أسامة أنور عكاشة .. إبداع متجدد
ماجدة موريس لم يثر كاتب درامي جدلاً كهذا الذي أثاره أسامة أنور عكاشة على مدى ما يزيد على ثلاثة عقود، فهو “ظاهرة” في الكتابة ، بدءأ من كتابته للقصة القصيرة واتجاهه للأدب في بداياته، ثم دخوله عالم الكتابة للتليفزيون بتحريض صديقه المخرج الراحل فخر الدين صلاح في حقبة الستينات وبعد أن حقق ما حققه من أمجاد في عالم دراما التليفزيون حاول عقد صلة جديدة بين الأدب والدراما باعتبار المسلسل التليفزيوني هو نوع جديد من الأدب المتلفز ، أي انه اقرب لرواية تتحول إلى صور وأحداث من خلال وسيط آخر ، ولهذا بدا يغير في مقدمات بعض أعماله ، فكتب مقالا في مقدمة مسلسل “ارابيسك” إنها رواية جديدة من تأليفه، وجعل لكل حلقة منها عنوانا مختلفا، وهو ما تكرر بعد ذلك في بعض الأعمال ومنها “زيزينيا” التي اختار للجزء الأول منها عنوان “مصر والآخر” والثاني “الولي والخواجة” وبعد كل هذا عاد أسامة عكاشة إلى القصة وبدأ يكتبها من جديد، ثم ذهب بإبداعه إلى المسرح. ومع هذا ظلت لديه طاقة للكتابة يقابلها عقل يقظ يرفض الكثير مما يحدث في الواقع حوله ولا يستطيع الصبر حتي يعبر عن رأيه من خلال الدراما، فكتب المقالات في الصحف في السياسة والاقتصاد وأحوال المصريين ولهذا هو ظاهرة ككاتب ومفكر له قدرات عالية في القول والاحتجاج والصدام مع أي قوي ترفض آراءه وهي قدرات كانت مدعمه أساساً بموهبته العالية ككاتب درامي استطاع أن يجتذب إليه ملايين المشاهدين بعد مجموعة قليلة من الأعمال وربما تحديداً بعد سلسلة تطبيب جراح الناس بعد فتحها والكشف عن مواقع الألم فيها، مع ذلك كله لم تسلم أعماله مثل غيره من العنف والرقابة، ولم يصمت هو أبدا فقد كان دائما ما يرفع صوته ويقول آراءه غير عابئ بما تحدثه وآخرها في رمضان الماضي دعوته لفصل الإعلان عن الدراما وفصل ارتباط إنتاج الأعمال الإبداعية عن تمويل المنتج أو رغباته في تفضيل هذا النجم أو ذاك، طلب مني المساهمة معه في هذه الفكرة من اجل دراما أفضل لا يتحكم فيها المعلن أو النجم، قلت له أن الوقت فات وربما بعد رمضان لكنه عاد ليطالب بفصل الشهر الكريم عن مهرجان الدراما الذي يقام فيه، كان يري أن الأمور تسير في غير صالح الإبداع، ومعه كل الحق، وكان بعد كل هذا النجاح والمجد يعاني مثل غيره الأقل نجاحاً وشهره. عانى منذ عامين حين عرض مسلسله الأخير “المصراوية” على شاشة دبي حصرياً ولم يعرض في مصر علي جمهوره الطبيعي وعاني بسبب ما يتعرض له الكتاب من غبن في إطار سياسات تعظيم النجوم فقط أي نجوم التمثيل، وعاني لأن أسلوب الإنتاج يجبر الكاتب على سلق الدراما وعدم التجويد بسبب اللحاق بموسم العرض في رمضان.. كان يشعر بمسئوليته تجاه كتاب جدد موهوبين كما شعر بالمسئولية عما يحدث للمصريين منذ بداياته، وليس هذا نوعا من الغرور ولكنه نوع من البصيرة النافذة يتمتع بها القليلون من أمثاله جعلته يتوقع أموراً كثيرة حدثت بعدها بسنوات في مصر، ولعلنا نذكر جميعاً مسلسله البديع “الراية البيضاء” مع المخرج الكبير محمد فاضل والذي منعته رقابة التليفزيون في حينه “عام1989” وكان لها عليه 27ملاحظة، ولم يمكن مشاهدته الابتدخل الأستاذ صفوت الشريف وزير الإعلام وقتها والذي أمر بالإفراج عنه، كاملا ولنرى في نهايته ذلك المشهد العظيم وغير المسبوق للناس من كل الأعمار والمهن وهي تجلس في الشارع معلنة الاعتصام ورفض هدم فيلا تاريخيه استولت عليها المعلمة فضة تاجرة السمك وقررت هدمها لبناء برج سكني مكانها، ولينتهي المسلسل والبلدوزرات تتراجع أمام الناس الجالسين في الشارع علي رصيف تلك الفيلا البديعة، 21عاما كاملة سبق أسامة عكاشة الناس توقعاً لهدم الفيلات والعثارات التاريخية والثقافية في مصر محرضاً اياهم - أي نحن مشاهديه - علي الاعتصام والتظاهر هذا .. ودعاً أيها الكاتب الكبير .. ولا وداع مع الإبداع الباقي .