د. محمد سلمان العبودي [email protected]هل شاهد أحد منكم في أي دولة أخرى ازدحاماً للسيارات يمتد لمسافة تصل إلى 8 كيلومترات متصلة تسير بها المركبات بشتى أنواعها (الخفيفة والثقيلة والثقيلة جداً) بسرعة لا تتجاوز أحيانا الـ 3 كيلومترات/ الساعة؟ هل يعقل أن تكون المسافة (الزمنية) بين الشارقة ودبي بالسيارة هي نفسها المسافة (الزمنية) بين دبي ودمشق بالطائرة؟ هل نظر أحدكم إلى شكل المباني المتراصة المتلاصقة التي تمنع حتى مرور الهواء والضوء بينها حتى بدت دون ذوق ودون أدنى تخطيط وأدنى مسؤولية؟ هل قرأنا جميعا بأن هناك نسبة كبيرة من المواطنين وخاصة من شباب هذا الوطن الحديثي التخرج أو ممن تخرجوا قبل أعوام وهم لا يملكون لا وظيفة ولا سكنا مطلقا أو يقيمون مع وعلى حساب أهاليهم؟ وأن هناك عائلات مكونة من عدة أفراد تعيش في بيت واحد عفا عليه الزمن منذ أمد طويل؟ هل تنزه أحدكم يوم الجمعة مع عائلته في حدائق الدولة وفي شوارعها لالتقاط صور تذكارية لليد العاملة التي تتكاثر يوما بعد يوم والتي غزت هذه الدولة صاحبة اليد الكريمة والقلب الطيب؟ يا ترى ما هو الدور الذي تلعبه دوائر التخطيط بالدولة؟ ولكن قبل ذلك؛ هل هناك في الأساس وجود لهذه الدوائر؟ فهل توجد بدولتنا التي مضى على تأسيسها ما يقارب الـ 36 عاما أي أثر لدوائر تخطيط سكانية ودوائر تخطيط اقتصادية ودوائر تخطيط مساحية ودوائر تخطيط اجتماعية وغيرها من الدوائر التي يقع على عاتقها تقديم دراسات شهرية ونصف سنوية وسنوية عن تطورات الوضع الديموغرافي والاقتصادي وعن إعداد أبحاث تتعلق بسرعة التطور المدني والاجتماعي والتعليمي والتربوي والصحي والسياحي؟ أم أننا أبناء اليوم فقط ولا يهمنا أن نستعد للمقبل؟ نحن جميعا نعلم بأنه كانت توجد في يوم من الأيام وزارة كاملة للتخطيط... واختفت من على الخارطة. ربما لأنها لم تعد لازمة أو لم تؤد عملها. وربما هناك عدة دوائر تخطيط موجودة على أرض الواقع ولكنها فيما يبدو معطلة أو لا تعمل أو لا يؤخذ بآرائها. إن أي مشروع أيا كان حجمه وأيا كان رأس ماله لا يكتب له النجاح بدون التخطيط العلمي السليم على يد خبراء متخصصين. فكيف بدولة بحجم دولة الإمارات؟ هل التخطيط لدينا مجرد قرارات عشوائية؟ لا أحد يعلم. نحن جميعا على يقين تام بأن حكام الإمارات جميعهم يقدمون الغالي والنفيس لأجل النهوض بهذه البلد وتنميتها على أسس سليمة وقوية ودائمة وتخدم المواطن. ولكننا مؤمنون أيضا بأن جميع قراراتهم فيما يخص بنية هذه الدولة قائمة على التصورات التي تقدم إليهم من قبل المسؤولين عن التنفيذ. ولكننا حينما ننزل إلى الشارع العام نجد أنفسنا نعيش ما يشبه الفوضى. وأي فوضى تجر معها فوضى أكبر وأعم. ففوضى الشوارع الضيقة مثلا والتي رصفت قبل 30 عاماً جرت معها فوضى شوارع حديثة (التخطيط). والمباني الشاهقة التي تم بناؤها بشكل عشوائي وعلى أساس إرضاء مصلحة المالك قبل مصلحة تخطيط المدينة جرت معها أخطاء لا أول لها ولا آخر. والشركات والمؤسسات والمحلات التي منحت التراخيص دون دراسة مدى احتياجات البلد إليها جعلتنا نقع في مطب العمالة الزائدة والزائفة والمخالفة. (كيف نفسر أن في شارع مسافته لا تتعدى كيلومتراً واحداً فقط يوجد أكثر من عشرين حلاقا؟ وعشرين محل نسخ مفاتيح؟ وعشرين مطعما؟) وعندما نسمع عن انتشار المستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة يتضح لنا أن النسبة الكبرى من أبناء هذا الوطن لا يستفيدون لا من المستشفيات الحكومية ولا من المدارس الحكومية. ليس لأن هاتين المؤسستين الخطيرتين تقدمان خدمات دون المستوى فقط، ولكنها غير مخطط لها لتتماشى مع ازدياد عدد سكان الدولة عاما بعد عام. فمعظم المستشفيات في الدولة بنيت قبل أكثر من عشرين عاما... وعدد غرف المرضى ما زال كما هو عليه دون زيادة وخدماتها تكاد تكون نفسها منذ افتتاحها. إن ما يؤلم حقا هو أن المواطن أولا وأخيرا هو الذي بدأ يدفع ثمن ثلاث معضلات كبرى تتضاعف يوما بعد يوم دون توقف على مستوى هذه الدولة الطيبة. المعضلة الكبرى الأولى التي نواجهها اليوم بدولة الإمارات العربية المتحدة والناتجة عن سوء التخطيط والتي سيكون حلها من المعجزات تتمثل في خلل التركيبة السكانية وما جره معه من تعقيدات على عدة أصعدة صحية وتعليمية وثقافية وبيئية واجتماعية واقتصادية وحتى أمنية. فأين التخطيط من هذه المسألة البالغة الخطورة؟ وما هي الإجراءات التي اتخذت للحد من توسعها قبل أن يشتد الرقع على الراقع. أما المعضلة الكبرى الثانية والتي أصبحت الشكوى فيها شبه يومية من خلال حديث الناس في البيوت أو من خلال البرامج الإذاعية المباشرة فهي ناتجة بالطبع عن الأولى وتمثلت في الازدياد اليومي والمبالغ فيه لأسعار السلع الأساسية بما لا يتناسب مع زيادة دخل الفرد السنوي. فإذا زادت رواتب الموظفين المواطنين 25 % بعد انقطاع استمر لعدة عقود فكيف نفسر زيادة أسعار العديد من سلع الاستهلاك بنسبة تفوق أحيانا على نسبة 100 % وكثير من الناس يغفل قضية هامة جدا: وهي أن زيادة الرواتب جاءت مرة واحدة ولن تتكرر قبل أعوام. بينما زيادة الأسعار تتزايد بشكل يومي! وهذه كارثة ناتجة عن سوء التخطيط أيضا. أما المعضلة الكبرى الثالثة فهي تدل على أن ما هو قادم أسوأ بكثير مما هو نحن عليه اليوم: الازدحام المروري. بحيث أصبحت الشوارع أشبه ما تكون بفخ منصوب لكل من تسول له نفسه الخروج من بيته! خاصة إذا وقع في شارع طويل متراص يمتد بين دوارين دون وجود منفذ جانبي للعودة من حيث أتى! ويكفيك أن تلقي نظرة على من حولك لتشاهد نفس الوجوه من نفس الجنسية يحيطون بك من كل صوب وجانب: ليس فقط في شوارع المدن، وإنما في الشركات الكبرى، والصغرى. والسوبرماركتات والبقالات الصغيرة والمحلات التجارية المتخصصة بشتى أنواعها ومحلات الخياطة والكي والمطاعم ومحلات الحلاقة وصنع المفاتيح التي ذكرناها سابقا وهلم جرا... هؤلاء الفائضون عن الحاجة (الذين سهلنا قدومهم ودخولهم ومنحهم التأشيرات بأرخص الأثمان لكي يقوموا جميعهم بخدمة مجموعة من المواطنين يعدون على أصابع اليد الواحدة) هؤلاء هم الذين خلقوا كل ذلك الازدحام المروري، وزادوا من معضلات هذا البلد الطيب... وهم الذين سيزداد عددهم يوم الأحد المقبل والذي بعده والذي من بعده إلى أن تصبح دولة الإمارات بعد عشر سنوات أو عشرين سنة عشرات الآلاف من العمارات الشاهقة المسكونة بملايين الوافدين الأجانب والذين ينزلون إلى الشوارع ليل نهار لقضاء حاجاتهم وحاجات أبنائهم وأسرهم، وأسرهم في بلدانهم وليس حاجات المواطن الذي أمسى لا يعرف أين يذهب أو كيف يمر من بين سيارتين تقفان في الزحام الذي مر عليه أكثر من ساعة. (ناهيك عن مناظر عدم احترام جمال ونظافة البلد الذي فتح له قلبه فيقوم أحدهم في وضح النهار ودون أي مراعاة لشعور الآخرين بفتح باب سيارته وبصق أمراضه المعدية على الأسفلت الذي كلف الدولة ملايين الدراهم لينقل إلينا وإلى عائلاتنا ما لا يعلمه إلا الله). هذا الازدحام المروري اليومي أصبح هاجس الجميع. ولو كان هناك تخطيط جيد وقرارات تنفذ هذه الخطط لحلت المشكلة خلال سنة واحدة. التخطيط هنا لا أعني به فقط تخطيط الشوارع، ولكن وضع خطة تحد من هذا الازدحام قبل وقوعه... والخطط كثيرة ومن الممكن تنفيذها لو أننا وضعنا مصلحة الوطن فوق مصلحة التاجر... فماذا لو وضعنا رسوما (سنوية) عالية جدا تفرض على أصحاب تأشيرات الإقامة إذا رغبوا في إصدار أو تجديد ملكية مركباتهم؟ وحددنا سيارة واحدة فقط لكل عائلة من تلك العائلات؟ ومنعنا بيع السيارات لمن تكون درجته الوظيفية منهم أقل من كذا درجة مثلا؟ ووفرنا شبكة خطوط مواصلات حديثة ومتطورة؟ فلنتخيل حالنا إذا ما ظل الوضع كما هو عليه اليوم من سهولة شراء مركبة وتسجيلها، ومن سهولة الحصول على تأشيرة عمل بالدولة، وسهولة الحصول على عمل، وسهولة جلب العمالة الأجنبية، وسهولة رفع أسعار المواد بشتى أنواعها، ترى كيف سيكون حال مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2017م أي بعد 10 سنوات فقط؟ وعام 2027م وعام 2037م وعام 2047م هذا إذا ظل هناك أثر لهؤلاء المواطنين! يجب أن نبدأ التخطيط للمستقبل، لعشر سنوات مقبلة، ولعشرين سنة آتية، وثلاثين سنة مقبلة، كي لا نصبح مثل تلك الأحياء الشعبية التي كان لا يقطنها إلا المواطنون وأصبحت اليوم يسكنها عشرات الآلاف من الوافدين من الرجال من الدول الآسيوية.. بعد أن فر منها أصحابها المواطنون إلى مناطق نائية!! غدا إلى أين سيذهب نفس هؤلاء المواطنون إن غزاهم الآسيويون إلى هناك أيضا؟ [c1]نقلاً عن صحيفة البيان الأماراتية[/c]
الإمارات بعد 50 سنة
أخبار متعلقة