سطور
تميزت أواخر الخمسينات حتى السبعينات من القرن الماضي بتطور الكتابة الإبداعية في مصر العربية على أيدي اعلام فكرية كبيرة وعدد من الشعراء المتميزين ما جعل تلك العقود تحظى باهتمامات خاصة وظهور صحف يومية ودوريات مختلفة على قدر عالٍ من المهنية ما جعلها تسهم بصورة وافرة في كسب الثقافة العربية مبادئ كانت مفقودة نظراً لخروج معظم الشعوب العربية من تحت عباءة الاستعمار بمختلف اشكاله.ومصر بموقعها الريادي ظلت ومازالت مصدر اشعاع فكري تنويري لعموم الوطن العربي حيث حرصت دور النشر على ايصال مطبوعاتها لاقاصي المنطقة العربية ونستطيع القول ان الازدهار الثقافي في مصر على أيدي مجموعة كبيرة من كبار الكتاب امثال العقاد ومصطفى أمين وأحمد امين والراحل مؤخراً مصطفى محمود، والروائي نجيب محفوظ ويوسف ادريس وغيرهم كثير هذا إلى جانب ما شهدته ذات الفترة من اعمال تلفزيونية واسعة اثرت أيما تأثير في تشكيل الوعي الثقافي العربي رغم المآخذ على السينما المصرية إلا أن الصورة بمجملها كونت ثقافة مجتمعية واسعة حيث ظلت اسهامات السينما المصرية والاعمال التلفزيونية هي المسيطرة في عموم مناطق الوطن العربي الذي خرجت بلدانه لتوها من ماضيها الاستعماري بكل مافي واقع حقبته من ظلم، وكبت وشعور بالغبن جعل المواطن العربي بعد كل تلك العهود يتوق وبشدة لأي اعمال ثقافية عربية وأن لم تكن بعضها موفقة إلا ان الصورة العامة منها قدر من الفوائد والمزايا التي لايمكن انكارها لتظل مصر رائدة هذا المجال حتى اللحظة ولعل الاهتمامات الراهنة بتطوير الاعمال الفنية والثقافية لدى الاشقاء في مصر تأتي في نفس الاتجاه الذي بدأ في زمن مبكر رغم تبدل مفاهيم وأدوات وطرق العمل وحتى الوصول للمشاهد اينما وجد بحكم الثورة العصرية التقنية.فعلى صعيد الاهتمام بثقافة الكتاب كان لاحياء مكتبة الاسكندرية الضخمة ما يوحي بترسيخ فكرة القراءة باعتبارها المنهل الذي لاغنى عنه في تشكيل الوعي الثقافي حتى مع تعدد الوسائل بما فيها تقنيات الشكبة العنكبوتية .. مع أملنا بترسيخ هذا المفهوم في أذهان الناشئة العرب خصوصاً وأن الاحصائيات الراهنة تشير إلى تراجع مخيف في الاهتمامات بالكتاب والقراءة والمكتبات في حين أخذت تأفل الكتابة الإبداعية المعهودة من معظم الدوريات والصحف اليومية العربية التي كانت حتى وقت قريب تعتمد أعمدة أفضل الكتاب والمفكرين في أعمدتها اليومية. ما جعل الصحافة الراهنة تبدو (سندوتشات) بمضمون لايمكن ان يرتقي إلى مستوى الكتابة الإبداعية في حين تراجع الاهتمام باللغة إلى درجة بات معها بعض المفكرين العرب يطلقون تحذيرات شديدة من استمرار الوضع لما في ذلك من تأثير على اللغة العربية التي بدت غريبة في ديار أهلها حتى أن معظم ما أنجز من مؤسسات عربية في النحو والبلاغة والمعاجم أتى من بلدان عربية ومن أسماء اعجمية، وهنا تكمن المفاجأة غير السارة أي أن العرب يستوردون حتى معاجم وقواميس وابحاث لغتهم الأم من خارج حدود أمتهم العريقة.وعلينا تخيل الاثر الشديد لغربة العربية في وطنها الأم أعني امتدادات الأثر للجيل الجديد الذي يتحصل على العلوم الأخرى عبر مفتاح لغته الأم فمدارسنا خالية من المكتبات بل أن مجتمعاتنا شهدت تراجعاً مخيفاً في مجال ثقافة الكتاب والاعمال الأخرى التي تدعم اللغة الأم وتوقظ جذورة اهتمامات العقل بها .. ولا نجد بارقة أمل في العهود إلى عقود ابداع العربية إلا من خلال إعادة الاهتمام بها في مدارسنا وجامعاتنا ناهيك عن نشر وتأهيل ثقافة القراءة لما لها من أهمية محورية.