قصة قصيرة
[c1]محمد عمر بحاح[/c]تخطت عتبة البيت الى ساحة الدار.. رشفت رحيق النسيم، ووقفت تحت شجرة النخيل الباسقة ،تمطت عيونها المتثائبة على اهداب السعف الناعسة ثم سقطت على عقود التمر المتمرغة بالاضواء وندى الصباح.مرقت في هذه اللحظة من تحت اقدامها بعض الدجاجات المنفلته من مطاردة ديكها..استهواها المنظر متابعته... وتدلت من شفتيها ابتسامة رضية سرعان ماتكومت تحت ثقل عجلات افكارها التي تضغط عليها منذ زمن .. حلت وجهها نحو الشرق ، سارحة بنظرها الباحث عن ذلك الوغد الذي انفلت بعيداً ، بينما هذا الطائر بعرفه الجميل وريشه النافش يرعى اناثه ككل الذكور ..اقتربت من جذع النخلة .. مالت عليها بكل ثقلها الذي تسمح به سنواتها الخمسون وهي تهزها .. تساقط الرطب على الارض .. التقطتها وهي تنفض ماعلق بها من تراب.. وبحركة تلقائية وضعتها في فمها ... لم تشعر الا برغبتها التلقائية منذ كانت صبية تحمل ( القفة) مع الضوء الاول للصباح وتسبق صبية القرية لالتقاط ما ألقته رياح الخريف اثناء الليل ... مضت سنوات بل عقود واصبحت غابة النخيل ذكرى جميلة في مخيلة امراة عجوز كرت عليها السنون ... ولكن من نساء القرية لاتحمل ذكرى لغابة النخيل هذه ؟ مامن واحدة الا وكانت مرتع احلامها ومحط آمالها .. تكبر الفتيات ويصبحن نسوة ولكن جيلاً جديداً من الفتيات والصبيات يظل يترعرع تحت ظلال هذه الاشجار الباسقة التي تتكاثر كل عام ... نساء هذه القرية عقدن وداً غريباً مع هذه الاشجار موسم لخريف هو موسم عودة الرجال المهاجرين ... لهذا ينتظرن زهر هذه الاشجار كما ينتظرن احلامهن الوردية... يحسبن الايام والاشهر يرمقن بعيونهن المتشوقة رؤوس النخيل يرقبن لحظة ان تحبل كل نخلة ثم يظللن يلاحظن نضوج الثمر بينما قلوبهن تتحرق شوقاء للقاء الرجال..وجدت طعم التمر مريراً في فمها... شعرت برغبتها القديمة في التقيؤ، وضعت اصبعها في حلقها تريد تتقيأ .. مسحت بظاهر يدها ما اعتقدت انه صمغ القي عن اطراف شفتيها ولكنها عادت بها خائبة ربما ان هذا الراس الغائر ليس سوى خدعة وطوال هذه السنين لم تحمل سوى كذبة كبيرة زائفة ، وهذه النخلة التي زرعتها في ساحة الدار يوم سفره، هي الاخرى ليست سوى خدعة... ظلت ترعاها باعصابها وبدم قلبها حتى صارت هذه الشجرة الباسقة تعطي ثمراً كل عام ولكنها لاتعطي رجلاً وهي تريد رجلاً ... زرعتها من اجل رجل ، وظلت تنتظر عودته في كل خريف ... ظلت تحسب بها السنين ... لم تكتف بغابة النخيل في القرية ولكن ارادت ان تكون لها نخلتها الخاصة .. كانت ترعى النخلة بفرح وتلحظ نموها يوماً بيوم ... وفي كل يوم كانت تتوقع ان يأتي الرجل المسافر .. كثيرون اتوا زرعوا في ارحام نسائهم نسلاً جديداً ثم ذهبوا من جديد... وظلت هي تنتظر وتحول الانتظار عندها الى رقصة حزينة ككحل اهدابها الوديعة ... هذا المسخ قفز فوق المحيطات مبتعداً عن القيء ... غزت الشقوق المنحنية صفحة وجهها البيضاء، الشعر الابيض كان نذير خطر يقترب المرآة المشروخة في جدار غرفتها .. كانت حصار الزمن نفسه .. اولاً باول تكشف بها ماتكره اية امرأة ان تراه على وجهها ... ظلت سنوات تنتظرهما احدهما اكثر من الاخر، احدهما من اجل الاخر... ان يهجم ذات يوم فتجده امامها في ساحة الدار بقامته الفارعة وشاربه الخفيف فيحتضنها ويأخذها الى الفراش من ساعته قبل ان يفوت الوقت ، تريد منه طفلاً.. ان اتصبح مثلما كل امراة في هذا العالم بكاء الاطفال وضحكتهم - الفرح فوق اهداب الفتيات وهن ذاهبات للاغتسال كل صباح في مياه العيون الساخنة .. سواعد الرجال الذاهبين للاصطياد .. وهي امرأة تعقد بينها وبين آلام العادة الشهرية وداً غريباً.. الشيء الذي تنتظره بفرح العذارى وتستمد منه القوة على الصبر والانتظار ... قلق وتوتر وآلام الظهر .. دفء الدم بين فخذيها ولا يزال هناك امل في ان تصبح اماً ذات يوم ولم تعط مثل هذا الحب لأحد آخر... الاول قفز فوق البحار في سفينة شراعية والاخرى تخونها في كل وقت كلما تقدمت بها السن اللعينة.واحياناً بسبب الاضطرابات النفسية التي تلقتها قلقة ومريضة ولاتشفى حتى يرى سروالها الداخلي ملطخاً.. مجرد تأخر العادة يجعلها تتصرف بعصبية تحطم كل مايقع تحت يديها وسنة بعد اخرى كانت عدد المرات تنقص كما تنقص كميات الدم فينهد كيانها ويتزلزل من الاعماق ... الزوج الغائب .. الانتظار الطويل ... وآلام الظهر بدأت تخف والامل ضئيل في ان تصبح اماً عما قريب ... وهي امرأة.. مرح ولعب الاطفال - ضحكات النسوة - وصدور الرجال العارية وفي السنوات الاخيرة هجمت عليها رغبات مجنونة ان تستوقف اي رجل في الطريق تصارحة بهذه الحقيقة التي تسري نارها فتحرك جسدها من الداخل .. تعري الرجال عن ملابسهم وتهجم عليهم عندها لايستجيبون لرغبتها حملتها طوال سنوات من اجل واحد منهم عبر المحيطات الى العالم ولم يعرف كيف يجعل زوجته ... تتقيأ ... تصرخ فيهم ايها الرجال من منكم قادر على منحي طفلاً ؟ اريد طفلاً وانا على استعداد لدفع الثمن اعرف ان هذه القرية ترجم الزانية .. ارجموني ولكن امنحوني طفلاً.. اعرف ان هذه الصراحة تجرحكم ، تستفز رجولتكم ولكني اريد طفلاً من أحدكم طفلاً ايها التيوس المخصية!!كانت على استعداد ان تضاجع كل رجال القرية واحداً إثر الآخر، اما في خيالها فقد ضاجعتهم جميعاً عندما كانت مراهقة وبعدما صار يقيناً عندها ان زوجها الغائب لن يعود وزاد الشعور لديها في الايام الاخيرة عندما لاحظت ان آلام الظهر لم تعد تهجم بنفس القوة ، لهذا كانت تبدو لنفسها عاهرة تضاجع كل ليلة اقوى شبان القرية وتكشف انهم جميعاً تيوس مخصية ... التعفن من الداخل ذلك ماتحس به ، عبء سنواتها الخمسين .. آلام الظهر انقطعت ، الشئ الوحيد الذي تحملت من أجله آلام الصليب .. والزوج الغائب لم يعد ثمة امل في طفل.