عاش فقيراً .. ومات غنياً
[c1]* للعشاق غنى محمد سعد .. وأبحر إلى أعماق عالمهم الداخلي ! [/c]مات الفنان الكبير / محمد سعد عبدالله بعد رحلة طويلة وشاقة مع الحياة صارع فيها القهر والخوف والظلم والفقر والمرض بسلاح الفن الخالد وكان رصيده في الإنجاز عظيماً كالبحر والجبل، رغم نوائب الدهر وقسوة الزمن وضيق الحال.منذ ان وعى جيلنا في الخمسينات من القرن الماضي هموم الوطن الذي كان شطراً منه يرزح تحت نير الاستعمار الاجنبي وشطره الآخر يئن تحت سطوة الإستبداد الامامي، كان محمد سعد عبدالله واحدا من الرواد الذين رفعوا بيارق التغيير من اجل وطن حر وشعب سعيد.كان الفن سلاح محمد سعد في كل المعارك التي خاضها دفاعا عن قيم الحرية والحب والحق والعدل والجمال وعلى هذا الطريق صاغ بأفكاره الجديدة وصوته الجميل وانامله الرقيقة رسالة الفن في الحياة فيما كان البسطاء من ابناء هذا الوطن يتوحدون بخيالهم الشعبي مع ابداعاته الرائعة في الشعر والغناء والموسيقى ليرفدوا نهر الحياة مزيدا من القدرة على التجدد، ويكسب الإنسان مزيدا من الأشواق الى الغد الافضل.غنى محمد سعد للانسان وغاص في عالمه الداخلي، حيث نقل من داخل ذلك العالم احاسيسه واشواق عواطفه واحزانه وافراحه الى ذرى الحرية .. ولذلك لم يخلو رصيد محمد سعد الابداعي الحر من الصور الفنية الجميلة التي تجسد تفاصيل العلاقة الخالدة بين الانسان والارض.. الرجل والمرأة .. الاسرة والمجتمع .. القلب والعقل .. الروح والجسد.. الحياة.للعشاق غنى محمد سعد، وابحر الى اعماق عالمهم الداخلي، حيث نجد في تراثه الشعري والفني والموسيقى احساس الانسان بمتعة الحب وبهجة الوصال ووجع الافتراق ورونق الوفاء وصدمة الغدر.للوطن قدم محمد سعد عبدالله اروع الاغاني والقصائد والاناشيد والاهازيج والانغام ، ومن اجل الوطن اسهم بقسط عظيم في تحريض الناس على الكفاح ضد الاستعمار والثورة على الظلم، والتفكير بصوت مسموح بحثا عن لحظة حرية.للفن كرس ابن سعد كل حياته .. وفي محراب الفن حاول اكتشاف الصلات الحية المتبادلة بين الوعي الانساني والسلوك الانساني.للحياة وظف محمد سعد فنه العظيم ليصبح رافدا حسيا وجماليا في مجرى عملية انتاج الدهشة والمعرفة.. ذلك ان الوعي الحسي للاشياء ولايقاع الحياة يتراكم في وجدان المتلقي، ثم تأتي الدهشة لتشكل مرحلة التحول النوعي لهذا التراكم حتى تصل ذروتها بإنتاج المعرفة التي تتحول بدورها الى طاقة للاستشراف والفعل .. وكل ذلك جزء من رسالة الفن العظيم.الفن والحياة عند محمد سعد هما الانسان .. وظيفة الفن عنده هي تخليص الانسان من قيوده، وتمكينه من ان يعيش لحظة حرية في الحياة، ولذلك كان محمد سعد عبدالله حريصا على ان تكون الحرية بيرق الفن والانسان والحياة في آن واحد.حرية الفن عند محمد سعد فرضت عليه تخطي المعاني القديمة والاشكال البالية .. وحرية الحياة عنده لاتكتمل بدون ادراك الضرورة .. ضرورة الحياة وضرورة الحياة الحرة.. وعلى هذا الدرب وظف محمد سعد حرية الفن من اجل صياغة صور اجمل معاني الحياة.اما الانسان فقد كان على الدوام قضية محمد سعد عبدالله الكبرى ومعنى حياته الحافلة بالابداع حيث جاءت اغانيه وموسيقاه وقصائده وكأنها رحلة شاقة في اعماق المجتمع والجغرافيا والتاريخ.عاش محمد سعد عبدالله فقيرا .. وقدم خلال حياته للناس فناً عظيماً .. وعندما رحل عن حياتنا ترك خلفه تراثاً غنياً بكل عناصر الخلود.أبرز ما يميز هذا التراث انه يرمز إلى هوية الأرض التي ارتبط بتضاريسها هذا الفنان العظيم .. ويجسد ذاكرة المجتمع الذي ينتمي إليه .. وبقدر ما كان فنه العظيم عنواناً لهذا الوطن ورسولاً له في العالم المحيط.تعرض الفنان محمد سعد - كفنان عظيم - للظلم والأذى في محطات كثيرة من حياته. ولم يكن يشكو ظلمه لاحد.. بيد انه لم يكن يقبل هذا الظلم على فنه عندما يصبح عدوانا على هويته التي يعتز بها، ولذلك فان محمد سعد عبدالله لم يسكت امام اللصوص الذين سرقوا فنه العظيم بعد ان اصبح جزءا من هوية الوطن الذي انجبه.صرخ محمد سعد في وجه لصوص فنه في بعض دول الجوار الذين درجوا على سرقة اغانيه وتقديمها للناس على غير حقيقتها وهويتها: »ليس مهماً ان تقولوا إن محمد سعد عبدالله هو من صاغ كلماتها ولحنها وأول من غناها قبل عقود من الزمن، ولكن الأهم أن تقولوا للناس إنها أغنية من اليمن«؟!.بسبب فنه العظيم والمتميز سرق كثير من اللصوص والمتاجرين عشرات الاغاني التي كتب كلماتها وصاغ الحانها وغناها الفنان محمد سعد عبدالله في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ولم يكتفِ اولئك اللصوص بتلك الفعلة، بل أنهم اختاروا لها هوية مزورة بعد ان نهبوها خلسة من صاحبها ونزعوا عنها هوية المكان.ما اقسى الحزن حين يرتبط برحيل هامة شامخة مثل محمد سعد عبدالله .. وما أثقل الزمن حين يغيب عنه محمد سعد عبدالله .. وما اثقل الزمن حين يغيب عنه أحد رموز تاريخنا الحديث من حق ابن سعد علينا إحياء ذكراه وحماية تراثه الفني العظيم من عدوان البشر والحجر!، وحين نقوم بشيء من هذا القبيل نكون قد وفينا هذا الرجل بعض ما يستحقه من وفاء وتكريم.