غضون
* أمس فاجأتنا اللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي شكلها مجلس الشورى استجابة لدعوة الرئيس بأن ينظم المجلس حواراً وطنياً بين كافة قوى المجتمع، فاجأتنا بقرارها توجيه الدعوة إلى ستة آلاف للمشاركة في الحوار وقالت إن هؤلاء سيكونون من مناضلي الثورة وأساتذة جامعات وشخصيات اجتماعية وسياسيين وأدباء وبرلمانيين و.. و.. و.. هل هؤلاء سيكونون بديلاً للقوام الذي حددته رسالة الرئيس لمجلس الشورى أم إضافة إليه؟ وفي الحالتين أي حوار سيتم بين مثل هذا الجمع الذي يفوق عدد من يحضرون لمشاهدة لعبة كروية في ملعب الفقيد المريسي!قبل الوحدة تحاورت الأطراف المؤثرة في الجنوب عبر ممثلين محدودي العدد وانتجت تلك القلة أو النخبة وثيقة عمل سياسي وحزباً حاكماً، وفي الشمال شكلت بعد ست سنوات من ذلك لجنة الحوار الوطني المكونة من (51) عضواً وانتجت أفضل وثيقة سياسية في تاريخ اليمن وهي الميثاق الوطني وعلى أساسها نشأ المؤتمر الشعبي العام، بينما نحن اليوم سنتحاور على قضايا محددة وفي ظل وجود مؤسسات دستورية قائمة، فالحوار لا يتعلق بإنشاء مؤسسات وأطر تنظيمية بل بإصلاحها إلى جانب قضايا أخرى يجب أن تحدد، ولا معنى لعبارة “كافة القضايا” وكذلك “كافة أبناء الوطن”.* الحوار الحقيقي والمنتج لن يتم إلا بإشراك القوى الحية والفاعلة وعبر ممثلين لها، وأن تحدد قضاياه وموضوعاته بما هو أهم الآن، وكما هو محدد في اتفاق فبراير إضافة إلى الحكم المحلي والقضايا الملتهبة، إذ أزعم أن الحوار المنتج هو الحوار المنظم الذي يدور حول تلك القضايا بين ممثلي الأطراف القادرة على تشخيص المشكلات وتقديم أفكار جديدة ومقترحات بالحلول، أما أن توسع الدائرة ليدخلها من هب ودب ويتم المساواة بين الباحثين عن حلول وبين صناع المشاكل وأن نساوي بين العباقرة والبلداء، فهاهنا سنكون بإزاء “فنطسية” أو هرج ومرج.إن ما يعطي شرعية لنتائج الحوار ليس كثرة المتحاورين، بل أصالتها وتلبيتها للاحتياجات الحقيقية للبلاد، وهذا أمر تنتجه النخبة وتقره ثم ينقل إلى المؤسسات الدستورية لتحوله إلى صيغ دستورية وقانونية وقرارات تنفيذية، وأعني بالنخبة ممثلي أطراف الحوار ليس لأنهم نخبة مميزة فوق الآخرين بل لأنها حاملة رؤى الجماهير ورؤى أحزابها.* أحزاب اللقاء المشترك شكلت قبل عام تقريباً لجنة أسمتها اللجنة العليا للتشاور الوطني قالت إنها ستجري لقاءات ومشاورات وندوات وحلقات نقاش حول الأزمة الوطنية وصولاً إلى مؤتمر للحوار قالت سيشارك فيه عشرون ألفاً ثم قالت عشرة آلاف ثم ثمانية آلاف، وفي الأخير عقد المؤتمر في مايو بحضور أقل من ألف لإقرار رؤية الإنقاذ ثم لجنة تحضيرية لحوار مهمتها طرح الرؤية للحوار، وصاغوا الرؤية مرة ثم نقضوها ثم أعلنوها ثم يحضرون لتطويرها .. وفي الأخير لا يزالون في البداية ولن يصلوا إلى “طريق” .. لأنهم يريدون “وضع جميع القضايا” على مائدة حوار، ولأنهم يريدون أن يحاوروا “كافة مكونات وتكوينات القوى السياسية والاجتماعية والمواطنين” فلم يستطيعوا إلى الآن تقرير أمر قضية واحدة، كما لم يتمكنوا من محاورة أحد غير أنفسهم في أحسن الحالات تفاؤلاً.