محمد زكريافي أثناء القصف الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة الباسلة، وصواريخ أعداء الحياة تفتك وتقتل الأطفال الرضع ، والشيوخ والنساء، والكهول وأجسادهم الممزقة ملقاة على الشوارع ، والبيوت سويت بالأرض، والنار تلتهم الحجر والشجر، ترامت إلى مسامع المراسلة الايطالية التي كانت في قلب تلك الأحداث الدامية والمأساوية على الشعب الفلسطيني لتغطية تلك الحرب البشعة ، أغان وطنية تنبعث من أفواه الشباب وهم قابضون على زناد أسلحتهم الكلاشينكوف أمام الطائرات الإسرائيلية الأباتشي ، و أف 16 الأمريكية الصنع . كانت تلك الأغاني الوطنية تشعل هؤلاء المقاتلين الشباب من الفلسطينيين بالحماسة والمقاومة . وعقبت المراسلة الإيطالية والذي شاهدها الملايين من المشاهدين وهي تجهش بالبكاء ـــ متأثرة من مشاهد القتل والدمار والخراب الذي حل بغزة وأهلها ـــ، قائلة بما معناه : “ إنّ شعبًا مثل هذا يصافح الموت والابتسامة لا تفارق وجهه ، والخوف والخور لا يعرفان طريق قلبه و يملك عزيمة ، وإصراراً لا يلين أمام قوة عاتية تعد من أقوى جيوش العالم وهو الجيش الإسرائيلي لا بد أنّ ينتزع انتصاره في يوم من الأيام “ . وختمت حديثها ، قائلاً : “ أنّ الفلسطينيين يرسمون ملحمة الصمود والحياة في أروع صورها “ .[c1]الفلكلور والنضال الفلسطيني[/c] ولسنا نبالغ إذا قلنا إنّ التراث الفلسطيني يجسد تجسيدًا حيًا ودقيقاً ومفصلا عن قضاياه النضالية المصيرية ضد أعداء الحياة الذين يرغمونه على التنازل عن حقه المشروع المتمثل بالحرية ، والكرامة ، والعزة ، والحياة، وإقامة دولته الشرعية على أرضه . ومن بين الفلكلور الفلسطيني الذي له مكانة كبيرة في قلوب ونفوس الفلسطينيين والذي بات جزءاً لا يتجزأ من نسيج حياتهم اليومية وهي الأغاني الشعبية الوطنية التي جسد الصمود والتصدي والتحدي ضد العدوان الإسرائيلي وغطرسته الذي يكتسح المدن الفلسطينية بدبابته ، وطائراته لإطفاء جذوة النضال الفلسطيني. ولقد عبر أحد المراسلين البريطانيين في إذاعة ( C . B . B ) البريطانية أّنه من خلال خبراته ودرايته الواسعتين بالفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية ( رام الله ) وغيرهما من المدن الفلسطينية لفت نظره ، أنّ الأغنية الشعبية الوطنية أو الفلكلور الغنائي الشعبي الفلسطيني النابع من وجدان ، و ونفوس ، ومشاعر، وأحاسيس الشعب الفلسطيني هو بمثابة سلاح يقاومون به قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب سلاح الكلاشينكوف , ويقول المراسل البريطاني بما معناه : “ أنّ الفلكلور بات شيئاً جوهريًا في نضالهم ضد أعداء النهار“ . ويضيف ، قائلاً : “ لقد جمعوا خيوط الفجر من المعاناة والظلام والعُتمة التي تحيط بهم من كل مكان “ . [c1] الحب على الطريقة الفلسطينية[/c] يقول أحد الشعراء الفلسطينيين عن الحب أو الغزل العذري الفلسطيني بما معناه : “ يختلف الحب العذري في فلسطين عن غيره من بلدان وشعوب العالم ، فالحبيب في الدول الأخرى يتغزل بمحبوبته ، ويهيم بها ، ويقف يبكي على أطلالها ، كما كان العرب يفعلون في صحراء نجد قبل الإسلام أمثال الشاعر امرؤ القيس أو قيس بن الملوح المعروف بـ ( مجنون ليلى ) أو جميل بثينه وغيرهم من شعراء الغزل والحب “ والذي مازال التاريخ يذكرهم حتى هذه اللحظة . ويمضي في حديثه ، قائلاً : ولكن الحب في فلسطين المعاصرة التي تعيش في قلب الأحداث الملتهبة والذي تدافع عن نفسها وكيانها ضد عدو غادر ، انتزعت الرحمة من قلبه بات حبها أكبر من مناجاة المحبوب لحبيبته، بات هناك حبًا وعشقاً أكبر من ذلك هو حب الوطن، حب التضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل أنّ ترتفع هامة فلسطين عالية رغم الصعوبات والمؤامرات التي يحيكها أعداء الحياة “ . ويستطرد : “ وهذا الشاعر يهمس في أذني حبيبته ، قائلاً لها : “ من حياتي شرفي أغلىومن دمي اللي سالصوت الانتفاضة أعلى من الاحتلالصوت الانتفاضة عالي وما بيخرس ها الصوتلولا لاجل الحق الغاليمين بيهنوا الموتمش هدف موت الإنسانالغاية حب الأوطانشعب يناضل من زمانبدو الاستقلال “ . [c1]يتغزل بوطنه[/c] انظر إلى تلك الأبيات التي تجسد الحب الحقيقي الواسع والكبير والذي هو بحجم السماء ، فالثائر الفلسطيني هنا لا يتغزل بحبيبته وإنما يتغزل بوطنه وبالانتفاضة الشعبية التي تأججت حمم بركان على أعداء الحياة ، الإسرائيليين الذين يحرقون الأخضر واليابس كل تلك الأفعال الإسرائيلية البشعة و المجرمة تشعل في نفوس الجماهير الفلسطينية الحماسة والصلابة ، وتجعل من الاستشهاد شرف لكونه وسيلة إلى التخلص من قيود الاستبداد ، والظلم ، والطغيان .[c1] “ أرض الضفة اشتعلت نار “[/c] ويصور شاعر شعبي مجهول قصيدة مُغناة عن استمرار الكفاح والنضال بين أبناء الشعب الفلسطيني ، فإذا سقط ثائر، قام ثائر آخر ، وأنه مهما تراكمت الآلام وجثم الليل الحالك على الصدور، فإنّ نور الأمل يبزغ من قلب الظلام ، فيقول بكلمات عميقة وصادقة ومؤثرة : “ خلي دمعة عينك ترحلأرض الضفة اشتعلت نارإن شاء الله ابنك بكره يكبرياخذ ثاري وثارك اما يطلع قايد للثوار فالشاعر يريد أنّ المعركة مع أعداء الحياة مستمرة ولن تتوقف لحظة واحدة وأنّ مواكب الأجيال ستحمل راية الكفاح والنضال حتى تشرق شمس الحرية على ربوع ، وسهول أرض فلسطين .[c1]من اليمن إلى فلسطين[/c] وينشد من أعماق وجدانه وخلجات نفسه الأستاذ الدكتور الشاعر الكبير عبد العزيز المقالح قصيدة بعنوان (( الفاتحة )) كلها مطرزة بالأمل مخترقة سحب اليأس الكثيفة ، رافعة شعار الاستمرار في النضال مهما كان طريقه وعر وصعب . فللقصيدة رسالة اعتزاز وحب وتقدير من الشعب اليمني إلى الشعب الفلسطيني البطل التي تربطه علاقات تاريخية وثيقة منذ الماضي البعيد زمن الفتوحات الإسلامية الكبرى ، وحرب فلسطين عام 1948م التي امتزجت الدماء اليمنية والفلسطينية الطاهرة على أرض الإسراء والمعراج المباركة ، فيقول : “ الصمت عارالخوف عارمن نحن . . عشاق النهارنبكي ، نحب ، نخاصم الأشباحنحيا في انتظارسنظل نحفر الجدارإمّا فتحنا ثغرة للنورإمّا متنا على وجه الجدارلا بأس تدركه معاولنا ولا ملل انكسارإنّ أجدبت سحب الخريفوفات في الصيف القطارسُحب الربيع ربيعناحُبلى بأمطار كثارولنا مع الجدب العقيم محاولات اختباروغدًا يكون الانتصار “ .ولقد غنت بعض من أبيات تلك القصيدة فرقة (( صابرين )) والتي تعد من أشهر الفرق الغنائية على أرض فلسطين ولها حضور متميز على الساحة الغنائية العربية . وقد حملت على كتفيها رسالة فنية هادفة وجادة ، وقيمة وهي نشر الأغنية الوطنية بين مختلف الأطياف الفلسطينية لتكون جنبًا إلى جانب البندقية في مواجهة العدو الصهيوني البشع . [c1]الهوية الفلسطينية [/c]والحقيقة أنّ الثقافة تمثل للقضية الفلسطينية غاية في الخطورة والأهمية لكونها تحافظ على الهوية الفلسطينية الأصيلة من المحو والطمس الذي يحاول المحتل بشتى الطرق ومختلف الوسائل من محوها ، وأنّ ينزع التراث الفلسطيني التربة الفلسطينية نزعا . وليتصدى الفلسطينيون لهذا المخطط الإسرائيلي ، اهتموا اهتماما بالغاً بإنشاء الفرق الفنية المختلفة منها التراثية النابعة من البيئة الفلسطينية الأصيلة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ الفلسطيني ومنها الفرق الغنائية الوطنية الشعبية التي تثير حماس مختلف الفئات الفلسطينية على تباين أعمارهم ، واختلاف حظوظهم الثقافية والفكرية من ناحية وتغرس في نفوس الصغار الغضة مبادئ المقاومة والصمود ضد عدو انتزعت منه الرحمة من ناحية ويعمل على إبادة كل ما هو فلسطيني من ناحية ثالثة وأخيرة .[c1] تواصل الأجيال[/c]والحقيقة أنّ “ الشعر المُغنى جرى الاهتمام بحفظه ونشره وتوزيعه من خلال الأشرطة والأسطوانات ، وللحفاظ على توحيد تناقله ، وتجذيره جماهيريته ، وفق صورته الصحيحة وبالطريقة الأفضل ، أخذت الفرق الفنية الفلسطينية بالانتشار تحيي الأمسيات وتقيم السهرات في مختلف أحياء المدن ، والمخيمات ، والقرى فتغني للناس ما يعرفون ويتناقلون ، لكن وفق الطريقة الفينة والإيقاعية الصحيحة ، فتطربهم وتصحح لهم ما يحفظون من أدب مغني ، وتشركهم في دبكاتها ، ورقصاتها ... ومواويلها ، فتكشف الخامات الفنية الجديدة بين صفوفهم ، وتعتني بهم فتطورهم وتطور الحركة الفنية معهم وبهم . وتسجل لنفسها موقعاً جديدًا في حركة الثقافة ، ومكانة جديدة في المجتمع “ . ونستخلص من ذلك أنّ الحركة الثقافية الفلسطينية الوطنية غايتها أنّ تتواصل الأجيال الفينة والإبداعية جيل وراء جيل يحمل راية الثقافة الوطنية التي تمثل السياج الحقيقي في الحفاظ على الكيان الثقافي الفلسطيني .[c1]“ طلع القمر فوق الطفولة “ [/c] وينهل الشاعر الفلسطيني حسين البرغوثي من منبع التراث الفلسطيني الشعبي الأصيل كلمات يسقطها على القضايا النضالية والكفاحية الذي يخوضها شعبه ضد العدو الصهيوني الغادر ، فيقول : طلع القمر فوق الطفولة والطفولة تلال تجمع عصافير وورد تحت القمر بسلاللأركض وراها بالبكا لاسقط على الحجارهذي طفولة مصادرة مرّة كتب وسراجمرة كتب وسراج ومرة سجن وافراجمرة حياة مزوره جوا مدينة مطوقة بحراسطلع القمر فوق الطفوله والطفولة صنوبره مالت ع شط بحارتلمع عليها بالحلم نجمه ملانه اسرارلأسهر عليها في الندى واضوى عليها سراجهذي طفوله مصادره مرة كتب وسراج ومرة سجن وافراجمرة حياة مزورة جوا مدينة مطوقة بحراس . من أسلحة المقاومة قلنا سابقاً : إنّ الأغنية الفلسطينية باتت جزء لا يتجزأ من أسلحة النضال والكفاح ، والمقاومة ضد الكيان الصهيوني الذي يعمل على نزع الهوية الشخصية من تربة فلسطين وإحلالها بهويته الباهتة التي ليس لها لون ولا رائحة . ولذلك ارتأى الشعراء، والفنانين بأنه من الضرورة بمكان أنّ تكون الأغنية الفلسطينية أغنية وطنية ملتزمة لها رسالة مقدسة أنّ تكون على مستوى الحدث أو الأحداث الجاريات على الساحة الفلسطينية . وهذا ما أكده الفنان عودة ترجمان في فرقة ( صابرين ) الفنية الفلسطينية ، قائلاً : “ أنّ الأغنية الوطنية الملتزمة تلعب دوراً أساسياً وسياسياً بين الجماهير لأنها نابعة من وقائع الحياة والمعاناة التي نعيشها تحت الاحتلال ، وحيث نعيشها كواقع فبالكلمة وباللحن ننقل هذا الواقع . إنّ هذا واجبنا وواجب كل الفرق الغنائية والموسيقية ، فإسرائيل كنظام لا تريد للشعب أنّ يُغني لوطنه ويتغنى به ، وهم غير مستعدين لقبول الأغاني ذات المستوى ، لأن ما هم معنيون به في وسائل أعلامهم الأغاني ذات المستوى المتدهور المضمون الكلام الفارغ “ .[c1]“ نيرون مات ، ولم تمت روما “[/c] وهاهو الشاعر الكبير المبدع محمود درويش يرسم في قصيدته ( عن إنسان ) لوحة ألوانها الأمل ، وظلالها الآلام ، والكفاح المرير ، والطويل , أو بعبارة أخرى فإنه يعرض علينا دروس من التاريخ والحياة بأنّ مهما طال الليل لا بد أنّ تبزغ أنوار الفجر ولو بعد حين . ولقد ذكرت كتب التاريخ أنّ نيرون الإمبراطور الروماني احرق بتصرفاته الهوجاء ، وغطرسته ، وغروره الذي لا حد له روما رمز المجد والفخار ، ولكن ذهب ريحه ، وبقيت روما شامخة متألقة عبر التاريخ ، فيقول في قصيدته : “ وضعوا على فمه السلاسل ربطوا يديه بصخرة الموتىوقالوا أنت قاتلاخذوا طعامه والملابس والبيارقورموه في زنزانة الموتىوقالوا : أنت سارقطردوه من كل المرافئاخذوا حبيبته الصغيرة وقالوا : أنت لاجئ يا دامي العينين والكفينإنّ الليل زائللا غرفة التوقيف باقيةولا زرد السلاسلنيرون مات ولم تمت رومابعينيها تقاتلوحبوب سنبلة تموتستملأ الوادي سنابل “ .[c1]الشاعر وقضاياه المصيرية[/c] والحقيقة أنّ الشاعر الفلسطيني يحمل على كتفيه هموم وقضايا شعبه المصيرية ، ينكوي بناره ، ويتعذب بعذاباته فإذا كان يعبر عن نفسه فإنه في الحقيقة يعبر ويجسد عن معاناة أهله في قرى ، ومخيمات ، ومدن فلسطين ابتداء من غزة و مرورًا بالضفة الغربية وانتهاءً بالقدس وكل مكان في فلسطين ، فالشاعر الفلسطيني قلبه ممزق بين أهله في الداخل، والشتات في الخارج ولذلك نشعر بكلمات قصائده تتفجر حمم بركان متأججة على رءوس الخونة ، والمحتلين الذين يحيكون المؤامرات على شعبه الفلسطيني . وعن طريق أشاعره يكشف للعالم بصورة واضحة لا لبس فيها جرائم إسرائيل الوحشية ضد شعبه الفلسطيني المعزول من السلاح الذي يقاتل ويواجه بصدره العاري، ودمه الحار صواريخ الطائرات ، وقذائف الدبابات بكل شجاعة فهو يصافح الموت والابتسامة العريضة تطل من وجه. وكما قال الشاعر الفلسطيني أنّ الموت بالنسبة للشاب الثائر الفلسطيني ليس غاية وإنما هو وسيلة لحماية أرضه وعرضه من عدو غدار . [c1] “ ما يحميك البنتاغون “[/c] وعندما نسمع زئير الجماهير الفلسطينية الغاضبة الساخطة، المؤمنة بقضيتها العادلة مدوية في مختلف القرى ، والمخيمات، والمدن الفلسطينية تصرخ في وجه شارون وأذنابه بالرحيل من القدس العربية ، وأنه مهما حاول شارون ، وإيهود أولمرت ، وليفني وغيرهم من القتلة الإسرائيليين الاحتماء وراء البنتاجون ( وزارة الدفاع الأمريكية ) ، فإنه لا بد أنّ يأتي يوم ويأخذوا عصاهم ويرحلون ، وهذا ما تؤكده الجماهير الفلسطينية بحناجر غاضبة:“ من القدس ارحل يا شارون ما يحميك البنتاغونوشعبي صمم ع ترحيلكلو صاروا الشهدا مليونوتشتعل الثورة الفلسطينية في كل مكان من قرى ، ومخيمات، ومدن فلسطين المختلفة النار في الحطب : “ في طرعان وفي سخنينومن عسفيا وعبلينثورة في برقة وجنينوأم الفحم واليامون “ .[c1]يا أم الأشبال .. يا حرة[/c]وتشدو الجماهير الفلسطينية بوطنها فلسطين والتي تبذل لها النفس والنفيس ، فتقول : “ وجبينك عالي يا بلدنا وجبينك عالييا أم الأشبال يا بلدنا يا أم الأشبالساطع كالشمسفي عزم وبأسوأعطيهم درسيا بلدنا كيف القتاليا أم الأشبال . . يا حرةنادينا نموت يا حرةفداك نموت يا حرةيا أرض اللوز . . يا حرةوالبعد عنك ما يجوز . . يا حرةنادينا نموت يا حرةفداك نموت يا حرة “ .[c1]شباب الانتفاضة[/c] ويترنم شاعر شعبي مجهول بإرادة وصمود ، وبسالة الشباب الفلسطيني في إبان الانتفاضة الأولى التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الثامن من ديسمبر سنة 1987م ، فيقول: “ أشبالك بالحجارة نارت لدروبحلفوا عن حب الأقصى لحظة ما نتوب قالوا تحريرك غاية وأغلى مطلوب وتعود ديارك قبلة للمسلمين “ .وفي دماء أولئك الأشبال يسري حب الأرض :“ أنا شبل الثورة يا أمي لا تقولي تغيرحب الأرض بيسري بدمي كل يوم بيكبر “ .[c1]“ جباليا ومعها غزة “[/c]والحقيقة عندما نقرأ كلمات الأغنية الشعبية الوطنية الفلسطينية تسطع وتتلألأ بوضوح وقوة أمام أعيننا معاني الأمل والتفاؤل أو بعبارة أخرى أنّ تلك الكلمات تخترق جدار اليأس ، والظلام. وعندما يتحدث الفنان لفلسطيني أيضًا عن الأغاني الشعبية فإنه يترامى إلى مسامعنا عبارات “ شعب يحب الحياة “ ، “ الموسيقى جزء من الحياة “ ، “ نحن نغني للحرية “ . كل تلك الأشياء تعطينا صورة صادقة بأنّ الشعب الفلسطيني ، على الرغم من الموت الذي يحاصره من كل مكان ، فإنه مازال مؤمناً بالحياة إيماناً عميقاً ، بل هو صانع الحياة ، وأنه سيأتي اليوم الذي لاشك فيه يكسر القيود ، ويحطم الأغلال ، ويركض إلى الحرية الواسعة والعريضة . ولسنا نبالغ إذا قلنا إنّ الفلكلور الشعبي النابع من البيئة الفلسطينية الأصيلة هو من أدوات الكفاح والنضال التي تستعملها الجماهير في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي . حقيقة أنّ أعداء الحياة ، يحرقون ، ويدمرون ، ويعملون على محو كل ما هو فلسطيني ، ولكن “ نيرون مات، ولم تمت روما “ ـــ على حد قول الشاعر محمود درويش ـــ . فستبقى فلسطين وشعبها رغم الظلام الدامس الذي يخيم على غزة ، جباليا ، الخليل ، الجليل ، ورام الله وغيرهم من قرى، ومخيمات ، ومدن فلسطين ، فسيتوارى الظلام ، ويبزغ نور فجر الحرية حتما. والحقيقة لقد ضربت المقاومة الفلسطينية أروع الأمثال في التلاحم في غزة ، جباليا ، الناصرة ، رام الله ، المجدل وغيرهم ، فقد خرج الجميع على تباين مشاربهم الاجتماعية ، وحظوظهم الثقافية ، واختلاف فئاتهم السياسية ينددون بقوى الظلم والعدوان . ما دفع الشاعر الفلسطيني الشعبي (( أبو فراس العنبتاوي)) إلى التعبير في كلمات عن افتخاره وسعادته الكبيرين ببطولات والتحام ووحدة أهل فلسطين بعضهم ببعض ، فيقول : “ ثورتنا ثورة للدمفيها الخال وفيها العموالنصر النا محتمبإذن رب البرية . . .جباليا ومعها غزةيا مفخرتي يا عزيلا رقاب الخصم جزًيوأرباب الصهيونية . . . يا أهلي بوطني المحتلبالناصرة والمجدلضربتم أروع مثلع دروب الوطنية “ .[c1] في بيروت[/c] والحقيقة أنّ القتال مع العدو الإسرائيلي الغادر ، قتال مفتوح ، فالمعارك تستعر بين المقاومة الفلسطينية واللبنانية من جهة وجيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى على أرض لبنان وليس فقط على قطاع غزة أو الضفة الغربية وغيرهما من أرض فلسطين . وهذا الشاعر الشعبي أبو فراس العنبتاوي يضرب الأمثلة البطولية الباهرة التي ضربتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مدن لبنان ضد الكيان الصهيوني ، فيقول : “ فلسطيني ما بذل “ ولا يهاب الموت يا صهيوني دربي تدلبشوارع بيروتبتعرفني بكل الحروببصور وصيدا والعرقوب والمينا وزهران “ .[c1]كسر حاجز الخوف[/c] والحقيقة أنّ الشاعر أو الشعراء الفلسطينيين ، يلفتوا نظرنا دائمًا إلى قضية غاية في الأهمية في الصراع الطويل والمرير مع العدو الإسرائيلي بأنّ الجماهير الفلسطينية العريضة كسرت حاجز الخوف ، ولم تعد الأسلحة الإسرائيلية الفتاكة والمتطورة من طائرات ، وآليات ، ودبابات تخيفها وترعبها فتوقفها قيد أنملة عن مطالبتها المستمرة والدائمة برحيل القوات الإسرائيلية عن أراضيها ، وإقامة دولتها المشروعة على أرض فلسطين ، وعاصمتها القدس . فيقول الشاعر الشعبي صاحب القصائد الرائعة و الجميلة المليئة بالحماسة أبو فراس العنبتاوي ـــ وهو من أشهر الشعراء الشعبيين في فلسطين ــــ على لسان الجماهير الفلسطينية الثائرة : “ يا إسرائيل ما بتخيفيناولا نخشى التهديدنحنا لاجل فلسطينا حملنا البواريدومشينا بدرب الثواركبار زغار حملنا حجاربغزة والميدان . . .يا شارون يللي بتعربدراح يجيك اليوموثيابك بالحزن تقددتبقى كالملخوموتصيح فكوا هاالورطة “ . [c1]“ احكي للعالم احكي له “[/c] من فوق منبر الإنسانية يحكي الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم في قصيدته( دخان البركان ) حكاية الشعب الفلسطيني الصامد أمام العدو الإسرائيلي الغاشم الذي يدمر ، ويحطم ، ويحرق كل شيء جميل على وجه فلسطين. فهو يوجه الخطاب إلى فلسطين الجريحة البطلة لتحكي للعالم ماذا فعل ويفعل أعداء الحياة بها وبأهلها الطيبين الصابرين ، فيقول ـــ والحزن يغشى قلبه ــــ : “ احكي للعالم احكي لهعن بيت كسروا قنديلهعن فأس قتلت زنبقةوحريق أودى بجديلهأحكي عن شاة لم تحلب عن عجنة أم ما خبزتعن سطح طيني أعشبأحكي للعالم أحكي لهيا بنت الجار المنسية “ . [c1]* الهامش :[/c]محمد سليمان ؛ أغاني الانتفاضة ، الطبعة الأولى آذار ( مارس ) 1989م ، إصدار الإعلام الموحد ـــ منظمة التحرير الفلسطينية ـــ منشورات بيسان للصحافة والنشر ـ نيقوسيا ـ .
|
تاريخ
الأغنية الفلسطينية وملحمة الصمود
أخبار متعلقة