف في دماء الجيل .. وتلف جسدها الخبيث بقوة حول الاعناق المشرئبة إلى العلياء .. فلا يبقى معها ضمير يحيا .. ولا عقل يصلح للنفع .. ولا دعوة تنفع للإصلاح.. ولا علاج يشفي ولابعث .. ولا حياة.. ولا نشور..!!ولله در القائل: العدل روح به تحيا البلاد كما دمارها أبداً بالجور مقرونوالفساد له نذر ودواع وأذان ـ إن جاز التعبير ـ تزينه لاصحابه الفاسدين .. وتعلن عند استوائه واستقوائه دمار الحاضر والمستقبل .. وضياع الخير والعمل الصالح هباء منثوراً(!!)وكم يعجبني ذلك الدرس الذي حرص النبي (صلى الله عليه وسلم) تعليمه للناس عندما سرقت امرأة من أشراف بني مخزوم .. وشفع فيها القوم .. واستعظموا إقامة الحد عليها لشرفها في قومها .. وزجوا بأسامة بن زيد (رضي الله عنه) ليشفع لها، وقال حينها ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ قوله الشهير (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها(!!) إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه .. وإذا سرق فيهم الضعيف إقاموا عليه الحد(!!).هذا إعلان تاريخي من فم النبوة الصادق.. بقدر ما يظهر فيه بجلاء التمسك بالعدل حتى النهاية، فإنه يكشف عن قانون الدمار الشامل لكل القيم والمثل التي صاغها الخير والعمل الصالح والمعروف .. إلا وهو قانون تطبيق العقاب على الضعيف دون الشريف!وهذا التطبيق الجائر لا يظهر إلا في ظلال الفساد الكلي الذي يغزو البنى الفوقية والتحتية على السواء عندئذ ينجح الالتواء على العدالة، وتنقلب موازين الجزاء .. ويشيع الخراب في كل المجتمع .. وتصبح معه دساتير الإصلاح نصوصاً تحلى بها نشرات القوانين وداوين الدولة .. وهنا يصبح الفساد سلطاناً يتحدى الانقلابات .. وتضل عنه يد القضاء .. وتفقده السجون .. وتتنافس على حمايته شفاعة الشفعاء (!) بينما تهيم قوافل الخير في صحراء الضياع وتحث سيرها نحو القهر والاستسلام على غرار المثل السائد (مكره أخاك لابطل)!!على أن كل القوانين والشرائع التي حاربت الفساد قد سمحت بوجوده مقزماً وملاحقاً وذلك لتمحيص الحق واصحابه .. وهذا هو معنى اعتراض الملائكة على خلق آدم حينما قالوا لربهم: (اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .. قال إني أعلم ما لاتعلمون)!!وفي هذه الحال فقط أعني تقزيم الفساد وملاحقته تستطيع قوى الخير أن تبني مشاريعها بنجاح فكل الحياة قامت مع شيء من الفساد! وبنيت الدول العظمى مع الفساد .. ولو أن صاحب المال تشدد في اتهامه عماله بالاختلاس لما تمكن من جني الارباح .. وهذا هو السر في وجود بعض التشريعات في الإسلام تلبي بعض الطمع في سبيل المصلحة العامة كمنح العاملين على الزكاة قسماً من الزكاة مع انهم يتقاضون رواتب على ذلك وكمنح ولي مال اليتيم ومتولي الوقف مشروعية ما يسمى بالأكل منه بالمعروف! وحق الفيد من الغنيمة للمقاتلين بدلاً من من توريدها إلى خزانة الجيب لتقويته وغير ذلك.ولكن ان يصبح الفساد هو كل الأداء .. ويحجب بإرادته مصالح الرعية وشرائع الدين فهذا هو الدمار بعينه الذي لا ترتضيه أمة ولا يبرره شرع ولا يقضي به دين الإسلام.
أخبار متعلقة