د. مبارك حسن خليفة:كل قطعة في اليمن فيها حب وعشق لمحمد مجذوب،وكانت المكلا احدى معالم هذا الحب وهذا العشق ، فكتب عنها مقطعان من "قصيدة المكلا" من وحي زيارة للمكلا.المقطع الأول ـ قاف المكلا :محمد مجذوب ، وهو يكتب الشعر، لاينسى انه معلم اللغة العربية، فأول ما استرعى انتباهه طريقة نطق "القاف" عند أهل المكلا، ومما هومعروف ان اهل حضرموت وصنعاء والسودان ينطقون حرف "القاف" بطريقة خاصة، لايصدر عن "الحلق " كما هو في اللغة العربية الفصحى :[c1]أي سحر فيك يا "قاف" المكلاوجمال وبهاء ؟؟كنت في أدني حرفاً "ابجدياً "من حروف "الحلق"من قبل الزيارة قبل ان يحملني عشقي إلى حضن المكلا[/c]ويتوجه الأستاذ محمد مجذوب للاجداد والاباء في أرض العرب ويطلب منهم ان ينطقوا القاف ، كما نطقتها تلك الحسناء الحضرمية فصار "شهد دوعن ـ كوثر الجنة ـ وحيا من سماء " يقول :[c1]أيها الاجداد والآباء في أرض العربان نطق القاف ـ ان رق ـ حلا[/c]فلماذا تنطقون القاف تفخيماً " كذا":[c1]مثل نطق "الفقهاء"لهذا هربت من نطقكم أرض السعادة ، المكلا، حضرموتهرب السودان[/c]المقطع الثاني: دهشة حقيقة الأمر هي عدة دهشات، الدهشة الأولى عندما رحب به مضيفه بالتحية السودانية المعروفة :[c1]مرحباً " يازول" "حبابك"والدهشة الثانية عندما قال له:كل تفضل[/c]وقدم له انواعاً من الطعام السوداني، لان مضيفه طبيب درس في السودان يعرف الاكلات السودانية المشهورة:ثم توالت الدهشات، إذ وجد مجذوب نفسه يعيش في "جو" سوداني، بما في ذلك الاستماع إلى الاغاني السودانية، وسماع الاغنية الوطنية العزيزة على نفس كل سوداني "عزة" وقد ثمل من الوجد الذي هزه بعد ان استمع إلى الأغاني السودانية القديمة التي عرفت باسم اغاني " الحقيبة" والى "الدان" الحضرمي:[c1]رحل الليل ولم ندر بههزنا الوجد فصرنا ثملين:بارتشاف الشعر و"الدان"والحان "الحقيبة"[/c]هزت احداث 13 يناير 1986م ضمير اليمنيين وضمير كل من له علاقة باليمن، فكيف بمحمد مجذوب الذي عاش عشق اليمن وحب ووجد اربعين سنة، كيف به وهو يرى عدن ـ رمز اليمن ـ وهي تحترق وتصير مدينة اشباح، اريد لها هذا، واريد لها ان تركع وتطأطئ رأسها ، واريد لها ان تكون طائعة مروضة، فيقول في قصيدة " قالوا عدن .. قالت عدن" :[c1]قالوا عدننجح المخطط حيث شئنا ، بعد يأس ـ تحترقومدينة "الأشباح" قد صارت اجلركعت تطأطئ رأسهاستكون طائعة، تروضها، لنا، اهلا عدن[/c]ويمضي محمد مجذوب في الحديث، عن غياب كواكبها وذبح الكوادر، وقد اصبحت عدن " كواق واق والخل الوفي" ، لكن سرعان مايتخلص من اثر المأساة نفسه، ويحل التفاؤل محل لتشاؤم ، ويتحدث بلسان عدن قالت عدن :[c1]أنا ما ركعت وما خضعت ولم .. ولن ..فمن الذي تحنى له "عدن" الأبية رأسهاأنا شامخةكفكفت دمعي والجروحضمدتهاوحضنت حزبي والديار بهمة رممتها ووصلت خط "التجربة"ونهضت ـ والأعباء تثقل كاهلي ـ [/c]وسموت :[c1]عدت القلعة الشماءشدت عزمها الانواءزاد بها الثمنقالوا عدن .. قالت عدن [/c]وهناك قصيدة منفردة في ديوان الأستاذ محمد مجذوب، كتبها عام 1985م ولكن جاء ترتيبها في الديوان بعد قصيدة " قالوا عدن .. قالت عدن " التي كتبها عام 1986م، واعني قصيدة " شق السد" وهي تستوحي قصة بناء سد مأرب وانهياره.يقول محمد مجذوب مخاطباً اليماني الذي بني السد:[c1]... ونحت الصخرحبست النهربنيت السدوجلست هناك على القمةتنعم بالراحة بالاضواء[/c]ويقول مخاطباً من بني السد: ولأنك تعلم ان السد يحيط به شر الأعداء فإنك احكمت دفاعك احكاماً وسهرت عليه فما غفلت لك عين :[c1]ان السد يحيط به شر الأعداءأحكمت دفاعك إحكاماًيتحدى القادم أو من شاء وسهرت عليهفما غفلت لك عين [/c]يقول مجذوب :[c1]وتمر سنين بعد سنينوالسعد يظلل دنياكلكن .. واه من لكن[/c]ما سبب هذا الاستدراك وما سبب هذه الاه الحزينة العميقة؟ .. ذلك لان مجذوب، رأى الماء يتسرب من شق في السد لان بانيه ـ في لحظة ضعف، نسى السد بسبب انشغاله عنه بأمور ذاتية محضة :في لحظة ضعف من "غرة"[c1]فرحت اعماقك بالحورفي جناتافكارك غاصت في الذات فشغلت عن "السد العالي"ماعدت الحارس والمهمومفاهتز السد وشاهدناشقا يتسرب منه الماءومجذوب لايملك إلا ان يصيح منبهاً للخطر الداهم:فتداركفالشق خطيروالسد كبير[/c]اقول ان قصيدة "شق في السد" قصيدة متفردة لان قراءتي المتأنية لها كشفت لي عما هو خلاف المعاني المباشرة، بل ان معايشتي للواقع في جنوب اليمن جعلتني أقف على ماتوحي به القصيدة من معنى غير الذي يواتي القارئ مباشرة.ان قصة بناء السد وانهياره، وصياغتها شعراً بغرض تسجيلها تاريخاً لاقيمة لها فنياً ، إذا لم توظف لهدف آخر، وأنا أزعم ان السد هو رمز للنظام الاشتراكي الذي كان قائماً في جنوب اليمن، وباني السد هو الحزب الاشتراكي اليمني، الذي بنى "السد" أي ذلك النظام واحكم الدفاع عنه، وسهر عليه، ولم يهدا له بال حتى كمل بناؤه، ولكن في لحظة ضعف كانت الغفلة، فظهر شق في السد، والشق رمز للخلافات والصراعات الداخلية في الحزب الاشتراكي اليمني، والاهتمام بما هو ذاتي ، فتسرب الماء من السد بعد ان ظهر فيه " الشق" فارتفع صوت الشاعر منبهاً، محذراً :[c1]فتدارك امرك يا "هذا"فالشق خطيروالسد كبير[/c]ولكن بح صوت الشاعر ولم يسمعه احد فكانت المأساة مأساة 13 يناير 1986م.ولا أحسب ان قوله : " السد العالي " جاء اعتباطاً فمعلوم ان السد العالي في مصر، ولكن كلمة " العالي" في القصيدة، ووضعها بين قوسين فيه تمييز بين سد مأرب والسد العالي الذي هو الحزب الاشتراكي اليمني. وكذلك اسم الاشارة "هذا" الموضوع بين قوسين انما يشير إلى الحزب الاشتراكي اليمني .. واسم الاشارة هذا يعطينا احساساً بأنه يخاطب من يقف امامه ولايخاطب شخصاً في الازمان الغابرة ، فهل رأى الأستاذ محمد مجذوب ، بعين خياله، بعد استقراء الواقع، اقتراب وقوع الكارثة التي وقعت فعلاً في 13 يناير 1986م ؟ أنا ازعم ذلك وهناك قصيدة اخرى متفردة في ديوان مجذوب هي قصيدة "انور شرف" التي قدم لها بقوله: " أحد طلبة ثانوية الجلاء انتحر بظروف خاصة وينطلق صوت محمد مجذوب الاب والمربي:[c1]"أنور شرف"أبن "الجلاء" وشمعة الصف، اجلأبني أنابالأمس غادرنا "انتحر"[/c]ثم يتحدث عن رحيل أنور بلا وداع، وعن اللغط الذي دار بعد رحيله، هنالك من قالوا ان الانتحار جريمة،وآخرون دافعوا عنه، وآخرون اصابهم الوجوم من هول الفجيعة.ويلتقط مجذوب لحظة تعبر عن علاقة الطالب بأستاذه ، بل علاقة الطالب المبدع بأستاذه الموجه المربي :[c1]أنور شرفمازلت اذكر يوم جئت الي:في ثوب التواضع والحياءمدت يمينك لي " قصيدة"[/c]قال مطلعها الحزين:[c1]"حياتي لم تعد تبقى"[/c]وقلت لي:[c1]استاذ "رأيك لي يفيد"وتركتها في راحتي[/c]ترنوا إليك ـ إلي ـ تسأل:[c1]هل يعود؟هل كان أنور شرف يحس بدنوا اجله؟[/c]ويختتم مجذوب قصيدته بهذين السطرين المتفائلين:[c1]ان الحياة مع الكفاح جميلةصدقني .. يا: أنور شرف[/c]محمد مجذوب الذي عاش الحياة اليمنية ابعادها، ومازال يحلم بالعودة .. احب اليمن واليمنيين، ومن مظاهر هذا الحب انه لابنائه اسماء يمنية: العيدروس ـ الهاشمي ، الدودحية هي آخر العنقود:[c1]دودحيةآخر العنقود صيغت:من مياه " النيل" من "بن اليمن"فلهذا: كل ما فيها حسن[/c]الحسن الذي جمعته من النيل وبن اليمن، جاء من السمرة، التي هي من صفات النيل ومن صفات بن اليمن.ومحمد مجذوب الأب يتمنى ان يطول به العمر حتى يرى الدودحية عروساً تزف إلى فارس الاحلام ـ ابن عمها ـ وسيكون سنداً لها، لانه ذاق طعم الحب:[c1]يكفي ما قد عشتلكن أملي:ان يطول العمر حتىيظهر "الفارس" في دنياكحقاً ابن عمكوسأكون العون لا السد المنيع[/c]وهاهو الأستاذ محمد مجذوب الأب والمربي والصديق لابنته، يحدثها في صراحة عن الحب وعن ترحيبه بنبض قلبها، وتعهده بحفظ سرها، ويقر أنه سميع لحديث الحب الذي يفديه:[c1]مازلت اجلان هذا الحب اقوىولهذا:عنجما "ينبض قلبك"حدثينيتجديني احفظ السر .. واني:لحديث الحب ـ افديه ـسميع "14" [/c]اذا كانت "الدودحية" هي آخر العنقود، فإن قصيدة "دودحية" هي آخر العنقود في ديوان "قمري والمد والجزر" للأستاذ المربي الشاعر محمد مجذوب علي.
|
ثقافة
اليمن في شعر محمد مجذوب 2 - 2
أخبار متعلقة