[c1]مثقفون يراجعون مصطلح التطبيع بعد استقبال مصر موسيقياً إسرائيلياً[/c]- القاهرة/14أكتوبر/ رويترز: قبل نحو ثلاثين عاماً كان خيال كثير من أهل مصر ومثقفيها يعجز عن تصور دعوة إسرائيلي للعزف في دار الأوبرا المصرية واستقباله بحفاوة يعزوها البعض إلى ما يراه اعتدالا في نظرة الموسيقي دانيال بارنبويم إلى الصراع العربي الإسرائيلي.ففي عام 1980م عبر المواطن المصري سعد حلاوة (33 عاماً) عن رفضه للتطبيع باحتجاز بعض موظفي الوحدة المحلية بقريته كرهائن وأطلق من مكبر للصوت أغاني وطنية وأبلغ الأهالي الذين يعلمون طيبته أنه ليس شريرا ولا ينوي إيذاء أحد بل يحتج على استقبال الرئيس السابق أنور السادات لأول سفير إسرائيلي بمصر ويطالب بطرد السفير لكن الشرطة حاصرته حتى قتل واتهم بالجنون.وكتب الشاعر نزار قباني تحت عنوان (صديقي المجنون سعد حلاوة) قائلاً “هو مجنون مصر الجميل الذي كان أجمل منا جميعا وأفصح منا جميعا...القصة انتهت كما تنتهي قصص كل المجانين الذين يفكرون أكثر من اللازم ويحسون أكثر من اللازم ويعذبهم ضميرهم أكثر من اللازم.. أطلقوا النار على المجنون حتى لا ينتقل جنونه إلى الآخرين.”وقدم بارنبويم الخميس الماضي حفلاً موسيقياً بالاشتراك مع أوركسترا القاهرة السيمفوني في دار الأوبرا لكن زيارته للقاهرة تضع “الثوابت الوطنية” في رأي كثير من القوى السياسية المصرية على المحك.فالسينارست أسامة أنور عكاشة يقول إن “الفن ليس له وطن لأنه يقدم لغة أخرى يجب أن نتحدث فيها بمنطق خارج السياسة ثم انه (بارنبويم) ليس مسؤولاً عن جرائم إسرائيل في حق الفلسطينيين وبعض الإسرائيليين غير مسؤولين أيضاً” مضيفا أن الساسة والعسكريين هم المسؤولون.لكن عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث يشدد على أن الفنان يحمل رسالة ولا ينفصل فنه عن موقفه السياسي “ ولم نسمع أنه (بارنبويم) كان له موقف من حصار قادة بلاده لغزة أو أنه استقل إحدى سفن كسر الحصار القادمة من قبرص في بداية 2009 وكان عليه أن يصدر بياناً يتبرأ فيه مما فعلوه في غزة” في إشارة إلى الغارات الجوية والهجوم البري الإسرائيلي الذي شنته إسرائيل على القطاع المحاصر لمدة 22 يوماً وأودى بحياة نحو 1300 فلسطيني بينهم 410 على الأقل من الأطفال وأصيب نحو 5300 شخص بينهم 1631 طفلاً.وكان بارنبويم صديقا للمفكر الفلسطيني ادوارد سعيد (2005-1935) وتبنيا تأسيس فرقة موسيقية تجمع عازفين يهود ومسيحيين ومسلمين إيماناً بما اعتبراه تعايشاً مشتركاً بين الديانات.وأشار بارنبويم عشية الحفل في مؤتمر صحفي بالقاهرة إلى انه يحمل الجنسية الأرجنتينية حيث ولد والجنسية الاسبانية باعتباره أحد المهتمين بحوار الحضارات الذي تدعمه مدريد والجنسيتين الإسرائيلية والفلسطينية حيث منحته السلطة الفلسطينية جواز سفر في يناير 2008م.وأضاف أنه دخل مصر بجواز سفره الاسباني وأن تلميذة فلسطينية قالت له حين عزف في رام الله قبل سنوات “أنت أول من يأتي من إسرائيل لا يحمل سلاحا” وهي ألان في التاسعة عشرة وأصبحت إحدى أعضاء فرقته، موضحاً أنه لا يعتبر زيارته لمصر تطبيعا وقال “أتيت لأقدم موسيقى.”وتساءل عاصم الدسوقي قائلاً: “إذا لم يكن حضوره تطبيعا فماذا يكون التطبيع.. زيارته جزء من التطبيع ومن نتائج معاهدة السلام (التي وقعتها مصر وإسرائيل 1979) لكن بعض رموز اليسار المهجن يفصلون الفن عن السياسة.. بارنبويم كشف عن وجهه السياسي حين خطب بعد العزف” في إشارة إلى قول بارنبويم في الحفل انه تربى في إسرائيل وتعلم فيها وتألمه بسبب احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.ومنذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل يرفض المثقفون المصريون كل أشكال التطبيع مع إسرائيل بمن فيهم وزير الثقافة فاروق حسني الذي يصر على رفضه التطبيع حتى يتم تسوية القضية الفلسطينية.ويرى مثقفون مصريون أن وزير الثقافة يسعى لاسترضاء إسرائيل قبيل انتخابات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) حيث رشحته بلاده مديرا للمنظمة كما يتهمونه بالتنازل بقبول هذه الزيارة التي أثارت جدلا واسعا في الآونة الأخيرة.ففي يوم الحفل كتبت المستشارة تهاني ألجبالي مقالاً عنوانه ( ضمير المثقف بين شابلن وبارنبويم) في صحيفة الأهرام الرسمية قارنت فيه بين رفض شارلي شابلن أن يحصل على الهوية الإسرائيلية “رقم واحد” بحجة أن “سم العنصرية النازي قد تسلل من جسد الجلاد إلى الضحية فأصبحت جلادا بدورها تبحث عن ضحية ستكون هي الشعب الفلسطيني” وموقف بارنبويم الذي قالت إن عليه مواجهة نفسه بسؤال “هل يقبل الانتماء لدولة تقوم على العنصرية الدينية والعرقية أم لا..”وفي اليوم نفسه كتب الناقد السينمائي سمير فريد في صحيفة (المصري اليوم) المستقلة مقالاً عنوانه (اليوم يشع الجمال من أصابع دانيال بارنبويم في مصر الحضارة) شدد فيه على أن مصر تشهد بحضور بارنبويم “حدثا كبيرا سوف يذكر في تاريخها.”ولكن الكاتبة فتحية العسال أوضحت أن هذه الزيارة “تجعلنا نعيد التذكير بضرورة رفض التطبيع. الزيارة تدعونا لتثبيت الموقف الرافض (للتطبيع) وليس إعادة النظر فيه. كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل تدفعنا للتمسك بما أعلناه من مواقف.”
دانيال بارذبويم لدى وصوله مركز اسلامي الارجنتين