قصة قصيرة
كان يرتدي بدلة عسكرية حادة كالشفرة خضراء مكوية على جسمه العسكري القوي،وقف أمام المرآة فارداً صدره ينظر إلى قامته الرائعة وجسمه المتناسق،ويتأكد من لمعان حذائه الأسود الغليظ وضع آخر حركة لشاربه مع انحراف قامته عن المرآة الطويلة هذه من الأرض حتى السقف ثم أدى السلام العسكري واتجه نحو الباب الذي ظهرت منه امرأة سوداء الشعر متموج ملفوف الأطراف،ممشوقة القوام..سارت بنعومة إليه تزيدها حمرة ثوبها وبياضها أنوثة فخلع قبعته واستقبل جسدها الذي طرحته عليه ثم همس في أذنها.سوف أعود بعد ثلاثة أيام لن أتأخر وسأكون مشتاقاً إليك إلى أبعد ما يكون.نظرت إليه بخوف مدلل وحنينٍ سبق فراقه:أحبك وأخاف من خوفي عليك.وماذا تقولين عني،أنا أخاف عليك من النسمات البريئة.ثم غلفها بحنان راجياً ألا تقلق،كانت تتقبل الأمر بشيء من الصعوبة أيام كان الحب فيها يجمعهما عند المحطة أو في النادي أو على شاطئ البحر وأمام غروب الشمس لكن الأمر اختلف هذه المرة،هي تحس بشيء يقبض صدرها ويعتم على أفكارها ويجعلها قلقة ومتوترة.أبعدها عنه من كتفيها الصغيرين ووضع قبعته على رأسه وسار بخطوات ثابتة إلى الباب ثم وقف قليلاً من دون أن يستدير وذهب،ظل صدى وقع أقدامه الراحلة يتردد إلى أذنيها منذ ذهب ولم تستطع النوم فأخذت وسادته ووضعت خدها عليها تحاول أن تجده في رائحة الوسادة،لكن لفها شوق كبير سقاها مرارة البين،أرقها وحول سريرها الناعم حجراً صلداً كالجليد.بعد ثلاثة أيام نزلت إلى السوق واشترت فستاناً جديداً وأصلحت شعرها عند الكوافير،كادت أن تطير من على سطح الأرض،الساعة الرابعة أخذت حماماً ساخناً،الساعة الرابعة و30 دقيقة ارتدت فستانها الجديد،الخامسة والنصف انتهت من مكياجها،السادسة اتصلت بالمطعم تؤكد طلب العشاء،6:30 طرق الباب،جرت إلى الباب بلهفةٍ،فتحته بابتسامةٍ كسرها الجمود حين رأت الرجل موصل الطلبات حاملاً الكعكة التي حجزتها من محل الحلويات،رتبت الأدوات على الطاولة في السابعة ذكرت أنها لم تطل أظافرها فهرعت إلى غرفة نومها وطلت أظافرها بطلاءٍ وردي فاتح ثم رشت على صدرها وعنقها عطراً فرنسياً،7:20 انسابت الموسيقى الرومانسية الراقصة وأنزلت الأطباق على الطاولة المستديرة،7:30 أنزلت الشموع وأقامتها في كل مكان،7:40 أشعلت كل الشموع7:50 أنعشت شعرها أمام المرآة وتفحصت نفسها بإحساسٍ عالٍ بجمالها وأنوثتها ثم قالت- حانت الساعة الثامنة حبيبي سيأتي،عاصم سيأتي 7:56رن جرس الباب،فتحت الباب راسمة ابتسامة حمراء،يبرق الشوق من عينيها ورياح اللهفة كالسهام،ورأت من الباب ثلاثة رجال يلبسون زياً عسكرياً جاؤوا بصفة شخصية،رأتهم ذات مرة يمشون مع عاصم عندما كانت تنتظره في نهاية الشارع ليذهبوا إلى المطعم ذاته قرب البحر،كما يفعلون كل يوم خميس حتى الغروب،لكنهم هذه المرة يحملون وجوهاً صفراء وعيوناً هامدة مغطاة برماد الحزن الذي قتل بريقها،أشاحت بوجهها خلف الباب واستندت عليه ثم قالت بتهالك- مات؟! ثم قال أحدهم وهو يتجاذب قبعته بين يديه الحائرتين- عليك أن تكوني فخورة بأن زوجك شهيد..شهيد من شهداء الوطن المفقودين،قال وقال ولم ترد عليه بكلمة حتى انصرفوا..،جلست بين الشموع الموسيقى تتجول بثوبٍ أسود طويل وتتخبط بين مشاهده.