متابعة / عبدالله الضراسي :كنا في المادة الأولى في حديثنا عن فعالية اربعينية الشاعر قد ركزنا على الجوانب الثقافية خصوصاً قصائد الرثاء .. وفي هذه المادة الثانية ( نقف ) أمام الجانب ( النقدي ) إزاء مفردات المشهد الشعري الغنائي عند الشاعر عبده ياقوت حيث قدمت دراستان نقدية بهذا الصدد . [c1]مداخلة هاني جرادة النقدية [/c]من أجمل ملامح الوفاء في الفعالية هي ( روائح المفردات النقدية ) لأن الاحاديث والخطب وحتى قصائد الرثاء لن تجد لنفسها ( مكاناً ) مثلماً هو فعل ( مفردة المنطوق النقدي ) ليست احيمتها كشفها ( لسبر أغوار المنقود ) بل في بقائها كوثيقة لاجيال مابعد رحيل الشاعر لانها تقدمه تقديماً من ( شان ) وفي اكتشاف ( مرافئ ) قد يكون مربها الشاعر ولم يتحسسها !!![c1]قراءة هاني جرادة المتألقة [/c]في البدء تحدث الناقد هاني محمد سعيد جرادة قائلاً : عبده علي ياقوت صوت من الأصوات الشعرية التي تشبعت برصيد ثقافي ذاتي مكنته من الوقوف على أرض الشعر العامي في اليمن على الرغم من ( نزوحه ) إلى عدن لطلب الرزق الا انه ظل مشدوداً بقلبه ومشاعره إلى مسقط رأسه ( تربة ذبحان ) حيث الماء والخضرة والوجه الحسن . . التي قال فيها : » التربة قلبي وأحشائي ذبحان زرعت حبي من سفح بيحان عند الكريف هيا الرجا ورعيان شابصر حبيبي ساحري بالأعيان وادي غبل مروي لكل عطشان وأنا ظما قلبي لثغر فتان ولم يخل شعره من الاماكن المحببة إلى قلبه في قريته مثل ( الكريف ) و ( سفح ذبحان ) وكذلك ( وادي غبل ) الذي تؤمه النسوة ، وقد شاءت الاقدار ان تهيئ لشاعرنا فرصة اللقاء والاجتماع بواحدة منهن لتكون قريبة إلى قلبه فقال في ذلك الموقف : سمعت همسة من لسان خجلان تقول قلبك بالصوان مهتان شاسقيك ياروحي حتى ولو كان الماء نزف ذي الدموع بالاجفان وتلك القرية التي اودع فيها مكرهاً اسرته طلباً للرزق حيث كان يبثهم لواعج الحب والاشواق وعذاب البين واللهفة إلى غد التلاق : تحياتي مع حبي مع أحر اشواقي لمن كانت تحفحفني تداوي كل احراقي لمن كانت تلملمني بفيض حنان دفاق ثقي يامنيتي اني على عهدي اناباق فلا يشبهنا انا وانت بدنيا الحب عشاق ورسالته الاخرى اليهم حروفها روحه وجرها دموعه ومجرتها قلبه حيث يقول لهم :بالحب اكتب لكم اكتب من اجلكم اعدوا حسب انتم رصيدي من الحب غادرتكم يوم الاثنين وخمسة انتم الحب اخاف ان لم اراكم احبتي من سواكم لهم اعد واحب [c1]رسائل المعاناة [/c]وفي جانب آخر يقف الناقد هاني جرادة بصدد رسائل معاناة الشاعر مكتب بهذا الصدد : » ومن الرسائل الشعرية التي حفلت معانيها بأصدق المشاعر والعواطف لاسيما تلك العلاقات بين المحبين المرتطمة بحواجز العادات والتقاليد عند ( ذيوعها ) في المجتمع الريفي فيصبح حديث المحب ( رجع ) حديث لشعراء البادية ومنهم مجنون ليلى : قضاها بغيري وابتلاني بحبها فهلا بشئ غير ليلى ابتلانيا وهاهو الشاعر عبده علي ياقوت يجسد تلك المعاناة التي دفعت بالمحب إلى مغادرة مسقط رأسه وقلبه المثخن بالجراح (زاده) الخيال والسهد على محبوبه الذي تقطعت بهم سبل الاتصال والتواصل . ياقبوة الكادي ياورد شامي لجلك هجرت الحصن والحسن والرياميموعد معك ياقلب من غرام غير الخيال والسهد في المنام ورغم بقاء الشاعر عبده ياقوت في عدن الا انه لم ( ينسلخ ) عن جذوره اذيقي محتفظاً بطابع ( القروي كالشهامة وصدق المشاعر والعواطف والاقوال والافعال وكبح جماح عاطفته ) ان رأى فيها اذلالاً لكرامته وهدراً ( لماء الوجه ) ولعل قصيدة ( احبكم جم ) افصحت عن هويته الياقوتية الشعرية :احبكم جم بس ماهو مثل الحب الذي انتم تعرفونه اعدكم كم بس ماهو مثل الحساب الذي انتم تحسبونه [c1]رائعة ماضى الهوى[/c] ويقف الناقد هاني جرادة في سياق خطابه النقدي إزاء رحلة ياقوت الشعرية حيث كتب : » ولاننسى رائعته الغنائية ( ماضى الهوى ) التي تجعلها نقف على شخصية تولى اهمية كبيرة ( للكبرياء والاعتزاز بالنفس ) مكانة اعلى مما توليها للمحبوب من مكانة وهي صفة ( قلما ) يتمتع بها شعراء آخرون ، لذلك نرى ( ردة فعل ) الشاعر عبده ياقوت عنيفة في هذه القصيدة حيال اعز وأحب الناس إلى قلبه بعدما استبدل به حبيباً غيره وقد تجلت ردة فعله عند عودة المحبوب في قول ( لمه .. لمه .. عادك اجيت مو عاد معك ) . وقوله ايضاً ( بداية احلامي وآخرها معك ) ، وعن مكانة المحبوب المتزعزعة في قلبه قوله : ( في طية النسيان في قلبي وادك ) وفي هواه الذي ( درته ) الرياح قوله : ( ياحب ناثرته الرياح كيف اجمعك) وفي تحريره من كل رابطة تربطه بالمحبوب قوله : ( قيدي انكسر من معصمي ومعصمك ) . ناهيك عن تلك الاحزان التي احلت موضعاً متفرداً في قلب الشاعر بدلاً عن المحبوب وهواه كقوله : ( تركت الاحزان تحتل موضعك ) ، اوكقول الشاعر له في الاخيرة: ( روح يا أسى روح يا الم لمغرمك ) مما جعله في تقديرنا مصدر أسى والم بكل من يغرم به وليس مصدر أسى والم للشاعر وحده او بتعبير ( النابغة ) ، ( كأنه مطلي به القار أجرب ) ولاننسى اجتماع كل تلك الاسباب التي رسخت قناعة الشاعر في رفضه للمحبوب لاعادة مابينهما من علاقة سابقة بسبب ( غدرة ) بالشاعر الذي اشار اليه في هذا البيت : ( بدلت غيري في الهوى ما اظلمك ) وبرغم من جمال المعاني والصور الشعرية في القصيدة الغنائية الا انها كانت لتبلغ بشاعرها ( شأواً ) في ساحة الغناء اليمني كغيره من الشعراء وذلك بسبب وجود ( فرسانها الغنائيين ) لاسيما عبدالله عبدالوهاب نعمان ( الفضول ) في المحافظات الشمالية ( سابقاً ) والذي ( عهد ) به ابا لهذا اللون من الشعر الغنائي للكثير من القصائد الغنائية ذات الصيت في ربوع اليمن حتى وان كانت لغيره فإن قصيدة ( ماضى الهوى ) والتي تحقق لشاعرنا عبده ياقوت شهره ، وقد اوقعة ( حظه العاثر ) بأن تكون قصيدته ( بالنفس الشعري ) الذي تميز به شعراء المحافظات الشمالية ( سابقاً ) وبوثباتها الشعرية ذاتها التي اكتنفت بها قصائدهم .[c1]صدفة من الصبح [/c]ويواصل الناقد هاني جرادة تحليقه النقدي في فضاءات المشهد الشعري الغنائي لشعر عبده ياقوت حيث وقفت امام اجمل قصائده الغنائية واشهرها والتي تغنى بها الفنان اليمني الكبير ايوب طارش حيث كتب : » ومع هذا وذاك استطاعت قصيدة ( صدفة من الصبح ) للشاعر عبده ياقوت ان تشق طريقها بين صفوف الاغاني اليمنية . صدفة من الصبح لاقيته وهو يجريفقلت له خفف السرعة عليك بدري وقف شاقولك صباح الخير ياقمري على الحلى والتحافة كم سيكون صبري فقد استهل الشاعر حديثه مع المحبوب بالقاء التحية الصباحية حتى يخفف من روعه وسيره الحثيث كقوله : ( وقف شاقولك صباح الخير ياقمري ) وابدى اعجابه به وبحلاوته وبدلا له وتحافته ( كتهيئة ) لما يريد الافصاح به عن لواعج ( حرى وسرحب ) مكتوم في صدره ادى به إلى افتضاح امره .انا اللي هايم بحبك وانت ماتدري من يوم عرفتك وحبك سر في صدري واليوم فاضت شجوني وافتضح امري ياليتني ماعرفتك آه .. ياقهري [c1]قصيدة فراشة اوعدت زهرة [/c]وكذلك يقف الناقد هاني جرادة امام القصيدة الاخرى والتي نالت شهره اكبر حيث كتب : ( ومما يجدر ان هناك قصيدة للشاعر عبده ياقوت ( فراشة اوعدت زهرة ) سارت اخبارها وفصولها في المحافظات الجنوبية وربما ذلك يرجع إلى ان السواد الاعظم من الناس رأوافيها ( صورة جديدة ) من صور المواعيد المضروبه للقاء المحبين لم ( يألفوها ) من قبل في الساحر الغنائية وهي صورة الفراشة التي استطاعت ان تأتي في موعدها المحدد للقاء الزهرة فجسدت بذلك لوناً من الوان الوفاء الا وهو انجاز الوعود والوفاء بها وهو ما كان يفتقر اليه محبوب الشاعر الذي تخلف عن موعده ولم ينجزه وقد كانت لفته ذكية من الشاعر في استفادته من ذلك الاسقاط المتمثل في محبي الفراشة لاشباع حاجتها الغذائية من رحيق الازهار وتوظيفة كاسقاط ادبي لاشباع حاجه روحية في قصيدته الغنائية فجاءت على هذا النحو .- فراشة اوعدت زهرة وجت في وعدها المحدود فهل في الحب اجمل من وفاء الميعاد للموعود وكم مرت على ورده وكم مرت على عنقود وفت بالوعد في الموعد وجت للزهرة الموعود حكت للزهرة فرحتها فكان المشهد المشهود ومضت شهدها الحالي فأدمت قلبي المشدود . وقد وردت هذه القصيدة في كتاب ( مائة شاعر وستمائة اغنية ) للمؤلفين الراحلين سالم علي حجيري واحمد سيف ثابت . وما أكثر الشعراء الذين رأوافي لجوء المحبوب إلى الصد والكبر والغرور والتعالي لما وهبه الله من جمال ، فليس غريباً ان يخاطب الشاعر احدى الجميلات على هذا النحو :متى بايرق لي قلبك واسعد بلقياك يابديع الجمال شوف قلبي ضناه الشوق شاموت شهلك جود وارحم لحاليعيرني مره اهتمامك لاتقفى بظهرك اوتفر من قبالي لاتتكبر علي الكبر انصحك بايضرك مايفيد الغرور والتعالي راقب الله في عاشق لحسنك وسحرك وانت فيه لاتبالي وفي الحقيقة ( يثير ) هذا النص وغيره من نصوص الشعراء الاخرين قضية فنية قد اوضحها ( الشاعر الكبير عبدالله البردوني ) في قصيدة (إلى المرتزقة ) للشاعر صالح سحلول تنطبق على هذا النص الياقوتي ، حيث يلاحظ ان الشاعر لم يعتمد في قصيدته على ( دوي ) مساند لرنة الكلمة فقد اعتمد على (كاف ) الخطاب بلا حرف قبله يسنده و( كاف ) الخطاب وحددها لاتصلح قافية الا بحرف قبلها ، لان ضمير المخاطب او الغائب لايكفي قافية يحسن الوقوف عندها ، وقد اهتم الشعراء الشعبيون وغير الشعبيين بالقافية فلم نجد في الشعر الشعبي ولا في الفصيح من يعتمد على الضمير كقافية .[c1]خلاصته النقدية [/c]وفي خواتم خطابه النقدي كتب الناقد هاني جرادة : ( وفي الاخير استطيع القول ان الشاعر عبده ياقوت يجد نفسه في كتابة قصائده الغنائية بلهجة اهل القرية اكثر مما وجد نفسه في قصائدة الاخرى ، ففيها تأتي اليه الصور الجمالية ( طيعة ) والمعاني منقادة وكفى بنا ابياته من قصيده ( حيرة ) التي قال فيها : حيران أنا يادموعي شنى خلي خلف وعده تخلى عني راعيت انا ياخل وكم شراعي لانته ظهرت ولاسمعت داعي غاب القمر وزادني ارتياعي هم حجبوك ولانويت خداعي لنتبين كيف استطاع ان يجسد في البيتين الاخيرين ( انتظاره ) غير المجدي للمحبوب والذي تحول في الاخير من فرحة باللقاء إلى ( فزع ) وخوف على المحبوب بسبب ( تأخره ) وتخلفه عن المجئ في الموعد المحدد له الذي قد يكون ناجماً عن افتضاح أمره ( فمنع ) من الخروج لمقابلته او حدوث مكروه له في الطريق او لجوؤه الى الخداع على حد تعبير الشاعر وعلى نفسه لطول انتظاره في ذلك المكان الذي خلا من وجود حياة فيه تذكر بسبب ( غياب المحبوب وانعدام الاصوات وغياب القمر ) أكان على هيئة استعارة تصريحيه لمحبوبه اوكان المقصود بذلك القمر الموجود في السماء مما اضفى على مكان اللقاء وحشة واغتراباً واورث الشاعر خوفاً والتياعاً . [c1]الزمان والمكان في غناء ياقوت [/c]وبعد ذلك تحدث الشاعر المعروف محمد نعمان الشرجبي في مداخلة نقدية حول الزمان والمكان في غناء ياقوت وإتكائه على الزمن الذي قد يطول اويدوم كمثال واضح في قصيدته الغنائية ( صدفة من الصبح ) وكذلك لجوء ياقوت إلى حث عوالمه بالبحث عن المكان في غنائياته ، واستخدامه تقنية الزمن السردي كما في قصيدة ( فراشة ) .
|
ثقافة
مقتطفات من فعالية أربعينية الشاعر الغنائي عبده ياقوت
أخبار متعلقة