في حقيقة الأمر أود أن أوضح أن الفكرة الجميلة هذه لم تخطر ببالي بل هي لأحد الزملاء الأعزاء العاملين في حقل التلفاز وهو الإعلامي المعروف (معروف بامرحول) حين طلب مني اجراء لقاء تلفزيوني يتناول (زينة المرأة أو حليها)، وللأسف تعذر ذلك لانني كنت أعاني من وعكة مرضية، تفصلني عن تلك الدعوة مسافة أربع سنوات .ولكنني وجدت نفسي وأنا أقرأ بعض القصائد الشعرية ومنها الغنائية امام هذه الفكرة ، فحاولت وهي اول محاولة التلمس والتنقيب في هذه القصائد لجمع تلك القطع أو الحلي التي تتخذها المرأة للزينة من هذا البيت الشعري ومن ذاك.ولو أنه لنا مثل شعبي يقول : (الظبي حالي بلا قلاقل واذا تقلقل حليً) ويقصد به أن المرأة بطبيعتها الأنثوية جميلة. ولكن ر بما تزيدها الحلي القاً وجمالاً.فهذا الفنان العبدلي أحمد فضل القمندان في قصيدته (طبت ياالمضنون) يقول:[c1]عجيب منك ياحبيبي عجب *** طبعك تقلبعلقت في أذنيك قرط الذهب ** قلبي تقطبوالسحر في عينيك مصبوب صب *** تسبي وتنهبطبت يا المضنون[/c]وهنا تبرز اقراط الذهب التي تعلقها المرأة على أذنيها فنالت من قلب الشاعر ما نالت من (تقطيع) لجمالها والقرط حلي تعلقه المرأة عادة على أذنيها وتتميز به عن الرجل وزينته.أما قصيدة (يابوزيد) وهي من كلماته نسجها على لحن تراثي مطور يشكو فيه من المحب الذي سلبه عقله ومضى هذا المستلهب كان مولى (البنجري الذهب) حيث تقول كلمات القصيدة :[c1]عذبني المكحل طويل الهدب لما هاش عقلي وقفى وهب عذبني وهب وهب *** مولي البنجري الذهبوأبو زيد وامسلي على خاطري[/c]وفي قصيدة اخرى للقمندان نقتطف منها ما يتعلق بحلي المرأة :[c1]ليتني عندهم بايطرحوني وداعةليتني في السمر بوري برأس المداعةليتني ليتني بنجري في معصمه أو ذراعه[/c]وفيها من الاماني ان يكون الشاعر بنجرياً في معصم أو ذراع الحبيب وهنا تزكية تؤكد ان البنجري وهي لفظة لحجية تعني الاسورة أو اساور ، تطوق يد المرأة وهي متنوعة منها الذهب أو من معدن الفضة أو من النوع البلاستيكي ذي الالوان المزركشة تتحلى به النساء الفقيرات مجلوب من الهند يطلق عليها باللهجة المحلية مصطلح (الزنود) ونجد الزنود في قصيدة (مابى بديل) للاستاذ الفنان محمد سعد عبدالله:[c1]تذكرته اذا نسنس برود على جسمه وحرك شرشفهوذي اليدين ذي فيهم زنود يطوقني بهم لما ارشفه[/c]والصورة الجميلة لاتتناول اليدين المزينة بالزنود بل والشرشف وهو رداء تحتجب فيه المرأة عند خروجها خارج المنزل يكسوها من اعلى الرأس حتى اخمص القدم وهبوب النسائم باتجاه معاكس لوجهة المرأة اثناء سيرها يؤدي إلى التصاق الشرشف الحريري بجسدها لتبرز مفاتنها لتظل ذاكرة المحب محتفظة بهذه الصورة بقول الشاعر (تذكرته اذا نسنس برود على جسمه وحرك شرشفه)وهذا الرداء شائع ورائج اللبس في لحج وعدن وأبين فقط.ونحن بصدد التنقيب عن نوع الحلي والزينة التي تخص المرأة نعرج في قصيدة القمندان (صابر على عهدي وباموت)[c1]معي جاهل وفي ساعده قشوكلما سار قشقشهلي جاهل وخده منقشصابر على عهدي وباموت[/c]وهنا نعثر على حلية اطلق عليها الشاعر (قش) وهي مجموعة من الاساور تطوق اليد وقد اتينا على ذكرها تحدث صوتاً يعطي مدلولاً على الانوثة مصدر الصوت. تلك الحلية التي تثير شجون الشاعر بقوله : (وكلما سار قشقش).وفي القصيدة ذاتها نعثر على ابرز ما تتحلى به المرأة وهي حلية (القلادة) التي تطوق عنقها وتتدلى على صدرها قائلاً:[c1]مباح العشق لاهل الهوىومن معه زين حبهيسوي له قشاقش ولبهصابر على عهدي وباموت[/c]ولفظه اللبة ترادفها ايضاً باللهجة المحلية للمنطقة (المرية) وهي انواع من أنواع القلادة كما اسلفت مسبقاً تطوق عنق المرأة.واذا كانت اللبة والقشاقش والبنجري والاقراط قد عثرنا عليها في الابيات الشعرية للقصائد التي استعرضناها نضيف هنا (الحجالة) إلى جملة هذه الحلي والتي جاءت في رائعة القمندان (صادت عيون المها قلبي):[c1]ذاب الكبد في هوى المضنون والقلب ما ملتايه قفا الزين صاحب المهر الأغر المحجلظامي من البعد يا ليته سقاني تجملمن ثغره السلسبيل اللؤلؤ الاقحواني[/c]والحجل هو (الخلخال) تضعه المرأة في رجليها وعندما ترقص أو تمشي يثير صوتاً له دلالات انثوية صارخة الجمال والاثارة في النفوس وهو في الاغلب مصنوع من معدن الفضة ويمكن ان يصاغ من الذهب ولكن للفضة صوتاً وايقاعاً اجمل واقوى.هذه الايقاعات التي نجدها الخلخال أو الحجل كما يطلق عليه العامة نجده في قصيدة الشاعر محسن بن عبدالكريم بعنوان (الحبيب الذي غاب عنا واحتجب)[c1]ان يشا القلب شده وان يطلب ذهب *** كل هذه مطالب يسيرهوالذي زان معسول ثغره بالشنب *** مايجد في الغواني نظيرهان تثنى قوامه فما احلى العذب *** فيه والحجل تسمع صريرهان كشف ليل جعده فما هذا العجب *** ليل داجي اوان الظهيرة[/c]وهنا الشاعر يصف تثنى قوام حبيبه بالعذوبة الذي معه تسمع صرير الحجل.ولان الخلخال أو الحجول كما يطلق عليها لها صوت وايقاع اكثر اثارة من أي قطعة من حلي المرأة فهي رمز من رموز الاثارة والجمال نلتمسه في ابيات هذه الحمينية للشاعر أحمد بن عبدالرحمن الآنسي بعنوان (إلهي من لعبدك في النوائب) قائلاً:[c1]حياتي حين اراك جنح السحايب *** سميري والخواطر مطمئنةوتخطر بالمسالس والذوائب *** على جيدك يمنه ويسرهواسمع للبريم مغنى مناسب *** وللاحجال رنة برنة[/c]وهنا لم يكتف الشاعر برنات الاحجال بل والمسالس والذوائب المطوقة للجيد موضوعة في يد الحبيب يمناه ويسراه والمسالس جمع سلس عادة تطوق المرأة به يديها أو تعلقه في عنقها ليتدلى على صدرها منها النوع الطويل ومنها القصير الذي يقف تدليه عند النهود ويطلق عليها مصطلح العقد ويختلف تصويره في الشعر من شاعر لآخر ففي قصيدة للامير صالح مهدي بعنوان (الهوى جايز) يقول :[c1]ليتني نسمة على وجه الحبيب *** في شمال الخد والا في الجنوبليتني وردة شذاها له يطيب *** ليتني حلية تزين ذي الكعوب[/c]ويقصد بهذه الحلية المزينة للكعوب أي (النهدين) هي السلسلة المتدلية عليه لتصل إلى فجوة النهدين فكانت اقصى أمانيه لوكان في ذلك الجزء المغري والجميل من صدر المرأة والذي شد شاعر آخر هو الشاعر ابن شرف الدين في قصيدته (حميمة باتت تردد) الحان قائلاً:[c1]ما مطلبي الا اضم عطفك *** واشتم من بين العقود عرفكوالزم على قلبي بنان كفك *** وارشف بديدك من شفاه مرجان[/c]لم يشرهنا ان ابن شرف الدين إلى مكان العقود وهو صدر المرأة وهو جمع عقد بل وابرز لنا حلية اخرى لم نوردها تشكل اضافة إلى مجموع القطع والحلي في قصيدة اخرى له بعنوان (لقيت في المسقى) قائلاً:[c1]عتقي التزامك في العناق *** واحل طوقك والنطاقوالثم فمك حالي المذاق[/c] و(النطاق) هو الحزام الذي تلف به المرأة خصرها ليفصل جسدها عالية عن سافله ، والنطاق يمكن ان يكون مصاغاً من الذهب أو الفضة او حتى من القماش .. وقد اطلق على اسماء بنت ابي بكر رسولنا المعظم محمد (ص) لقب ذات النطاقين .ونختتم استعراضنا لجملة هذه القصائد الشعرية التي حاولنا خلالها التنقيب عن حلي المرأة بحلية نادرة التعاطي معها في مناطقنا الجنوبية ، بل هي أكثر استخداماً في ريفنا اليمني اكثر من مدنه والتي اتى على ذكرها الشاعر عبدالرحمن الآنسي في قصيدته (ياشاري البرق من تهامة)[c1]وهل ظبى الربى الرغاديد *** تسنح اذا شمت البرودوتطبع الطيب وتوضح الجيد *** وتنقش الكف والنهودوتنعم اعطافها الاماليد *** بريمها مذهب البنودالانف مايل عليه زمامه *** يشأ من المبسم العبوق[/c]و(الزمامة) حلية توضع في الانف مصنوعة من الذهب غالباً حيث يثقب انف المرأة خصيصاً بابرة يسبب جرحاً سرعان ما يندمل ويوضع خيط في الثقب مدة يومين أو ثلاثة للتشافي ثم تضع المرأة حليتها في الانف ويطلق على هذه العملية (التخشيف) باللهجة الدارجة وتتكبد المرأة مشقة في سبيل الزينة والجمال لتذكرنا بقول الشاعر العبدلي القمندان (من اجل العسل با اصبر على قبصتك وانوب).
|
ثقافة
حلي المراة في الشعر اليمني
أخبار متعلقة