أضواء
وقف خادم الحرمين الشريفين يلقي كلمته مفتتحا المؤتمر الذي دعا له للحوار العالمي ظهر أمس في قصر الباردو التاريخي بالعاصمة الإسبانية مدريد وسط حشد غير عادي وقل أن يجتمع في مكان واحد، وتحديدا أمام زعيمين سياسيين يمثلان أكبر الديانات البشرية عبدالله بن عبد العريز المسلم، وخوان كارلوس ملك إسبانيا المسيحي الكاثوليكي.أمام الملك جلس علماء المسلمين بمختلف أرديتهم السعودي بثوبه البسيط وغترته بدون العقال، الأزهري المصري بجبته وعمته، الشيعي الإيراني والسعودي والكويتي بعباءته وعمامته، الإندونيسي بغطاء الرأس الذي عرفناه على الرئيس السابق سوكارنو وقميصه الملون، وغيرهم من المسلمين الذين وحدهم يشكلون ثقافات متعددة، وبينهم ومن حولهم قساوسة ببدلاتهم السوداء وياقاتهم البيضاء، وكرادلة كاثوليك بزيهم الأحمر المميز، والأقباط من مصر وإثيوبيا بزيهم الأسود وصلبانهم الضخمة، وحاخامات يهود، وهؤلاء لا يميزهم سوى القلنسوة “اليامكا” بل كان هناك بوذيون من تايوان وهندوس وسيخ، الهندوس بعضهم كانت أرديته كارنفالية بلونها البرتقالي الفاقع، بعض المدعوين أثار حضورهم استغراب المختصين وذلك لضعف تمثيلهم وسط مجتمعاتهم، مثل حاخام يهودي وزوجته “الحاخامة” الصلعاء وهما ممن يسمون “الإصلاحيين اليهود” الذين ابتعدوا كثيرا عن الشريعة اليهودية ووصفهم أحد الحاخامات مازحا بـ “أنهم من أديان كاليفورنيا التي تظهر كل يوم”. وسألني ما إذا كنا نحن المسلمين لدينا حركات مماثلة من” مسلمي كاليفورنيا “ فنفيت ذلك ولكن تذكرت أنه بالفعل بيننا تيارات غريبة ظهرت في أمريكا بل حتى في عالمنا ولكنها لم تعمر كثيرا أو لم تنشر بحمد الله.قبل أن يلقي الملك كلمته كان هناك بعض المتشككين، المعتقدين أن كل ما يحصل مجرد “ علاقات عامة “ سعودية ضمن حملتها لمواجهة الاتهامات التي لاحقت المملكة، والإسلام بعد 11 سبتمبر. لم تكن كلمة خادم الحرمين الشريفين طويلة وإنما بليغة ومليئة بالمعاني والمبادئ الأصولية وإن بدت جديدة على أسماعنا بعدما تراكمت مآسي التاريخ والحروب والاستعمار والتطرف على الأصول فجاء عبدالله بن عبدالعزيز لينفض عنها ذلك الغبار مجددا وفق الكتاب والسنة، حرصت على الاستماع لها بالإنجليزية عبر نظام الترجمة الفوري لأتأمل وجوه من حولي لمعرفة درجات القبول أو الرفض، ولكن بعدما أنهى الملك كلمته، بدأ البعض بالتصفيق الروتيني ولكن لم يلبث هذا التصفيق إلا وقد تحول إلى عاصفة من الإشادة، ووقف تدريجيا كافة الحضور .وفي الغرب يفعلون ذلك تعبيرا عن مدى تقديرهم وإعلانا لقبولهم بما جاء في الخطاب. استمر التصفيق وقوفا لأكثر من دقيقة.بعدما جلسنا التفت إلى الحاخام ديفيد روزن رئيس المجلس اليهودي العالمي للحوار العالمي والذي جلس عن يساري وسألته “ما رأيك ؟”.أجاب بسرعة “ ليت الجميع يتخذون الملك عبدالله وكلمته نموذجا”. سألته مجددا “من تقصد بالجميع؟” قال “ قادة الدين وقادة السياسة”. التفت عن يميني إلى الدكتور إبراهيم النعيمي رئيس مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان وسألته نفس السؤال. فقال “كلمة تاريخية، هامة جدا، ستلغي كثيرا من المفاهيم السائدة والخاطئة عن الإسلام”. أكثر ما أعجبه أن الملك تحدث أكثر عن مقاصد الأديان في السلام العالمي وإسعاد البشرية وليس التقريب بين الأديان، إذ يرى أن الحوار يموت ويتحول إلى مناظرة عندما يحاول أي طرف فعل ذلك، وقال إن هذا المنهج الذي يتبعونه في مركزهم بقطر.قبل دخول الملكين قاعة القصر الذي جرى فيه افتتاح المؤتمر كان لدي مزيد من الوقت للحديث مع الحاخام روزن وسألته عما يتوقعه من هذه اللقاءات وقد حضر عشرات اللقاءات المماثلة والتي جمعت كثيرا من الوجوه التي يراها في القاعة. قال روزن “هذا اللقاء مختلف تماما، إنه يقلب مسألة العلاقة بين الأديان رأسا على عقب مثل مفاجآت أفلام وودي ألن (وودي ألن هنا مخرج وممثل أمريكي مشهور له أفلام مميزة)، سألته كيف؟ فقال “هذا أول حوار بين الأديان يدعو له ملك مكة والمدينة، إنه أمر غير مسبوق” إنه بالفعل عمل غير مسبوق، لقد قادنا الملك عبدالله بشجاعته إلى عالم جديد غير مسبوق، وهذا كان رد فعل العالم، فماذا سيكون رد الفعل في بلدي؟ هل نحن قادرون على استيعاب هذا التحول؟ مثقفون وعلماء وأهل رأي وتربية ؟ نعم، فهذا هو المستقبل، هذا هو الإسلام. [c1]* عن/ صحيفة “الوطن” السعودية[/c]