غُثاء المسلسلات العربية وزبدها
نادرة عبد القدوسكما يتبارى الماراثونيون ، فإن ( مبدعي ) المسلسلات التلفزيونية العربية يتبارون أيضاً، ولكن في رمضان ، في تقديم أصناف (ما لذ وطاب ) من المسلسلات ـ التي هي في نظرهم فقط ـ لذيذة وشهية ، أما المتفرج العربي ، فليمت في حسرته وقرفه من هذه الأصناف التي لا تسمن ولا تغني من جوع .. بل هي كغثاء السيل ورائحتها تزكم الأنوف.أما لماذا هذا الكم من المسلسلات ؟ وهذا التباري في تقديمها وكيفما كانت؟ وهذا السفه في المضمون ؟ وهذا الإسفاف في الإخراج والإنتاج ؛ فعلمه في عقول وأذهان أصحابها . إلا أن هناك أعمالاً فنية تستحق بالفعل مشاهدتها ومتابعتها ، كالمسلسل السوري “ وراء الشمس “ الذي يعرض حالياً ، والذي يتحدث عن مشكلة الإعاقة، وكيف يتم التعامل مع المعاق ذهنياً وحركياً . وهو العمل الفني الرائع تأليفاً وإنتاجاً وإخراجاً ، فالقصة واقعية ونعيشها في حياتنا اليومية ، وتعانيها أسر كثيرة لديها أبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة ، والفنانون السوريون يختلفون تماماً عن أشقائهم الفنانين العرب ، في مصر أو في الخليج العربي ، من حيث اختيار النص والمعالجة ، والتمثيل الواقعي وتقمص الأدوار بصدق واقتدار ، ودون إسراف في المساحيق ، بحيث يتفاعل المشاهد مع الممثلين وكأنما يعيش معهم ، وكذلك في ما يتعلق بالإخراج، فهو راقٍ وبدون منازع . وهناك أيضاً المسلسل العربي التاريخي “ القعقاع بن عمرو التميمي “ . أعترف بأني لست من متابعي المسلسلات العربية، خاصة في رمضان ، ولم أتسمر في حياتي أمام التلفاز سوى لمتابعة الجزأين الأول والثاني ، فقط ، من مسلسل “ باب الحارة “ ، وقبل سنوات كنت شديدة الحرص على متابعة مسلسلي “ الشهد والدموع ليالي الحلمية “ بأجزائهما كلها .. أما بعد تلك السنين ، فإن نفسي عافت مشاهدة المسلسلات وفيها ما فيها من مشاهد محشورة حشراً في السيناريو، فضلاً عن ملابس بعض بطلاتها غير اللائقة ومكياجهن ، وهذا السباق المحموم في تقديم الكم الهائل من هذه الأعمال الفنية وتخصيصها لشهر رمضان الكريم ، وكأنما هو شهر الدراما التليفزيونية ليس إلا .. دون مراعاة لمشاعر الناس في هذا الشهر الفضيل ودون احترام لعقلياتهم ، ودون معرفة علمية بالدراما التليفزيونية وخصوصيتها ، فاللهث وراء المال كان السبب وراء هذا الإسفاف الفني .. المال الذي طأطأ له الفنان المصري حسن يوسف رأسه ليتقمص شخصية هزيلة أمام ( فنانة العصر والأوان ) غادة عبد الرازق كأحد أزواجها الخمسة ، وقد شاهدت جزءً من إحدى حلقات هذا المسلسل مصادفة .. ومعروف عن الفنان حسن يوسف أنه صرّح في أكثر من وسيلة إعلامية بأنه لن يمارس فن التمثيل إلا في أعمال ذات قيمة دينية وفكرية ، كونه ملتزم دينياً . وكان انقطع عن التمثيل سنوات طويلة، حتى مشاهدته في مسلسل ليالي الحلمية ، ودوره في تقمص شخصية الشيخ متولي الشعراوي في مسلسل يتحدث عن سيرته ، وهكذا وقع حسن يوسف في الفخ وهو في السادسة والسبعين من عمره ، بعد تجربة أكثر من خمسة عقود في الساحة الفنية . كثير من الفنانين العرب يهتبلون الفرصة لـ (استعباط ) المشاهدين في الشهر الكريم ، والغريب أن معظم هؤلاء لا يشاهدون أعمالهم وهي تعرض في هذا الشهر ، لأنهم يدركون أن ما يقدمونه لا يمت للفن بصلة ولا بأخلاقيات مهنتهم ، والأغرب أننا نراهم للأسف في هذا الشهر في مكة المكرمة يعتمرون .. ولعلهم يدعون المولى أن يغفر لهم ذنبهم في هذا الشهر وما فعلوه بالمشاهد المسلم ، وقد اعترف أحد هؤلاء الفنانين لإحدى الصحف الفنية ، بأنه يحرص على تأدية العمرة في رمضان من كل عام ، وبأنه يستغفر الله في عمرته على ما اقترفه من ذنوب طوال العام .. هل رأيتم بجاحة مثل هذه ؟ الله يستر علينا وعلى أجيالنا القادمة .