الحريبي .. شدو على رصيف الزمن !!
لقاء / عبدالله بخاش الفنان رشيد الحريبي لوحة في غاية الاحكام رسمتها صروف الزمان وتقلبات الدهر بألوان الحزن والحرمان لم يشفع له رصيده الفني الزاخر في الحصول على العيش الكريم أو حتى إدراج اسمه في سجلات الدرجات العمالية لدى الجهات القائمة على الفن والراعية للفنانين ، عشق الفن حتى التماهي وحرم نفسه في سبيله من أبسط مقومات الحياة حتى صحته قدمها قرباناً في محراب الفن عانى من شظف العيش والفاقة وألجأته الظروف للقبول بأرصفة الشوارع كسرير وثير للنوم ومسرح مفتوح لغنائه بعد أن أوصدت أبواب شركات الانتاج في وجه ومثلها الجهات الرسمية المعنية بالفن ورعاية المبدعين لفقر حاله ليأتي الوزير الشاب خالد الرويشان ابن الثقافة والخارج من رحمها والمتربي في أحضانها ليكرم روادها ويرعى مواهبها ويعيد للثقافة اليمنية مكانتها وألقها وليس أدل على ذلك من فعاليات صنعاء عاصمة الثقافة العربية بفعاليتها وأنشطتها التي لون في يوم من أيامها سماء الحزن لفناننا الانسان / رشيد الحريبي بألوان البسمة والأمل وتقدير عطاء الآخرين .ليعود الأمان الى حياته وتمتزج دموع الحزن في عينيه بدموع الفرح ويعود بالجميع إلى أيام زمان والغناء الاصيل بشدوه بمواميل العندليب عبدالحليم حافظ وأطلال سيدة الغناء العربي أم كلثوم ( ورق الحبيب) وروائع فريد الاطرش ودرر عمالقة الفن اليمني بسحرها والبريق .(14 أكتوبر) إلتقت الفنان الحريبي وكان لها معه هذا الحوار):[c1]عضني الجوع * سألناه عن الأسباب الحقيقية التي دفعته للغناء في الشوارع بدلاً من الاتجاه للمسرح والتلفزيون؟[/c]- فأجاب الحاجة والجوع ، فلقد ( عضني الجوع فمشيت في الطرقات شاهراً عودي ) مثلما قالت عني جريدة الخليج ، والبداية لم تكن الرغبة عندي أن أغني في الشوارع ، وكان غرضي هو أن أقوم بتأجير العود لمن يريد العزف عليه لكن بعضهم كان يقول لي ( سمعني وأنا أدفع لك ) فبدأت أغني لهم .[c1]إحترمت رغبتي * ألم تتمكن من الحصول على فرصة عمل تغنيك عناء ذلك ؟[/c]- أنا عندما كنت في أبو ظبي اشتغلت (14) سنة كطباع عمومي في إحدى الجهات لكن ماكنت مرتاح نفسياً ، كما أن الشغل لم يكن في مجال عملي الاساسي كمغني فكنت دائماً أهرب من المشاكل والضغوط التي تواجهني وأذهب الى طبيب نفساني لكن عندما احترمت هوايتي واتجهت لاحتراق الغناء ولو أنه كان في الشوارع وكان هناك متاعب ، إنما من الناحية النفسية كنت مرتاح وخلال تلك المدة لم أذهب الى أي عيادة نفسية وحسيت أن قدري هو إحتراف الغناء.علماً بأنه أثناء ماكنت أغني في الشوارع عرضت عليّ وظائف في الشركات ومن بعض التجار ( من جماعتنا) بس أنا مارضيت لأني عارف ذا توظفت عندهم أو اشتغلت في وظيفة روتينية اسبوع او اسبوعين قد تعتريني بعض المتاعب النفسية إذا استمريت في العمل .وأود أن أشير لشيء مهم هو أنه عندما بدأت أغني لم يكن هدفي أن أكون فناناً محلياً فحسب وإنما كان الهدف أن انطلق من مصر منذ البداية في عام 1962م وبالفعل عشت في مصر فترة وألتقيت هناك بملحنيين ومخرجين لكن عدم بقائي فيها لفترة طويلة كان بسبب عدم وجود دخل ثابت مثل منحة دراسية أو غيرها وهي التي ضيعت عليّ فرص عدة .ومن بين الاسماء التي ألقتيت بهم في مصر / بليغ حمدي والموجي والمؤلف / حسن الخميسي وكمال صلاح الدين ورمسيس نجيب وغيرهم كثير .[c1]لم أنصاع* هل تخلي والدك عن دعم مشوارك الفني في مصر ؟[/c]- ليس بهذا المعنى فوالدي كانت ظروفه على قدره ، وبعدين هو ما كان موافق على حكاية أي أدخل مجال الفن ، وكانت أمنيته أن أكون طبيباً لكني لم أنصاع لرغبته أو أمنيته ، ( ويكمل ضاحكاً) لأن رغبة إحتراف الفن والغناء كانت أكبر .[c1]فن أم جنون * هل تقبل الناس لفكرة فنان الشوارع ؟[/c]- يبتسم ويقول / كثيرون يعتقدون أنني مجنون ومش مصدقين حكاية أن وزارة الثقافة تكرمني مثل كل الفنانين وكانوا يقولوا لبعضهم شوف.. يغني في الشارع .. هذه مجنانة آخر زمن والبعض الآخر منهم يقل لك هذا ممكن إنه جاسوس أو يعمل لجهة معينة ووناس تشوفك استخبارات وناس تقل لك ما لقى له عمل رجع يغني ، وكل واحد يشوفك حسب نظرته ،بعضهم يتعاطفوا معك وبعضهم يسخروا منك وهكذا .[c1]سوق المستمعين*هل كنت تحقق من هذه التجربة مردود مالي مناسب يغطي صرفياتك اليومية ؟[/c]- يرد ضاحكاً كذا .. وكذا .. حسب السوق .أي سوق تقصد؟سوق المستمعين طبعاً .. ناس تسمع وتدفع على طول ، وناس تتعاطف معي وتعطيني أكثر من غير ما تقل لي غني ، وناس تجي تراجلك أو تضحك عليك !!وعلشان كذا أنا لما أغني أخذ المبلغ مقدماً على سعر الاغنية بمائة ريال واعطي الزبون كشف باسماء الفنانين واغانيهم ليختار الاغنية التي تعجبه ويحب الاستماع لها لأقوم بأدائها حسب طلبه لكن بعضهم ويقل لك سمعنا ياأخي أدفع لك خمسين ريال وسمعني أغنية كذا فأقول له سأفعل لك بحقك الخمسين يعني نصف أغنية فيوافق وأحياناً أشعر بالانسان الواقف أمامي بأنه صاحب هيبة ووقار فأستحي من طلب المبلغ مقدماً ومن ناحية أخرى أقول في نفسي ( يلله يارشيد .. إضربها عوجاء تجي ساني) ممكن يدفع أكثر فمرة تحصل ومرات كثيرة تضربها عوجاء تطلع لي سبعين عوجاء ما يدفع لي حاجة ويمشي ، وإلاّ جاءت له مكالمة أو حاجة تشاغل بها عني ونساني وبقيت أغني لوحدي .[c1]مواقف طريفة * ماهي أطرف المواقف التي مر بها الفنان / رشيد الحريبي من خلاله تجربته الفنية ؟[/c]- من أطراف ما حصل لي - أني قمت مرة أغني عند سينما حدة في المساء فجاء لي واحد وقال سمعنا ، ودفع لي مقدم فسمعته أغنية شعبية خفيفة فقام يرقص عليها فرحان ، وأنا تفاعلت معه لما شفته فرحان ومهيص وبعدما خلصت قال لي لا .. هذه الاغنية ما أعجبتني ؟! فقلت له ترقص عليها ومرة جاء لي واحد وأنا مرهق جداً ما قد هدأت فقال لي بأعطيك مية وسمعنا فقلت له دلحين ما أقدر .. شوف أنا تعبان لكن ممكن تعمل لك لفه او تجلس تشرب شاي ربع ساعة وبعدين اسمعك فرد عليّ زعلان إيش هذا حقك تعبان ، مرهق ، يعني أنت بتتحمل اسمنت وإلاّ إيش بتسوي ، أنت ما حق طلبه الله وراح زعلان .[c1]عن التذوق الفني * كيف وجدتم مستوى التذوق الفني والموسيقي عند جمهور الشارع؟ [/c]- أغلب الناس في المناطق الشمالية يميلون الى اللون الشعبي الصنعاني حتى الألوان الجنوبية مثل فيصل علوي وهكذا أما المناطق الجنوبية والغربية فمعظمهم يتذوقوا الألوان المصرية او القريبة منها ، أما بالنسبة لجمهور المستمعين فتلقاهم متفاوتين يعني مش كلهم درجة واحدة ، فقد تلقى مستمع عادي لايميز مابين صوت أحمد قاسم وفريد مثلاً ، وهناك مستمع متوسط وهناك مستمع يكاد يكون موسيقي تسمعه وهو يتجاوب معك تقول أنه فهمان في الموسيقى وعنده حس رفيع في حين تجد موسيقيين حسهم ضعيف مهما تعلم وتدرب ماعنده الحس الفني الرفيع فهذه موهبة وممكن أن تنمي مع الوقت بكثرة الاستماع الموسيقي والجلوس بين ناس ذواقين يحسسوه بمواطن الجمال في هذه النغمة او ذلك الاداء الموسيقي والقاعدة تقول أن التذوق الموسيقي عند الانسان بحاجة الى الترويض الدائم .فأنت عندما تسمع لون جديد عليك قد لا تتقبله ، يجب عليك تذويق إحساسك وسمعك كذا مرة تسمع الى أن تتذوق هذا اللون لكن للأسف الشديد هنا نجد أن أغلب الناس لما بيسمعوا لون جديد بينفروا منك ويقولوا لك خلاص خلاص .. هذا مش مليح .
الفنان الحريبي أثناء تكريمه من وزير الثقافة