منبر التراث
[c1]في روما[/c]الزمان : سنة 24ق . م . المكان : قصر أغسطس قيصر في روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية القديمة .وقف والي مصر الروماني آليوس جاليوس بخشوع أمام القيصر ، يروي له العجائب والغرائب عن ثراء الحميريين العريض في اليمن ،. وكيف صارت بلادهم من أغنى بلاد العالم ، وإنّ لم يكن أغناها على الإطلاق بسبب تجمع التجارة الدولية في موانيهم التجارية حيث تموج بتجارة الشرق ، و مصر , ومن شرق أفريقيا . وصار اليمنيون همزة الوصل بين تجارة الشرق والغرب ومن جراء ذلك باتوا محتكرين لحركة التجارة بين الشرق والغرب ، ولا يستطيع أحد أن يزاحمهم أو ينافسهم في هذا الميدان .[c1]الموانئ اليمنية[/c]ولقد أسال حديث والي مصر الروماني لعاب قيصر روما عن ثراء اليمنيين الفاحش من جراء وساطتهم بين تجارة الشرق والغرب - كما ذكرنا - ، ورأى القيصر الروماني أنّ على الإمبراطورية الرومانية العظيمة التي تسيطر وتهيمن على غالبية بلدان الشرق والغرب في العالم أنّ تسيطر أيضاً على الطرق الواقعة على البحر الأحمر. ورأى أغسطس قيصر أنّ السيطرة على موانئ اليمن المطلة على البحر الأحمر سيعود بإيرادات مالية ضخمة لخزانة الإمبراطورية الرومانية حيث ستعينها على التكاليف الباهظة في حروبها المستمرة ضد الإمبراطورية الفارسية عدوتها اللدود . [c1]الحملة الرومانية[/c]ولم يمض وقت طويل حتى أمر قيصر روما ، قائده العسكري ووالي مصر آليوس جاليوس التحرك صوب اليمن . ولقد ذكرت المراجع التاريخية أنّ روما حشدت لتلك الحملة العسكرية الهائلة عشرة آلاف جندي ، وبعض القوات المساعدة في مصر، وحشد الملك النبطي - حليف الرومان حينذاك - قوة أخرى على رأسهم بعض الأدلاء ، ووزيره سترابون النبطي الذي كان يكن في نفسه البغضاء والكراهية العميقين للإمبراطورية الرومانية , وصمم بينه وبين نفسه أنّ يعمد على تكبيد تلك الحملة العسكرية الرومانية أكبر قدر من الخسائر في صفوفها إزاء تحطيم الرومان لبلاده وصارت ولاية رومانية بعد أن ، كانت مملكة مستقلة . والحقيقة أنّ مملكة الأنباط والتي عاصمتها “ البتراء “ . كانت ملتقى تجارة الخليج والبحر الأحمر معاً ، غير أنّ الرومان خافوا هذا الثراء العريض ، مما يترتب عليه أنّ تصير تلك المملكة من القوة بمكان لا تستطيع روما القضاء عليها [c1]الطريق إلى اليمن[/c]وكيفما كان الأمر ، فقد انطلقت الحملة الرومانية من ميناء كليوباتريس ( بالقرب من السويس ) . ويقول التاريخ أنّ جاليوس والي مصر بنى ( 80 ) بارجة ، و ( 130 ) سفينة لنقل الجنود الرومان واتجه إلى ميناء ليوكي كومي النبطي . وكان الهدف من وراء هذا الإتجاه هو القيام بمظاهرة عسكرية استعراضية للقوة الرومانية في الساحل الشرقي للبحر الأحمر ، وذلك لإرهاب الأنباط واليمنيين معاً.[c1]بصيص الأمل[/c]ولقد تعرضت الحملة الرومانية لكثير من المشاكل والصعوبات في زحفها على اليمن . فقد خسرت الحملة بعض سفنها أثناء رحلتها من الميناء المصري إلى الميناء النبطي . وفقدت الكثير من جنودها نتيجة قلة الماء ، وشدة الحرّ من ناحية والمقاومة اليمنية الضارية من ناحية أخرى . وقد ابتلعت الصحراء أعداد غفيرة من القوات الرومانية. وتذكر المراجع التاريخية أنّ الحملة الرومانية استولت على عدة قرى صغيرة في وادي نجران وهي في طريقها إلى اليمن ، ولكنها في نهاية المطاف هزمت ، وتقهقرت عائدة إلى مصر . ويقول أحد المؤرخين الإيطاليين ، بما معناه : “إنّ هزيمة الرومان في اليمن أحدث دوياً هائلاً بين شعوب البلدان الواقعة في قبضت الإمبراطورية الرومانية مما هز صورتها القوية أمامهم . وكانت تلك الهزيمة أول صفعة تلقتها روما وهي في أوج قوتها وجبروتها وغطرستها “ . وفي هذا السياق ، يقول أحد المؤرخين المحدثين الإيطاليين بما معناه : “ كان انتصار اليمنيين القدامى ( الحميريين ) على الرومان بصيص الأمل للشعوب المغلوبة على أمرها من التخلص من مخالب الرومان القاسية . وكانت مصر الواقعة في الطرف الشمالي من البحر الأحمر ، أول البلدان التي انفجرت فيها براكين وثورة الغضب ضد الرومان “ . [c1]اليمن ومصر [/c]والحقيقة أنّ ما ذكره المؤرخ الإيطالي Grazioso يعطينا فكرة واضحة وعميقة بأنه هناك ارتباط وثيق الوشائج بين ما يحدث في الطرف الجنوبي من البحر الأحمر ( أي اليمن ) وبين ما يحدث في الطرف الشمالي من البحر الأحمر ( أي مصر ) والعكس صحيح . وهذا ما أكده الأستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم ، قائلاً : “ وهذا مما يؤكد رسوخ العلاقات المصرية - اليمنية ، وكأنها قدر مكتوب ، أو أنها استجابة لعبقرية المكان لكل من البلدين “ .