القاص محمد أحمد عبدالولي
عمر عبدربه السبع :لقد تبوأ القاص اليمني محمد أحمد عبدالولي مكانة مرموقة في تاريخ الأدب اليمني الحديث ، رغم حياته القصيرة ( 1940 - 1973م ) التي لا تتجاوز الثلاثة والثلاثين عاماً ، إلا أنها كانت حافلة بالأحداث ومكتظة بالتجارب ومفعمة بالخبرات الواسعة والمعانات الصادقة والثقافة العالية فانعكست على أعماله القصصية بنضجها الفني وحبكتها السبيكة والمبتكرة ونزعتها المتجددة مما حدا بالعاملين في الساحة الأدبية اعتباره رائداً عظيماً من رواد القصة القصيرة على وجه الخصوص . [c1]أوراق ثقافية نظرية القرن[/c]ألبرت أينشتاين صاحب أعظم نظرية علمية في القرن العشرين كان منذ صغره مولعاً بالموسيقى والعزف على الكمان وقراءة الكتب الهندسية .. قدم اينشتاين في عام 1905م النظرية النسبية للعالم والتي تعتمد في الأساس على معادلة غاية في البساطة كانت فيما بعد أساس اختراع القنبلة الذرية ولم يستطع أي عالم إثبات النظرية عملياً حتى عام 1945م .كانت القنبلتان الذريتان اللتان دمرتا هيروشيما وناجازاكي الإثبات العملي للنظرية . في عام 1923م حصل اينشتاين على جائزة نوبل لجهوده واكتشافاته وليس بسبب النظرية النسبية. [c1]حامل الأفكار [/c]يعتبر الألماني يوهان جوتنبرغ أول من استخدام حروف الطباعة المنفصلة في عام 1398م عاش في مدينة ( ستر أسبورج ) الفرنسية حيث وضع أساس عمله المهام في إطار التجديد التقني الشامل في مجال طباعة الكتب .. عندما أخترع آلة الطباعة في عام 1436م التي أعتبرت قفزة كبيرة إلى الأمام سهلت انتشار العلوم والأفكار سريعاً . قبل ذلك كان الناس يطبعون النصوص بواسعة ألواح خشبية محفورة لكن آلة جوتنبرغ ومارافقها من ضع النماذج والحروف المعدنية القابلة للتبديل سمح لأول مرة بطباعة الكتب بكميات كبيرة .. جاء ذلك بعد أن أنشا جوتنبرغ في مدينة ( ماينز ) مسقط رأسه أول مطبعة قامت بإصدار أول طبعة من الإنجيل في عام 1455 توفي جوتنبرغ في عام 1468 وكان له الفضل الكبير في إختراع آلة الطباعة وتطورها فيما بعد . [c1]الجاحظ [/c]هو أبو عثمان عمرو بن بحر ولد في البصرة عام 159 هجري .. عاش فقيراً يبيع السمك والخبز وقد أولع بالقراءة فكان يؤجر دكاكين الوراقين يبيت فيها للمطالعة .. وعن ثقافات عصره وأحاط بجوانبها .. نزل بغداد فولاه المأمون ديوان الرسائل لكنه تركه لينصرف إلى المطالعة والتأليف ومن أشهر مؤلفاته :البخلاء - البيان والتبيين - الحيوان أصيب بالفالج في أواخر حياته ولكن ذلك لم يمنعه من التأليف إلى ان وقعت فوقه على نحو ما يروى مجلدات مؤلفاته فكانت سبب وفاته في البصرة عام 255 هجري . فقد ولد محمد أحمد عبدالولي في إثيوبيا من أب يمني وأم حبشية ، فعاش الثلث الأول من حياته في مسقط رأسه ، ثم انتقل إلى قاهرة المعز ، فتلقى دراسته الثانوية هناك في أرض الكنانة ، ثم سافر إلى موسكو لمواصلة الدراسة ، وكان بين الحين والآخر ينشر قصصه القصيرة في الصحف والمجلات اليمنية والعربية ، وكان له أصدقاء مثقفين وأدباء في كل من مصر واليمن وموسكو ، وتأثر بهم ، وقد عرف أنه كان شغوفاً بأعلام القصة الروسية ونخص بالذكر القاص تشيكوف ، والقاص ليو تولستوي وكذا القاص ديستويفسكي ، وقد تأثر بهما أيما تأثير ، فقد قال شاعرنا الكبير عبدالعزيز المقالح إن إعلام القصة الروسية أثروا في كتابات محمد عبدالولي للقصة من حيث أساليب البناء الفني وكيفية التعامل مع اللغة بقدر من الحساسية الشعرية دون أن يفقد الشخوص خصائصهم الواقعية او يفقدوا أجواء الاستجابة والحضور في الواقع المعاش والراهن .. هذا فضلاً عن استفادته الكبيرة من قراءة القصص العربية بنهم , وكذا قراءاته الكثيرة للقصص المترجمة إلى اللغة العربية . وقد قيل عن القاص محمد أحمد عبدالولي أنه عاد إلى أرض الوطن ( اليمن ) في عام 1954م ، وأن صديقه عمر الجاوي ، كاتب مقدمة قصة ( يموتون غرباء ) أشار إلى أن محمد أحمد عبدالولي ، قد بدأ كتابة القصة في عام مجيئه إلى اليمن ، حيث كان عمره لم يتعدى بعد الثلاثة عشر عاماً ، فإذا كان هذا الحديث فيه مقدار كبير من الصحة فلاشك إن البدايات الأولى لكتابة محمد أحمد عبدالولي للقصة القصيرة ، سيصحبها على أحسن الأحوال بضع عيوب في التكنيك الفني والأسلوب اللغوي والسرد الوصفي التقليدي ، فثلاثة عشر عاماً من عمر الإنسان ، لم تحفله بعد بالأحداث والتجارب الجسام ، ولم تسعفه في هضم دهاليز الثقافة وخباياها ، ولن تمكنه من اختزال كل المعاناة البشرية . يقول ( سلام عبود ) : إن بداية القاص محمد أحمد عبدالولي المقبولة في الواقع تعود إلى نهاية عام 1959م مع بدايات قصصه القصيرة المدونة في صحيفة ( الطليعة ) في نوفمبر 1959م كقصة ( تبرعات ) ، وقصة ( رجل من الشمال ) .. وتميزت قصصه بضعف الحوار وسطحيته ، والبناء العام للقصة اتصف بالاضطراب ، وأن قصة ( تبرعات ) مثلاً كانت استجابة فجة لحدث آني ، ومحاولة سياسية لمواجهة واقع سياسي محدد ( راجع : عن محمد أحمد عبدالولي .. أسرار البداية / سلام عبود ص 185 مجلة التواصل العدد التاسع ، يناير 2003م ) .أما مجموعته الأولى ( الأرض يا سلمى ) فقد صدرت في عام 1966م وكانت حدثاً قصصياً له أهمية كبيرة في تاريخ القصة القصيرة في اليمن . فقد قال عنه الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح : لقد أخلص ( محمد عبدالولي ) لفن القصة وأوقف حياته عليه ، ومكنته أعماله القصصية أن يكون في موضع الريادة من كتاب القصة القصيرة في اليمن .. وإنه كان ذو موهبة رفيعة ، ومن أبرز كتاب القصة الشبان في الوطن العربي . ويرى الأستاذ سلام عبود أن محمد أحمد عبدالولي كدح سبع سنوات أو أكثر ليحقق شروط النضج الفني وأن مجموعته ( الأرض يا سلمى )قد أقصى فيها القاص عبدالولي بعض قصصه القصيرة التي رأى بحدسه الفني وبخبرته وممارسته للفن القصصي إنها استعصت عن التطوير .. كما أن قصة ( الغول ) عدل القاص في نص القصة حتى كاد أن يكون نصاً جديداً في مجموعته ( الأرض يا سلمى ) إذا ما تم مقارنته بنصه ( الغول ) المنشور في عام 1959م .ولم يختلف رأي الأستاذ سلام عبود ، عما أتفق عليه الأدباء والنقاد عند قراءاتهم لأعمال القاص المبدع محمد أحمد عبدالولي ، من حيث براعته وخبرته الفنية ونضج أدواته ، وعمق صياغاته ، وقوة موهبته ، إلا في نقطة أن يكون قد ولد للتو مبدعاً ، دون تشكل ودون بدايات متواضعة فنياً .. مؤكداً ذلك في أكثر من قصة ، ويضيف سلام عبود : إن قصة ( الأرض يا سلمى ) كانت في البدء تحمل اسم ( والأرض يا سلمى ) ، وعندنا حذف عبدالولي حرف الواو انتقلت صيغة العنوان من التعجب إلى صيغة التنبه والحرص على الأرض والتشبث بها . يقول الدكتور عبدالحميد ابراهيم( لقد جاء محمد عبدالولي إلى اليمن يحمل في داخله القلق والمعاناة ، فهجم على الحركة القصصية من فوق وغير مسارها ) .ويرى الأستاذ عبدالرحمن فخري أن ابرز الخصائص الفنية للقاص محمد أحمد عبدالولي السرد البسيط إلى حد الشفافية ، وتنامي الشخصية مع الحدث أو الموقف والسخرية التي تختفي وراء الأحداث والحياد الفني الملتزم للكاتب ، وشعبية عناوين قصصه ، فضلاً عن أنه كاتب عرى الواقع بحد ( القلم ) ثم ما لبث أن افتداه بنفسه ( شيء اسمه الوطن / عبدالرحمن فخري ، ص 219 ، مجلة التواصل ، يناير 2003م ).ومن إصدارات الشهيد محمد أحمد عبدالولي مجموعته القصصية الأولى ( الأرض يا سلمى ) ثم ( شيء اسمه الحنين ) وهي مجموعة قصصية أخرى ، ومجموعة ثالثة موسومة ( عمنا صالح ) ، يقال إنها تضمنت عملين مسرحين , وله من القصص الطويلة أو الروايات ، قصة ( يموتون غرباء ) ، والتي كتب مقدمتها الأخ عمر الجاوي ، ورواية ( صنعاء مدينة مفتوحة ) . فهكذا فإن القاص محمد أحمد عبدالولي ، أحد ابرز رواد كتابة القصة في الساحة اليمنية والعربية ، كان يكتب بدلالات رمزية ، وأبعاد فكرية ورؤى جديدة بغية استئصال الواقع المرير وتغييره وبناء حياة جديدة ومجتمع متطور .