حكايات من أدب شكسبير
إعداد / تشارلز وماري لامبترجمة وعرض / طارق السقافالشخصيات- بابتستا : ثري مهذب من بادوابنات باتستا :- كاثرين (الشرسة)- بيانكا- زوجة هورتنسيو- فينسنتيو : عجوز مهذب- لوسينتيو : ابن فينسنتيو ويحب بيانكا- بتروشيو : رجل مهذب من فيرونا وزوج كاثرين فيما بعد- هورتنسيو : رجل مهذب من بادوا- الخياطكانت كاثرين الشرسة أكبر بنات بابتستا وهو رجل ثري من بادوا، كانت فتاة ذات مزاج وصوت عال ولسان سليط، حتى أنها كانت لا تعرف في بادوا باسم آخر سوى كاثرين الشرسة، وكان من المستحيل أنه سيوجد من يتقدم للزواج من هذه الفتاة أبداً.. ولهذا فقد وجه الكثيرون اللوم إلى بابتستا لرفضه عروض زواج رائعة لأختها الرقيقة بيانكا، وكانت حجته في ذلك أنه عندما ينفض يده من الأخت الكبرى يكون لبيانكا الصغيرة مطلق الحرية في الزواج.حدث في ذلك الأثناء أن قدم إلى بادوا رجل يدعى بتروشيو بهدف البحث عن زوجة، ولم يثبط من عزيمته تلك الاعتبارات عن حدة مزاج كاثرين، خاصة عندما علم أنها ثرية وجميلة، فصمم على الزواج من تلك الشرسة الشهيرة ويروضها ليجعل منها زوجة مطيعة ورقيقة.وحقيقة لم يكن هناك من هو أنسب من بتروشيو ليحاول ذلك، كان معتداً بنفسه مثل كاثرين ومسلياً وصاحب روح فكهة. بالإضافة إلى انه كان حكيماً جداً وصاحب رؤى صائبة.عندما ذهب بتروشيو لطلب يد كاثرين الشرسة كان أول شيء طلبه من بابتستا أن يحاول الفوز بابنته الرقيقة كاثرين كما سماها بتروشيو، لتكون زوجة له وقال إنه عندما سمع عن تواضعها وسلوكها المهذب حضر من فيرونا لطلب يدها. وعلى الرغم من أن والدها كان يتمنى أن تتزوج إلا أنه وجد نفسه مضطراً للاعتراف بأن شخصية كاثرين على العكس تماماً من ذلك، وفي نفس اللحظة التي كانا يتحدثان فيها اندفع من داخل الحجرة مدرس الموسيقى صائحاً يشكو من أن كاثرين الرقيقة تلميذته قد ضربته على رأسه بآلتها الموسيقية لأنه تجرأ واكتشف بعض الخطأ في عزفها.عندما سمع بتروشيو ذلك قال « يالها من فتاة رائعة!! كم أحبها كثيراً، كما أنني أود أن أتحدث إليها قليلاً!!»، وعندما طلب من والدها أن يمنحه موافقته قال : « لابد أن أعود لمباشرة أعمالي يا سيد باتستا، فأنا لا أستطيع أن آتي كل يوم لكسب ودها كما ترى، فوالدي مات كما تعلم، وترك لي إرثاً يشمل كل أراضيه وعقاراته. أرجوك أن تخبرني لو أنني فزت بحب ابنتك، كم من المال ستهبه لها..؟ «على الرغم من أن باتستا رأى أن هذا سلوك خشن لا يتناسب مع عاشق، لكن لأنه سيكون سعيداً بزواج ابنته كاثرين، فأجاب بأنه سيهبها ألفي كرون ونصف ميراثه بعد وفاته.وهكذا تم الاتفاق بسرعة وذهب باتستا ليخبر ابنته بأن لها عاشقاً، وأرسلها إلى بتروشيو لتسمع منه رغبته في الزواج منها.في تلك الأثناء كان بتروشيو قد قرر الطريقة التي يعبر بها عن حبه لها.. وقال لنفسه « لو أنها ستكون غاضبة مني، فسأقول لها أنها تشدو بعذوبة كالطائر، وإذا بدت عابسة فسأقول له أنها تبدو في صفاء الوردة التي سقتها الأمطار، وإذا لم تتحدث معي فسوف أمتدح بساطة وجمال لغتها، وإذا طلبت مني مغادرة المكان فسوف أشكرها كما لو أنها قد طلبت مني أن أبقى معها أسبوعاً «.. عندئذ دخلت كاثرين وتحدث إليها بتروشيو قائلاً « صباح الخير يا كات، أليس هذا هو اسمك الذي ينادونك به؟!!.لم ترق هذه التحية لكاثرين فقالت له بغطرسة واضحة « أن من يريد التحدث إلي يجب أن يدعوني كاثرين «، فأجابها بابتسامة غير متكلفة « أنت تكذبين يا حبيبتي، لأنهم يدعونك كات ببساطة، وكات الجميلة وأحياناً كات الشرسة، لكنك يا كات أجمل وأرق امرأة رأيتها في حياتي، وبما أنني سمعت الجميع وهم يمتدحون أخلاقك العالية، لذا فقد جئت لأحظى بك زوجة لي «.كان أسلوب الغزل بينهما غريباً، فقد كان بصوت عال وكلمات غاضبة، وقد حاولت كاثرين بشتى الطرق أن تشرح له أنها حازت على لقب السليطة اللسان وبجدارة وأن كل ما سمعه عنها ما هو إلا كذب وبعيد عن الحقيقة، وأخيراً عندما سمعا صوت قدوم والدها قال لها بسرعة وحسم منهياً الحوار بينهما « عزيزتي كات، دعينا نوقف هذا الحديث الذي لا طائل من ورائه، لأن والدك المحترم قد وافق على أن تكوني زوجة لي، وسوف أتزوجك سواء شئت أم أبيت». وعندما دخل بابتستا أخبره بتروشيو أن ابنته قد استقبلته بلطف ووافقت على الزواج منه يوم الأحد القادم. فقالت كاثرين معترضة « هذا ليس صحيحاً « وقالت في قرارة نفسها بانها تود لو أن تراه مشنوقاً يوم الأحد، كما أنها لامت والدها لرغبته في تزويجها بهذه الطريقة كما لو أنه يريد التخلص منها. فطلب بتروشيو من والدها ألا يعير اهتماماً لكلماتها الغاضبة لأنهما قد اتفقا على أن تبدو غير موافقة في حضوره، ولكن عندما كانا بمفرديهما اكتشف أنها تحبه كثيراً. عندئذ قال لها « ناوليني يدك يا كات، سأذهب إلى فينيسيا لأشتري لك ثياباً جميلة لزواجنا « ثم التفت إلى بابتستا وقال له بأدب واحترام « استعد يا سيدي للاحتفال وادعو الضيوف.. لن أنسى إحضار الملابس الفاخرة وكذا الخواتم حتى تبدو حبيبتي كات في أبهى جمالها.. هيا يا كات قبليني لأننا سنتزوج يوم الأحد القادم «.وأخيراً أتى يوم الحفل، وقد احتشد الضيوف في القاعة الفخمة، وظلوا منتظرين قدوم العريس لوقت طويل، وبكت كاثرين خشية أن يكون بتروشيو يسخر منها، وأخيراً ظهر بتروشيو، ولكنه لم يحضر معه شيئاً من الملابس الفاخرة التي وعد بإحضارها لكاثرين، حتى هو نفسه لم يرتدِ ملابس العريس، كان يرتدي ملابس غريبة كما لو أنه ذاهب في مهمة عمل، حتى خادمه كان يرتدي ملابس فقيرة وكذلك الخيل التي ركباها كان مظهرها على هذا النحو.لم يستطع أحد من الضيوف أن يقنع بتروشيو بتغيير ملابسه معللاً ذلك بأن كاثرين سوف تتزوجه هو وليس ملابسه، وعندما وجدوا أنه لا فائدة ترجى من إقناعه توجهوا إلى الكنيسة وهناك ظل يتصرف بنفس الطريقة الغريبة حتى مع قس الكنيسة نفسه عندما سأله هل يرغب بكاثرين أن تكون زوجة له، كان يرد بطريقة غير مألوفة وشاذة وبصوت مرتفع، وطول فترة عقد القران كان يدق قدميه على الأرض وبقوة، حتى أن كاثرين المعتدة بنفسها بدأت تضطرب وترتعش خوفاً. وفي الكنيسة، طلب نبيذاً وشربه في صحة كل الموجودين دون إبداء سبب لتصرفه الغريب هذا، سوى أن ذقنه تبدو هزيلة وعطشانة وفي حاجة للشراب كي تنمو!!!.لم يسبق أن حدث زواج غريب على هذا النحو، لكن بتروشيو أدعى بالجنون فقط، حتى يحقق مزيداً من النجاح لخطته التي رسمها لتهذيب زوجته الشرسة. كان حفل الزفاف قد كلف بابتستا كثيراً، لكن عندما عادوا من الكنيسة، أصر بتروشيو على أخذ عروسه إلى بيته فوراً، ولم يفلح نقاش بابتستا معه ولا كلمات كاثرين الغاضبة أن تثنيه عن إصراره العنيد، وقد أعلن أن من حقه كزوج أن يفعل ما يحلو له مع زوجته وأسرع خارجاً بكاثرين، وكله تصميم وإرادة بأن لا أحد يجرؤ على إيقافه.وجعل بتروشيو زوجته تمتطي ظهر حصاناً يبدو عليه الهزال والجوع، وقد انتقاه خصيصاً لتركبه، ولم يكن الحصان الذي يركبه هو أو خادمه بأفضل من ذلك. وانطلقوا راحلين في طريق وعرة موحلة وشاقة، وعندما كاد حصان كاثرين يقع، كان يصرخ وبقوة في ذلك الحصان المسكين الضعيف.بعد وصولهم أخيراً بعد رحلة شاقة ومجهدة، لم تسمع كاثرين خلالها إلا صياح بتروشيو العاصف في الخادم كي يدخل الخيول إلى الإسطبل،. رحب بتروشيو بقدوم زوجته إلى بيتها بصوت مغتضب، وكان قد رتب في ذهنه بان لا تتناول أي طعام ولا تسنح لها أية فرصة لتأخذ ولو قسط من الراحة في تلك الليلة.كانت الموائد مفروشة، وسرعان ما تم تقديم العشاء لكن بتروشيو تظاهر بأن كل أطباق الطعام ليست كما ينبغي، وألقى اللحم على الأرض، وأمر الخدم أن يرفعوا الطعام. وقال إنه فعل كل ذلك بسبب حبه لها، إذ لا ينبغي أن تأكل لحماً ليس مطهوا جيداً. وعندما تعبت كاثرين واقتنعت بأنه لم يعد هناك أملاً في العشاء، ذهبت إلى السرير كي تستريح، لكنه أدعى أن الفراش غير مرتب كما ينبغي وألقى بالملاءات في كل أرجاء الغرفة. فوجدت نفسها مجبرة على الجلوس على مقعد، وإذا حدث واستغرقت في النوم كانت تستيقظ بسرعة على صوت زوجها المرتفع، وهو يعنف الخدم لعدم ترتيب حجرة عروسه كما ينبغي.