المخطوطات اليمنية تحكي قصة وتاريخ شعب بقالب فني شيق
د. زينب حزام :يعود الخط العربي مجدداً ليأخذ دوراً مهماً في تقديم الفن الإسلامي إلى العالم، ضمن ثقافة لم يسبق مثلها.وفي اليمن تم العثور على العديد من المخطوطات اليمنية القديمة، والتي تم تدوينها وتوثيقها وعددها حوالي 15 ألف مخطوط، وتم ترميمها، إضافة إلى بعض المخطوطات وهي مايقارب 1000 من الرقوق القرآنية والمخطوطات التي تم توثيقها كخطوة ضمن عملية الحصر في سبيل الحفاظ على التراث اليمني العريق من الضياع.ويجد الزائر للمتحف الوطني في صنعاء قسماً خاصاً بالمخطوطات اليمنية القديمة تعرض موضوعات متنوعة، ونجد مثلاً مخطوطات من الأدب اليمني مثل نسخة مميزة من مقامات الحريري كما يعرض المتحف منمنمات منسوخة في اليمن تبين مخطوطاً عن فن صناعة الأسلحة التقليدية التي اشتهرت بها اليمن منذ بداية انتصار الدولة الإسلامية.[c1]مخطوطات نادرة[/c]ومن أهم المخطوطات اليمنية الموجودة حالياً ديوان الأدب لإسحاق ابن إبراهيم الفارابي الذي زار زبيد وقد أشير اليه في كتاب (الإعلام للزوكلي) وكتاب (الفاصل بين الحق والباطل) لمفاخر على نشوان بن سعيد الحميري والذي يقال إن الذي قام بجمعه وتهذيبه هو محمد علي نشوان سعيد الحميري نقلاً عن لسان اليمن أبو محمد الحسن بن احمد بن يعقوب الهمداني، وهي نسخة نادرة وتوجد منها نسخة واحدة في الجامعة الأمريكية ببيروت، وذكره مقبل التام في كتابه (شعراء منجح) ونسخة أخرى مصورة بدار الكتب المصرية عن الأصل الموجود في الدار كذلك كتاب الموطأ للإمام مالك نسخة نادرة وغيرها من الكتب والمخطوطات النادرة والهامة وسوف نتطرق أليها في مواضيع أخرى.والمخطوطات الإسلامية التي تم جمعها من قبل الباحثين اليمنيين تصل إلى حوالي نصف المليون مخطوطة حتى نهاية القرن التاسع عشر. ويصل العدد الكلي للمخطوطات الإسلامية التي نسخت عبر العصور إلى مليون مخطوطة، على حين انه لا يوجد بين أيدينا في الوقت الراهن ما يقارب 15 ألف مخطوط يدوياً وأكثر من 3500 الياً.وما يجدر بالذكر أن ثلثي هذه الكمية هو عبارة عن مخطوطات منسوخة بين القرن السابع عشر ونهاية القرن التاسع عشر هذا يعني ضياع أكثر من مائتي ألف مخطوط من العصور الوسطى.لقد أضفى الإسلام من خلال اللغة والخط العربي والقرآن الكريم والعقيدة الإسلامية نوعاً فريداً من الوحدة الدينية والثقافة على المساحة الجغرافية الشاسعة التي شغلتها الدولة الإسلامية في اليمن.
وأهتم علماء الفقه بالقرآن الكريم والخط العربي وتمسكوا بالقرآن الكريم مرتبطاً بصورة مباشرة بولعهم التقليدي بالكتب والكلمة المكتوبة من هنا رصد المثقفون والباحثون اليمنيون التقليد العظيم الذي كان فناً جماعياً يحتاج إلى مواهب الوراقين والمجلدين وفناني الزخارف والخطاطين والمصورين.لقد كان الخط وما يزال من أكثر الفنون الإسلامية تميزاً وذاك نظراً لثراء الخط العربي ومرونته. ما جعله ملائماً على نحو مثالي للعديد من أنماط الخطوط مثل الخط الكوفي والخط المقور والخط الرقعة.أن أهم ما يحتويه معرض المخطوطات في المتحف الوطني بصنعاء كنوزاً من الخط العربي صفحات من مصحف شريف كتبت من جامع زبيد في القرن التاسع الميلادي مكتوب على الرف بخط كوفي مذهب وصفحات أخرى وجدت في منازل المهتمين بالمخطوطات اليمنية في مكتباتهم الخاصة.كما يوجد في المتحف الوطني بصنعاء مصحف شريف يتكون من 65 صفحة مزوقة ومكتوبة بخط عربي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر الميلادي.قد أوضح ابن خلدون في مقدمته الشهيرة الفارق بين الخطوط العربية. فقال (أي جمالية الخط العربي اعتمدت على وحدة الحروف داخل الكلمات أما الخطوط الأخرى فقد اعتمدت على إظهار شكل كل حرف من الكلمة. ورغم قوة أشكال الخط العربي الا انه لم يستعمل على الإطلاق خارج الأندلس وبلاد المغرب.كما يوجد في مكتبة الإحقاق بحضرموت في قسم المخطوطات اليمنية مخطوط عربي يشمل وصف نبات طي في خواص الأشجار ومنها أشجار دم الأخوين وأشجار العنبر والمر، إضافة إلى كنوز من الكتب الإسلامية فيها صفحات أكثر من مصحف مكتوب على ورق بالخط الكوفي. إضافة إلى مخطوطات إسلامية تعود إلى العصر العثماني مصحف كريم مزين بالألوان المذهبة مكون من 278 صفحة من خلال نسخ بديع للشيخ حمدلله بن مصطفى.ومن خلال عملية حصر وتوثيق المخطوطات اليمنية تم العثور على بعض النوادر التي لا تتوافر في أي مكتبة بخط مؤلفيها كما يوجد مخطوط صفة جزيرة العرب المرجع الذي يعتبر الوحيد لتاريخ الجزيرة العربية واليمن للسان اليمن الهمداني وكذلك كتاب نادر الوجود وتوجد منه نسخة اكتشفت مؤخراً في مكتبة عبدالخالق المغربي واختلف في عنوانه وموضوعه ولم يتمكن كبار المؤرخين من تحديد موضوعه أو عنوانه ولو انه وجد مشروع حصر وتوثيق من قبل موقعه الالكتروني.
[c1]زخرفة المنمنات الإسلامية[/c]تزخر المنمنمات الإسلامية بوصف تصويري للمحاربين والأمراء المسلمين بالأقنعة الحربية المحفورة وبالأسلحة الذهبية ويظهرون جلوساً على صهوة خيول تكسوها أغطية مزركشه ثمينة عليها سروج منقوشة، حاملين في أيديهم تروساً ملونة أو مغطاة بالحرير ومعهم جعاب لحفظ السهام والنبال بالإضافة إلى الدبابيس المذهبة والسيوف والخناجر ذات المقابض المموهة بالذهب والفضة، والمرصعة عادة بالجواهر، كما صور رسامو المنمنمات أيضاً معدات مثل الأحزمة المنمقة والخاصة بالمحاربين من ذوي الرتب العسكرية العالية والطبول المحزوزة والأبواق المنتهية بأشكال قنينات والرايات المعنية ولم يكن غريباً أن يحرص المصورون في رسومهم على إبراز النواحي الجمالية للقطع الفنية والمعدات القتالية لأنهم كلفوا بهذه الأعمال من قبل السادة المحاربين عشاق الفن.والسؤال الذي يشغل المثقفين واهتمامهم بزخرفة المنممات الإسلامية والمخطوطات يكتسب في فترات أخرى لاحقة، خطورة أعم، ربما من خلال المحن الكبرى أو الاختبارات الصعبة التي كانت ومازالت تحير المثقفين قد أصبحت عندئذ تساؤل الجميع، تساؤل كل فرد وتساؤل كل امة وتتجاوز المشكلة إطار المعهود ولا تصبح عنذئذ مجرد تباين عقلي لاجتهادات مثقفين منقسمين على أنفسهم، يعيشون في أبراج من عاج وإنما تصبح المشكلة حيرة أمه بأكملها بحثاً عن العصرية المستلبة .. ونعود نفتش في ذواتنا، ننبش التاريخ والكتب الصفراء في المخطوطات المضيعة، وفي الأغاني القديمة، وفي العادات الصغيرة بل حتى في حكايات الجدات بحثاً عن الأصالة .وإذا بحثنا عن مخطوطاتنا القديمة التي تعرضت للتلف والضياع ولم نحصل إلا على مجموعة بسيطة نجد في الجامع الكبير بصنعاء قد عثرت إحدى البعثات المصرية التي زارت اليمن بعد سقوط الإمام على أكداس من المخطوطات القيمة القديمة كانت تشكل الجزء الأكبر من مكتبة الجامع الكبير، وفي ترميم قرية صغيرة من قرى حضرموت ـ، كانت يوماً ما منارة إشعاع تضاهي الأزهر، وتقوم بنفس دوره في شرق أسيا ـ ترقد ثروة مخطوطة هائلة، ونسبة لا بأس بها من هذه المخطوطات ما زالت في حوزة أسرة الكاف إحدى الأسر العريقة في حضرموت.أن هذه المخطوطات تعد كنوزاً بقيت من حضارتنا الإسلامية متصلة في القوة والنظام والبساطة والتشريع الإنساني الرحيم حضارة سخية تلقت عنها أوروبا علوم الطب والفلسفة والفلك والكيمياء والرياضة فضلاً عن ذلك العديد من العلوم الاجتماعية والتاريخية.ومن هنا يمكننا القول إن هذه المخطوطات جزء من تاريخنا وحضارتنا اليمنية، ولا يكفي كي نقبض على أصالتنا أن نستدير إلى القديم، إن الأصالة جوهر تحصله الأمة بلغه خلال عملية التنوير الشاملة التي لا تتوقف فقد عن البحث عن التراث بل تمتد إلى مناقشة هذا التراث وحمايته من أيادي العابثين المهملين في جو تتلاشى فيه هروات غير المستنيرين في جو إبداع ألف زهرة تفتح في حوار مفتوح لا يغلقه الإرهاب أو التطرف الديني .أن هذه المخطوطات جزء من التاريخ اليمني الذي يجذب اليه المهتمين القادمين من دول العالم للتعرف على الحضارة اليمنية ومواقعها التاريخية والسياحية، لذا علينا حمايتها وتوعية الأجيال القادمة بأهميتها التاريخية.