في الوقت الذي يعيش فيه العالم مرحلة متقدمة من التطورات والتحولات بسبب التقدم التقني السريع الذي لم يسبق له مثيل، فقد كشف تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 والذي صدر الشهر الماضي عن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي كشف أن الأمة العربية تتصدر وبجدارة المرتبة الدنيا في مجالات الحرية والتعليم والدور الفاعل للمرأة في المجتمع.ففي مجال الحرية تكشف المقارنة بين المنطقة العربية ومناطق أخرى في العالم النامي أن موجة الديمقراطية التي طورت أنظمة الحكم في معظم بلدان أميركا اللاتينية وشرق آسيا وشرق أوروبا ودولاً إفريقية أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، هذه الموجة لم تقترب من الدول العربية التي لازالت ترزح تحت أنظمة حكم مستبدة مرتبطة بوجود جهاز تنفيذي قوي يسيطر على جميع أجهزة الدولة، تغيب في إطاره حرية التعبير والمعايير الحديثة للشرعية.أما في مجال التعليم، فإن الأمية تصل في بعض الدول العربية إلى ما نسبته 60 % في الوقت الذي لا تزيد فيه عن 3 % فقط في بعض الدول الصناعية، ويبلغ عدد الأميين العرب البالغين 65 مليون أمي ثلثاهم من النساء، ويوجد حالياً عشرة ملايين طفل عربي أعمارهم بين ست إلى خمس عشرة سنة غير ملتحقين بالمدارس، أما استخدام العرب لشبكات الإنترنت فإنه لا يزيد عن 0.6 % في الوقت الذي يصل فيه في الدول المتقدمة إلى ما نسبته.. 35% ، ويتطابق هذا الوضع المزري على كافة مناحي الحياة ليخلص التقرير في النهاية إلى أن الأمة العربية في خطر عظيم.[c1]واقع التعليم في الدول العربية :[/c]إذا كان الفكر هو الموجّه لحركة المجتمع، فإن التعليم هو الأساس الأول لرقيّ الفكر وتطوّره ؛ فبقدر تطوّر التعليم وتقدمه في المجالات جميعاً، يرتقي الفكر ويستقيم أمره ويقوم بدوره على النحو الذي يؤثّر التأثير العميق في البناء الحضاري والنماء الاقتصادي والحراك الاجتماعي.ولا يشذُّ واقع التعليم في الوطن العربي عن هذه القاعدة. ويمكن أن نحصر أبرز مظاهر واقع التعليم في الدول العربية فيما يلي :أ) اختلاف السياسات التربوية والتعليمية في الدول العربية، وتعدّد النظم والمناهج المعتمدة، مما يعزل كلّ دولة عربية عن شقيقاتها عزلاً يكاد يكون كاملاً، وفي ذلك إضعافٌ للروابط الثقافية والمعرفية بين هذه الدول، وتقليلٌ لفرص الاستفادة المتبادلة من الخبرات والقدرات لتطوير التعليم وتجويده في إطار الجوامع الفكرية والحضارية.ب) عدم مواكبة كثير من مناهج التعليم لتطورات العصر وتقنياته، وتخلّفها عن مجاراة التطورات التي يشهدها الحقل التعليمي على الصعيد الدولي ومتابعتها بانتباه واهتمام، مما يعمّق من الهوة الفاصلة بين التعليم في الوطن العربي والتعليم في العالم المعاصر.ج) ضعف مستوى عدد كبير من المعلمين، إذْ أن أصحاب النسب الضعيفة من حملة الثانوية العامة، هم الذين يوجهون نحو كليات التربية وكليات إعداد المعلمين، وهؤلاء من نتاج النظام التعليمي السائد القائم على التلقين للاستظهار بدلاً من التعليم للتفكير والإبداع، وهم يمارسون بعد التخرج تطبيق هذا النظام، حين يلتحقون بمؤسسات التعليم المختلفة.د) عدم توفّرالبيئة المدرسية في العديد من الدول العربية على المتطلبات الأساس لإنجاح العملية التربوية، سواءً تعلق ذلك بالمباني أو التجهيزات الفصلية والمعملية، أو بفرص التعبير الحرّ عن الآراء، يضاف إلى ذلك المركزية الشديدة في الإدارة، مما يؤثّر تأثيراً سلبياً على العملية التعليمية، ويحدّ من حرية المبادرة والتصرف والتفكير في استنباط الحلول للمشكلات القائمة على مستوى الإدارات التعليمية، وعلى مستوى أسرة التعليم في المدارس وهيئات التدريس وفي المعاهد والكليات أيضاً.هـ) تفشّي الأمية بشكل كبير في العديد من الدول العربية وعدم قدرة تلك الدول على محوها بشكل فعَّال وشامل، على الرغم من الجهود المبذولة والأموال التي أنفقت في هذا المجال.ولقد اخترت عينات من الإحصائيات المتوافرة لدى الإيسيسكو عن أوضاع التعليم في الدول العربية، وهي تمثّل نموذجاً يمكن تعميمه على سائر الدول العربية الإسلامية، أُوجزها فيما يلي:[c1]في سوريا :[/c]ـ نسبة الإنفاق على التعليم : 23,54 % (التعليم الأولي) ـ 22,91 % (التعليم الابتدائي) ـ 14,67 % (الثانوي).ـ عدد الـتلاميـــذ والطـــلاب : 4.144.525 (إحصــــائـيات عـام 2001 - 2000).[c1]في المغرب :[/c]ـ نسبة الإنفاق على التعليم(الأولي) : 18,25 % (الابتدائي) 28,76 % ، (الثانوي) 19,97 % ، النسبة العامة 5,19% .ـ عدد التلاميــذ والطــلاب : 5.369.063 (إحصــــائيــات عــام 2001 - 2000)ـ عدد الخريجين : 26.303 (إحصائيات عام 1999 - 1998)[c1]في السعودية :[/c]ـ نسبة الإنفاق على التعليم : (الأولي) 10,48% ـ (الابتدائي) 11,99 % ، (الثانوي) 12,73% ، الإجمالي 9,27% .[c1]في مصر : [/c]ـ نسبة الإنفــاق على التعلـيم : (الأولي) 24 % ـ (الابتدائي) 22,98 % ـ (الثانوي) 16,95% ، النسبة الإجمالية : 4,05% .وعلى الرغم من قتامة صورة واقع التعليم في الوطن العربي، فإننا لا نذهب إلى القول بفشل سياسات التعليم في الدول العربية على وجه الإطلاق، لأن في ذلك إنكاراً لجهود كبيرة بُذلت، ولا تزال تُبذل، على أكثر من صعيد، ولكننا ننبّه إلى أن الاستمرار في العمل بالسياسات التعليمية القائمة في هذا الميدان، من شأنه أن يُفضي إلى نتائج غير مفيدة لتطوير المجتمع وتمكينه من اللحاق بالدول المتقدمة علمياً وصناعياً.
الإنفاق على التعليم في الدول العربية
أخبار متعلقة